قمة "روسيا ـ أفريقيا".. التوجهات والمصالح المشتركة
تأتي القمة الأولى من نوعها بين روسيا والدول الأفريقية، لتؤكد فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية.
بعد الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين إلى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تستعد روسيا لعقد قمة "روسيا – أفريقيا"، في مدينة سوتشي، في 24 أكتوبر/تشرين الجاري؛ وكذلك المنتدى الاقتصادي، المُقرر عقده على هامش القمة يومي 23 – 24 القادمين.
وتُمثل القمة، والمنتدى الاقتصادي، أول حدث على هذا المستوى في تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية، حيث تم توجيه الدعوة إلى رؤساء كل الدول الأفريقية، وكذلك إلى القائمين على كبريات الاتحادات والمؤسسات الإقليمية.
والواقع، أن قمة "روسيا – أفريقيا" سوف "تركز اهتماماً خاصاً لآفاق علاقات روسيا مع دول أفريقيا، وتطوير التفاعل معها في المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية"، حسبما أعلن الكرملين في بيان له حول القمة.
رغم تراجع أفريقيا في أجندة السياسة الخارجية الروسية، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه مع صعود الرئيس بوتين، حاولت روسيا استعادة نفوذها السياسي كقوة كبرى في النظام الدولي، تمتلك العديد من المصالح في شتى أنحاء العالم، ومنها قارة أفريقيا.
فقد احتلت أفريقيا مرتبة متقدمة بين قائمة المناطق العشرة الأكثر أهمية بالنسبة للمصالح الروسية، تبعاً لوثيقة السياسة الخارجية، التي صدرت عام 2008، التي وقعها الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف؛ في حين أن وثيقة السياسة الخارجية للاتحاد الروسي، التي وقعها الرئيس بوتين في 2015/2016، قد نصت على أن روسيا "ستتوسع في علاقاتها مع دول قارة أفريقيا في مختلف المجالات، سواء على المستوى الثنائي أو المستوى الجماعي، وذلك من خلال الحوار السياسي وتكثيف التعاون الشامل".
من هنا، تأتي القمة الأولى من نوعها بين روسيا والدول الأفريقية، لتؤكد أن النقطة الأهم بالنسبة إلى روسيا، هي فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية، وهي إشارة مهمة لمدى الاهتمام الروسي بأفريقيا؛ بل ولضرورة إعادة صياغة العلاقات معها، بشكل يختلف عما كان عليه الحال سابقاً في حقبة الاتحاد السوفياتي.
وهو ما يعني أن هذه القمة التي تنعقد برئاسة مشتركة بين كل من روسيا ومصر التي تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي، هذا العام، ستكون بمثابة "نقلة نوعية" على منحنى العلاقات الروسية الأفريقية؛ حيث من المقرر أن تشهد القمة التوقيع على العديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، بما في ذلك الاتفاقيات الحكومية الدولية والمشتركة بين الوزارات المختلفة.
المصالح الاقتصادية المشتركة
وبالتالي تُمثل المصالح الاقتصادية أحد العوامل المشتركة، فيما بين الجانبين الروسي والأفريقي؛ فالدول الأفريقية غنية بالثروات المعدنية الخام غير المستغلة، كالذهب والنحاس والماس والقصدير، وهو ما يمكن أن تستفيد منه روسيا، أما على الجانب الأفريقي، تستطيع الدول الأفريقية الاستفادة من روسيا في تسليح جيوشها، والتعاطي مع التقدم التكنولوجي الروسي بأسعار مناسبة.
وفيما يبدو، فإن هناك نشاط روسيا متناميا تجاه تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بلدان القارة الأفريقية، خلال السنوات الماضية؛ فإضافة إلى "لجنة تنسيق التعاون الاقتصادي" مع أفريقيا جنوب الصحراء، التي تم تأسيسها عام 2009، للمساعدة في تحفيز مصالح الاستثمار الروسية؛ فقد أطلقت روسيا عام 2015 "المنتدى الروسي الأفريقي" بهدف تأسيس وإقامة علاقات اقتصادية وتجارية بين الطرفين.
ولم تتوقف روسيا عند هذه الخطوات، بل أضافت إليها خطوات أخرى لزيادة التقارب مع أفريقيا، في إطار المصالح الاقتصادية لها كقوى كبرى على الساحة العالمية، وهو ما يبدو بوضوح من خلال جانبي المساعدات، وتخفيف عبء الديون على الدول الأفريقية.
