تحدث أكثر من مسئول سياسي أو نفطي روسي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية عن رغبة بلدهم للتخلي عن اتفاق أوبك+
تبدو روسيا منذ الربع الأخير من العام الماضي، وهي غير متحمسة لاستمرار التعاون مع منظمة الأوبك من أجل العمل على استقرار أسواق النفط، وهكذا فبعد أن كان الأمل منذ عامين فقط أن يتم التوصل لاتفاقية تعاون طويل الأجل قد تصل إلى 20 عاما بين روسيا والأوبك، أصبح التعاون خلال الشهور القليلة المقبلة محل شك.
بالتالي إذا، لن تكون استراتيجية الدفاع عن الحصة السوقية ناجحة لوقت ممتد، هذا إذا نجحت فعلا في إقصاء قسم مهم من منتجي النفط الصخري خارج السوق. وربما كان الأكثر فعالية استمرار استراتيجية العمل على استقرار الأسواق المستندة إلى فكرة إبقاء مخزونات نفط الدول المستهلكة عند مستوى محدد
تحدث أكثر من مسئول سياسي أو نفطي روسي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية عن رغبة بلدهم للتخلي عن اتفاق أوبك+ القاضي بخفض مستوى إنتاج الدول أطراف هذا الاتفاق إلى 1.2 مليون برميل يوميا مع نهاية أجل هذا الاتفاق المحدد له شهر يونيو/حزيران المقبل، وكان قد تم التوصل للاتفاق يوم 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك بعد أن انخفضت الأسعار بشدة من ذروة بلغت أكثر من 86 دولارا لبرميل نفط برنت يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول إلى نحو 57 دولارا للبرميل في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وهو الشهر الذي شهد أعلى نسبة انخفاض شهري في الأسعار منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وكان حماس روسيا منذ البداية لاتفاق أوبك+ الجديد فاترا بشكل ملحوظ، فقد أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك عند توقيع الاتفاق أن بلاده وعدت بخفض إنتاجها بمقدار 228 ألف برميل يوميا، ولكن بشكل تدريجي خلال الربع الأول من العام الجاري، وقال إن الخفض سيتراوح بين 50 ألفا و60 ألف برميل يوميا خلال شهر يناير/كانون الثاني 2019، مقارنة بمستوى الإنتاج الذي كان قائما في شهر أكتوبر/تشرين الأول، والواقع أن روسيا لم تف حتى بهذا، حيث كان الخفض الفعلي نحو 42 ألف برميل فقط. وكانت النتيجة العملية التي ترتبت على هذا الموقف هي إقدام المملكة السعودية على خفض مستوى إنتاجها بكمية أكبر مما يطالبها به الاتفاق حتى يمكن تحقيق الاستقرار في أسواق النفط.
إن التعاون بين كل من روسيا من جانب ومنظمة الأوبك، وخاصة المملكة العربية السعودية من جانب آخر في سبيل استعادة استقرار الأسواق، خاصة في حالات التدهور الكبير في الأسعار أمر ليس جديدا بالمرة، فقد حدث هذا التعاون منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي، فبعد أن انهارت أسعار النفط لتصل إلى نحو 10 دولارت للبرميل في عام 1998 نسقت منظمة الأوبك وجبهة من الدول المنتجة والمصدرة للنفط خارج الأوبك قادتها روسيا والمكسيك جهودهما بخفض مستوى الإنتاج للعمل على رفع سعر برميل النفط، وعاد التعاون مرة أخرى خلال العام 2016، فبعد أن تدهورت أسعار النفط منذ النصف الثاني من عام 2014 لمدة تقترب من العامين توصلت روسيا والمملكة العربية السعودية في 5 سبتبمبر/أيلول 2016 إلى اتفاق من أجل التعاون في سوق النفط، وقد أعقب ذلك اتفاق دول منظمة الأوبك والدول المنتجة خارجها على اتفاق لخفض مستوى الإنتاج في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وهو الاتفاق المعروف باتفاق أوبك+.
تبرر روسيا دعوتها إلى وقف العمل باتفاق أوبك+ بأن الولايات المتحدة آخذة في زيادة حصتها السوقية على حساب الدول أطراف الاتفاق، وأنه لا بد من العودة لزيادة مستوى الإنتاج للدفاع عن حصة هذه الأطراف السوقية. وتستند روسيا في ذلك إلى أنها يمكن أن تقبل حتى بمستوى 50 دولارا للبرميل في مقابل الحفاظ على حصتها السوقية.
والحقيقة أن فكرة الدفاع عن الحصة السوقية، وخاصة في مواجهة الإنتاج الأمريكي بعد زيادة إنتاج النفط الصخري، ثبت فشلها تاريخيا.
فقد سبق واستندت كل من دول الأوبك وروسيا منذ انخفاض أسعار النفط عام 2014 إلى فكرة الدفاع عن الحصة السوقية على أساس أن انخفاض أسعار النفط سيدفع نحو إقصاء المنتجين مرتفعي التكلفة، ويعني هذا أن أكبر الخاسرين في السوق سيكون المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة، وعلى رأسهم منتجو النفط الصخري.
