روسيا تحذر من تحولات جيوسياسية بعد اتفاق المعادن الأمريكي-الأوكراني

أعربت موسكو عن قلقها إزاء الاتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، الذي يمنح واشنطن أولوية في الوصول إلى الموارد المعدنية الأوكرانية.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، تنظر موسكو إلى الاتفاقية باعتبارها خطوةً تهدد مصالحها الاستراتيجية في مفاوضات إنهاء الحرب. ووصف مسؤولون روس، على رأسهم السيناتور أليكسي بوشكوف، الاتفاقية بأنها "استعمار اقتصادي" يُحوّل أوكرانيا إلى "مستعمرة لاستخراج المواد الخام".
ورأى أليكسي تشيبا، نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية بالبرلمان الروسي، أن الاتفاق زاد من اعتماد أوكرانيا على الولايات المتحدة. وقال للصحفيين الروس: "لقد حوّلت الصفقة أوكرانيا في جوهرها إلى مستعمرة معدنية".
ورغم السخرية العلنية، تُكشف تحليلات داخلية عن مخاوف حقيقية من أن يُعيد هذا التحالف تشكيل التحالفات الإقليمية، ويُقلص فرص موسكو في فرض تسوية سياسية تحفظ مكاسبها الإقليمية، خاصة في ظل تصاعد الدعم الغربي العسكري واللوجستي لأوكرانيا.
وشهدت الأشهر الأولى لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقاربًا ملحوظًا مع الكرملين، تجلّى في اتصالات هاتفية مباشرة بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتصريحات دبلوماسية من المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف تُظهر تفهّمًا للمخاوف الروسية.
لكنّ التوقيع على اتفاقية المعادن، التي تُنشئ "صندوق استثمار لإعادة إعمار أوكرانيا" بتمويل من عوائد الصفقات المعدنية والمساعدات العسكرية الأمريكية، يُنظر إليه في موسكو مؤشرا على تحوّل جذري في الأولويات الأمريكية.
وأكد سيرغي ماركوف، المحلل المقرب من الكرملين، أن الاتفاق الموقع يوم الأربعاء لا يرسم صورة واضحة للتعاون المستقبلي، ولا يقدم أي ضمانات أمنية ملموسة، إلا أنه رمزي على الأقل، "يشير إلى أن الولايات المتحدة تتحمل واجبًا معينًا في الدفاع عن أوكرانيا لأنها أصبحت مالكة لها".
من جهتها، عبّرت واشنطن عن تفاؤلها بإمكانية استخدام الاتفاق كأداة ضغط، حيث صرّح وزير الخزانة سكوت بيسنت بأنه "يُظهر لواشنطن وكييف هدفًا مشتركًا".
وقال مسؤول روسي طالبًا عدم الكشف عن هويته: "الوضع الاقتصادي يُغذي انقسامات داخل النخبة الحاكمة"، حيث يدفع التيار المعتدل نحو قبول تفاهم مع واشنطن يتضمن تجميد الصراع عند خطوط التماس الحالية، مقابل رفع جزئي للعقوبات واعتراف أمريكي بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم.
في المقابل، يُصرّ التيار المتشدد على مواصلة الحرب لتحقيق مكاسب إقليمية إضافية، معتبرًا أن التفوق العسكري الحالي قد لا يتكرر.
ويُنشئ الاتفاق صندوق استثمار إعادة الإعمار الأمريكي الأوكراني، الذي سيكون مستودعًا لأي إيرادات مستقبلية من صفقة المعادن، وينص على أن أي مساعدة عسكرية أمريكية مستقبلية لأوكرانيا ستُعتبر أيضًا استثمارًا أمريكيًا في الصندوق.
وكانت روسيا تسعى جاهدة لتأمين إنهاء أي إمدادات أسلحة أمريكية أخرى إلى أوكرانيا كشرط لأي وقف إطلاق نار طويل الأمد، والآن يبدو أن هذا الاحتمال قد تضاءل. وبدا أن روسيا هي المسيطرة على المفاوضات حول مصير أوكرانيا، خاصةً بعد الخلاف الحاد بين الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأمريكي ترامب في مارس/آذار في المكتب البيضاوي، الذي أدى إلى عدم توقيع صفقة المعادن ثم إعادة التفاوض عليها.
وسعت كل من موسكو وكييف إلى تبادل الاتهامات بالفشل في إحراز تقدم في محادثات السلام التي قال ترامب في البداية إنه يستطيع تأمينها في غضون 24 ساعة من توليه الرئاسة.
ولكن بعد صداماته الأولية مع زيلينسكي -بما في ذلك تحميله مسؤولية استفزاز روسيا وشنها عمليتها العسكرية الخاصة- ركز غضب ترامب بشكل متزايد على انسحاب روسيا من المفاوضات ورفضها الواضح لوقف إطلاق النار الذي اقترحته الولايات المتحدة لمدة 30 يومًا الذي أيدته كييف على الفور.