على هذا الجانب الأخير، اعتمدت روسيا سياسة تخفيض عبء الديون، حيث قامت بإلغاء ديون بقيمة 20 مليار دولار عام 2012؛ وهي الخطوة التي كانت قد سبقتها خطوة إعفاء الدول الأفريقية من ديون بقيمة 16 مليار دولار عام 2008، كما خفضت عبء الديون لعدد من الدول الأفريقية، مثل إثيوبيا، في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
أما على جانب المساعدات، قدمت روسيا خلال السنوات الأخيرة مساعدات كبيرة لعدد من الدول الأفريقية، بمعدل حوالي 400 مليون دولار سنوياً، وتوزع 60 بالمائة من المساعدات الروسية عبر منظمات دولية، أي عبر منظمات الإغاثة العالمية مثل برنامج الغذاء العالمي ووكالة الأمم المتحدة للاجئين، أما البقية وهي 40 بالمائة من المساعدات فهي تصل إلى دول أفريقيا في إطار التعاون المشترك.
ولنا أن نلاحظ، أن أسلوب روسيا في التجارة والاستثمار في أفريقيا، دون وضع شروط وقيود كالتي تضعها القوى الغربية، يفتح المجال أمام التفاعلات الاقتصادية بين روسيا وأفريقيا، وكمثال، فقد شهدت التجارة والاستثمار بين روسيا والدول الأفريقية نمواً بنسبة 185 بالمائة بين عامي 2005 – 2015.
ولنا أن نلاحظ أيضاً أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال كلمة له أمام طلاب معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، في أول سبتمبر/أيلول الماضي، كان قد أعلن أن التبادل التجاري بين روسيا ودول أفريقيا ارتفع بأكثر من 17 بالمائة خلال عام 2018، وأنه قد تجاوز 20 مليار دولار.
وهكذا تأتي قمة "روسيا – أفريقيا" في إطار تكثيف الجهود الروسية للتقارب مع أفريقيا، من أجل عدة دوافع، منها محاولة روسيا فتح أسواق جديدة يمكن من خلالها تصدير المنتجات والخدمات والتقنيات الروسية، ومنها محاولة استغلال ما تنعم به أفريقيا من موارد طبيعية، مثل النفط والغاز والأراضي الزراعية والثروة الحيوانية، فضلاً عن كثير من المعادن التي يأتي على رأسها اليورانيوم والقصدير والفوسفات.
الدوافع والتوجهات السياسية
الملاحظة الأهم، أن الدوافع الروسية في التوجه إلى أفريقيا لا تتوقف عند حدود المصالح الاقتصادية، ولكن تحكمها أيضاً توجهات سياسية. إذ يبدو أن الهدف الرئيس لروسيا هو نفوذها السياسي، وهو ما يمكن أن يتحقق حسب وجهة النظر الروسية عبر الأبعاد الاقتصادية والتجارية والتقنية والعسكرية.. وغيرها. ويبدو أيضاً أن التوجه الروسي إنما يستهدف بناء تحالفات سياسية عبر دعم الدول الأفريقية اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً أيضاً.
فمن الناحية الدبلوماسية، تعتبر أفريقيا ذات أهمية لروسيا، من حيث الدعم الجغراسياسي الذي تستطيع أن تقدمه، فالدول الأفريقية تشكل أكبر كتلة تصويت جغرافية داخل العديد من المؤسسات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية العالمية، وبشكل خاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبالتالي فإن الدعم الأفريقي مُغرٍ وجذاب لروسيا على طريق تأكيد أهميتها على الساحة الدولية.
ومن ثم، تسعى روسيا إلى التفاعل مع القضايا الأفريقية على الصعيد الدولي، ومنها الدعوة الأفريقية إلى إصلاح الأمم المتحدة، وأحقية حصول قارة أفريقيا على مقعد أفريقي في مجلس الأمن الدولي. وتستغل روسيا وضعها الدولي، باعتبارها إحدى الدول الخمس الكبار في مجلس الأمن الدولي، والتي تتمتع بحق النقض "فيتو" في إمكانية أن تُشكِّل درعاً دبلوماسياً للعديد من الدول الأفريقية، مثل السودان وإريتريا، مما يُسهم في تعزيز علاقاتها الأفريقية.
ومن وجهة النظر الأفريقية، فإن روسيا تُشكِّل بديلاً استراتيجياً لمحاولات الولايات المتحدة الأمريكية في الانفراد بقيادة النظام الدولي، ورديفاً لدبلوماسية الصين الاقتصادية، وللنفوذ الباقي للدول الاستعمارية السابقة في أفريقيا.
في هذا السياق، فإن تحسين العلاقات الروسية مع دول القارة الأفريقية يُمثل أهمية متزايدة بالنسبة إلى روسيا، كذلك فإن المحاولات الروسية في تجديد علاقاتها مع أفريقيا، وإحداث اختراق مهم في القارة، وبالتحديد مع الدول التي تخضع لعقوبات من الولايات المتحدة والغرب عموماً، يأتي في إطار مواكبة أمريكا والصين والقوى الأخرى فيها.
وفي هذا السياق، أيضاً، تأتي قمة "روسيا ـ أفريقيا"، لتمثل "نقلة نوعية" في تاريخ العلاقات بين الجانبين، على أساس من الدوافع السياسية والمصالح الاقتصادية المشتركة بينهما.