وساهم في ترويج هذه الفكرة في الحقيقة ما ذكره الأمين العام لمنظمة الأوبك آنذاك سالم البدري في مؤتمر صحفي له في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2014 من أنه "لو بقيت الأسعار عند 85 دولارا للبرميل، فالعديد من المشروعات، والكثير من النفط المنتج الآن سيكونان خارج السوق". وقد أشار إلى أن نحو نصف النفط الصخري سوف يكون خارج السوق عند سعر 85 دولارا للبرميل، بينما كانت وكالة الطاقة الدولية قد ذكرت في تقريرها حول سوق النفط لشهر أكتوبر/تشرين الأول 2014، أن نحو 4% فقط من إنتاج النفط الصخري الأمريكي يحقق تعادلا بين تكلفة إنتاجه والأسعار عند مستوى سعري أعلى من 80 دولارا للبرميل. بينما كان من رأي البعض أن مستوى 50 إلى 60 دولارا للبرميل ليس كافيا لنمو إنتاج النفط الصخري، وأن مستوى سعر يبلغ 100 دولار فأكثر يؤدي إلى نمو مفرط، ولهذا فالمستوى المناسب هو عودة أسعار النفط لمستوى 75 دولارا إلى 80 دولارا، وقريب من هذا المستوى ما صرح به وزير النفط الروسي وقتها بأن تكلفة إنتاج النفط الصخري تبلغ ما بين 50-65 دولارا للبرميل في المتوسط، وهو ما يترك العديد من المنتجين للنفط الصخري في الولايات المتحدة بأرباح محدودة أو بدون أية أرباح على الإطلاق عند هذه الأسعار.
وثبت فيما بعد أن كافة هذه الحسابات خاطئة، وأن منتجي النفط الصخري استمروا في زيادة الإنتاج، بل إن انهيار الأسعار إلى أقل من 30 دولارا للبرميل في أوائل عام 2016 لم تؤثر كثيرا على مستوى الإنتاج الأمريكي. وتعزز هذا الوضع مع تحقيق قفزات تكنولوجية مكنت من خفض تكلفة إنتاج النفط الصخري، وكان استمرار تدهور الأسعار قد عمل على توضيح أن استراتيجية الدفاع عن الحصة السوقية غير صحيحة، وهو ما مثل الدافع الأكبر نحو الاتفاق بين أطراف أوبك+ على خفض مستوى الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا بداية من يناير/كانون الثاني 2017، واستند هذا الاتفاق إلى فكرة أساسية هي خفض مستوى المخزونات لدى الدول المستهلكة إلى متوسط مستواها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة لتحقيق الاستقرار في الأسواق، وجاء القرار الأمريكي بالسماح لبعض أهم البلدان المستوردة للنفط الإيراني بالاستمرار في استيراده لمدة ستة أشهر، ليؤدي إلى الانهيار الذي حدث في الأسعار خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين.
في النهاية، الفيصل في تحديد مدى سلامة الاستراتيجية المتبعة هو مدى تحقيقها لمصالح البلدان المصدرة للنفط، فلو جاءت نسبة انخفاض الأسعار وفقا لاستراتيجية الدفاع عن الحصة السوقية أعلى من نسبة الزيادة المتوقعة في الإنتاج، فحينها سوف تكون النتيجة النهائية هي خسارة دخل لدول الاتفاق والعكس صحيح، بمعنى أنه لو كانت دولة ما تصدر مليون برميل يوميا عند مستوى 70 دولارا للبرميل، فإن دخلها سيكون 70 مليون دولار، وإذا انخفضت الأسعار إلى مستوى 50 دولارا مثلا، وقامت هذه الدولة برفع صادراتها إلى 1.2 مليون برميل يوميا، فسيكون دخلها 60 مليون دولار فقط.
وينبغي عدم تجاهل أن قسما مهما من الانخفاض الحالي في الإنتاج هو في الحقيقة لظروف خاصة مثل العقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا، وعدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا وفنزويلا، وهو ما لا يمكن تصور استمراره للأبد.
وينبغي أيضا عدم تجاهل أن أهم خصائص النفط الصخري تحديدا هي مرونة الإنتاج، إذ عند انخفاض أسعار النفط عن التكلفة الجارية يمكن تعليق الإنتاج بسرعة، ليتم استئنافه بسرعة أيضا حينما تتخطى الأسعار عتبة محددة، وهذه المرونة في الإنتاج تعمل نظريا -كما يقول البعض- على وضع سقف ناعم على أسعار النفط.
وبالتالي إذا، لن تكون استراتيجية الدفاع عن الحصة السوقية ناجحة لوقت ممتد، هذا إذا نجحت فعلا في إقصاء قسم مهم من منتجي النفط الصخري خارج السوق. وربما كان الأكثر فعالية استمرار استراتيجية العمل على استقرار الأسواق المستندة إلى فكرة إبقاء مخزونات نفط الدول المستهلكة عند مستوى محدد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة