«سلام الشجعان» المفقود.. رد رواندي يبدد آمال السلام بالشرق الكونغولي

من بروكسل إلى كينشاسا وكيغالي، ترددت أصداء دعوة الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي إلى نظيره الرواندي بول كاغامي من أجل «سلام الشجعان».
دعوةٌ لاقت رفضًا علنيًا وساخنًا من كيغالي، التي وصفتها بأنها «مسرحية سياسية سخيفة».
ووفقًا لمجلة «لوبوان» الفرنسية، فإن الرد القاسي من رواندا أعاد تسليط الضوء على هشاشة عملية السلام في شرق الكونغو، وعلى تزايد الشكوك في قدرة المجتمع الدولي على كبح دوامة العنف الممتدة منذ ثلاثة عقود في منطقة البحيرات الكبرى.
ويرى خبراء سياسيون أن غياب الإرادة السياسية، وتضارب المصالح الاقتصادية، وتراخي الضغط الدولي، كلها عوامل تجعل الحديث عن «سلام قريب» في شرق الكونغو أشبه بترفٍ دبلوماسي في منطقة أنهكتها الحروب وأغرقتها مناجمها في نزاعات متشابكة.
جذور التوتر
وجاءت تصريحات تشيسيكيدي خلال مشاركته في قمة «البوابة العالمية» بالعاصمة البلجيكية، حيث دعا علنًا كاغامي إلى «إنهاء التصعيد العسكري» وسحب دعم بلاده لحركة إم 23 ، التي تسيطر على أجزاء واسعة من شرق الكونغو.
لكن الرد الرواندي كان سريعًا؛ إذ اتهم وزير الخارجية أوليفييه ندهونغيريهي الرئيس الكونغولي بـ«التهرّب من مسؤولياته الداخلية» و«اختلاق أكاذيب سافرة ضد رواندا».
وقال الباحث الكونغولي الكندي، ومؤسس مركز «كونغو ريسيرش جروب» بجامعة نيويورك، جيسون ستيرنز، في تصريح لـ«العين الإخبارية»، إن «هذا التبادل العلني بين الزعيمين يمثل تراجعًا خطيرًا بعد أشهر من الجهود التي رعتها واشنطن والاتحاد الأفريقي».
وأضاف ستيرنز، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن «دعوة تشيسيكيدي لم تكن مجرد إيماءة دبلوماسية، بل محاولة لخلق ضغط دولي على كيغالي، لكن الرد العدائي من رواندا يعمّق الفجوة النفسية والسياسية بين البلدين ويهدد بانهيار ما تبقى من الثقة الإقليمية».
ورأى أن الشرق الكونغولي يعيش حاليًا «حالة هشاشة مركبة» تتقاطع فيها المصالح الأمنية والاقتصادية، فالمناجم الغنية بالكولتان والذهب تموّل الصراع وتضعف أي محاولات لبناء سلام مستدام.
صراع على الشرعية
من جانبه، قال منسق مرصد أفريقيا الوسطى والجنوبية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، تييري فيركولون، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن الأزمة ليست فقط بين كينشاسا وكيغالي، بل هي «صراع على الشرعية السياسية في الإقليم».
وأضاف أن رواندا تشعر بأن الكونغو تحاول تدويل الأزمة وتقديم نفسها كضحية لكسب دعم دولي، في حين تتجاهل الدور الذي تلعبه المليشيات الكونغولية المدعومة من أطراف خارجية.
وأشار فيركولون إلى أن استمرار لغة الاتهامات سيقود إلى «انفجار دبلوماسي جديد»، ما لم تتدخل قوى إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وتنزانيا وأنغولا لإعادة إطلاق الحوار المباشر.
فشل الإطار الدولي
بدوره، قال المدير السابق لعمليات مجموعة الأزمات الدولية في أفريقيا، والمستشار الأممي في قضايا السلام والأمن الإفريقي، فرانسوا غرانت، لـ«العين الإخبارية»، إن «القضية لم تعد حدودية أو أمنية فحسب، بل أصبحت اختبارًا لمستقبل الهندسة الأمنية في إفريقيا الوسطى».
وأضاف أن المجتمع الدولي فشل في فرض إطار سلام قابل للتطبيق لأن الأطراف الإقليمية تنظر إلى الأزمة بمنطق الربح والخسارة، لا من زاوية بناء الثقة وإرساء الاستقرار.
وحذّر غرانت من أن استمرار التوتر سيؤدي إلى تآكل ثقة المستثمرين الدوليين، وتحول شرق الكونغو إلى منطقة رمادية خارجة عن سيطرة الدولة، مشيرًا إلى أن «الانقسام المتزايد بين كيغالي وكينشاسا قد يجرّ دول الجوار مثل أوغندا وبوروندي إلى صراع بالوكالة، وهو سيناريو كارثي للمنطقة بأسرها».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز