الأدميرال كوزنتسوف.. ورقة روسيا الرابحة في سوق السلاح

عادت حاملة الطائرات الروسية الوحيدة "الأدميرال كوزنتسوف" إلى واجهة الجدل، بعدما تحدثت تقارير إعلامية عن احتمال إخراجها من الخدمة نهائيا.
ووفقا لمجلة "مليتري ووتش"، عززت هذه التسريبات مؤشرات ظهرت في خريف 2024، حين كشفت تقارير أن جزءاً من طاقم السفينة قد التحق بوحدة جديدة لمشاة البحرية، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة ضمنية إلى أن موسكو قد لا تعوّل كثيراً على مستقبل الحاملة.
ورغم تفسيرات رسمية تربط هذه الخطوة بعمليات تحديث تقلّص الحاجة إلى طاقم ضخم، فإن غياب أي خطوات ملموسة لإعادة حاملة الطائرات، إلى الخدمة يعزز فرضية التقاعد المبكر. لكن أي قرار من هذا النوع لا يمكن أن يمر من دون كلفة، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي أو حتى السياسي.
خبرة عقود واستثمار ضخم
تشير المجلة إلى أن تشغيل حاملة طائرات لا يقتصر على امتلاك سفينة ضخمة، بل يتطلب عقودا من الخبرة والاستثمار في البنية التحتية، من تدريب الطيارين وأطقم الصيانة إلى تطوير أنظمة الدعم البحري والجوي.
لذلك، فإن التخلي عن "الأدميرال كوزنتسوف" بلا بديل يضع روسيا أمام معضلة حقيقية.
وتنص وثيقة "أساسيات سياسة الدولة في مجال النشاط البحري حتى 2030"، بوضوح على أن أسطولي الشمال والهادي يجب أن يضم كل منهما حاملة طائرات، ما يجعل سيناريو التقاعد بلا بديل أمرا صعبا داخل المؤسسات العسكرية.
وكذلك، فإن استمرار الحاملة في الخدمة لا يرتبط فقط بالجاهزية القتالية، بل يحمل أبعادا تتجاوز ذلك. فاستمرار وجود جناح جوي بحري يتيح لموسكو الانخراط في تدريبات مشتركة أكثر تعقيدا مع حلفائها الرئيسيين في آسيا، الصين والهند.
والأهم أنه يمنح الصناعات الدفاعية الروسية منصة لتسويق منتجاتها البحرية، خاصة للهند التي تُعد عميلا استراتيجيا لروسيا منذ عقود.
العقود العسكرية
الأرقام تكشف حجم الرهانات. فقد حصلت روسيا على نحو 2.35 مليار دولار من صفقة بيع حاملة الطائرات "فيكراماديتيا" للهند، إضافة إلى أكثر من ملياري دولار أخرى من توريد مقاتلات "ميغ-29 كيه" المخصصة للعمل على متنها.
ولم تتوقف العقود عند ذلك، إذ شملت صفقات أخرى مثل توريد مروحيات "كا-31" للإنذار المبكر.
وبالنظر إلى أن نيودلهي لا ترغب في الاعتماد على الصين أو الولايات المتحدة لتطوير برنامجها البحري لأسباب سياسية، تظل روسيا – إلى جانب فرنسا – الخيار الأكثر واقعية.
مقارنة مع فرنسا
الوضع يمنح موسكو ميزة نسبية واضحة. فباريس تعتمد بدرجة كبيرة على تقنيات أمريكية في تشغيل حاملتها، بدءاً من أنظمة الإنذار المبكر وصولاً إلى الدعم اللوجستي.
كما أن صناعة الطيران الفرنسية تواجه فجوة ملحوظة مقارنة بروسيا أو الصين أو الولايات المتحدة.
وستظل مقاتلات "رافال" التي دخلت الخدمة عام 2001، العمود الفقري للجناح الجوي الفرنسي حتى بعد دخول الحاملة الجديدة الخدمة عام 2038، ما يجعلها متأخرة عن أحدث المقاتلات الروسية والصينية والأمريكية.
هذا الواقع يفتح أمام موسكو فرصة لتسويق مقاتلات جيل خامس بحرية للهند، وتثبيت موقعها كمورد رئيسي في سوق السلاح البحري.
سو-57
ومنذ مطلع 2025 تكثفت الأنباء عن محادثات روسية-هندية بشأن مقاتلات "سو-57" الشبحية، مع طرح خيار إنتاجها محلياً.
وإذا كانت "ميغ-29" قد فتحت الباب أمام نسخة بحرية هي "ميغ-29 كيه"، فإن "سو-57" مرشحة لتكرار السيناريو عبر تطوير نسخة بحرية شبحية.
وبالنسبة لنيودلهي، قد يكون هذا الخيار الوحيد للحصول على مقاتلة شبحية للعمل على حاملة طائرات قبل أربعينيات القرن الحالي، في ظل تقادم مقاتلات "سو-33" التي ارتبطت تاريخياً بـ"الأدميرال كوزنتسوف".
ورأت المجلة أن التقاعد المبكر للحاملة بلا بديل لا يعني فقط تقليص القدرات البحرية الروسية، بل خسارة أسواق تقدر بمليارات الدولارات.
ووفق المجلة، فإن غياب منصة مثل "الأدميرال كوزنتسوف" سيحرم موسكو من تسويق أجيال جديدة من المقاتلات البحرية وأنظمة الدعم المرتبطة بها، ويفتح الباب أمام منافسين آخرين، في وقت تحتاج فيه روسيا بشدة إلى تعزيز صادراتها الدفاعية لتعويض كلفة العقوبات الغربية.
وخلصت المجلة إلى أن كلفة التحديث الباهظة ومحدودية قدرات صناعة السفن الروسية، جعلت من حاملة الطائرات "الأدميرال كوزنتسوف" استثمارا مربحا لروسيا، يفتح أمامها أسواقا ضخمة ويضمن استمرار خبرتها البحرية في مجال استراتيجي لا تحتمله سوى قوى كبرى.