"ملح مقدس".. إرث الأجداد يفوح من مطبخ جنوب أفريقيا
ملح باليني تحصده النساء خلال أشهر الشتاء الجنوبي على بعد أكثر من 2000 كيلومتر شمال كايب تاون في نهر كلاين ليتابا في إقليم ليمبوبو
يرش جرماين إيسو الملح على سمكة تونا قطعها للتو، لكن هذا المكوّن ليس عاديا بل هو ملح فريد يشكّل مصدر فخر للنساء المنتجات له في جنوب أفريقيا؛ لدرجة أنهنّ يعتبرنه مقدسا.
يستفيض كبير طهاة مطعم "ميوجا" الرائج في كايب تاون جنوب غرب في الحديث عن هذا الملح المفضل لديه، قائلاً: "هو يبرز كل المذاقات بل يحسنها".
يُحصد ملح باليني خلال أشهر الشتاء الجنوبي على بعد أكثر من 2000 كيلومتر شمال كايب تاون في نهر كلاين ليتابا في إقليم ليمبوبو شمال شرق.
وباستثناء صلصة الصويا والميسو اللتين لا مثيل لهما، يوضح الطاهي أنه تخلى في الفترة الأخيرة عن كل المنتجات الأجنبية مستخدما في أطباقه تلك المحلية، مؤكداً: "فتشنا عن أفضل ملح متاح في البلاد وتبين لنا إنه ملح باليني".
ويميز قوائم الطعام في الكثير من المطاعم الراقية في كايب تاون أو جوهانسبورج رغم سعره المرتفع، فالكيلوجرام الواحد منه بسعر الجملة يصل إلى 125 راندا، أي 8.4 دولار، و20 راندا (1.35 دولار) للملعقة الواحدة.
طقوس قديمة
هذا المنتج يعكس العمل الدقيق الذي تمارسه نساء بلدة جياني، اللواتي يمضين ساعات طويلة منحنيات الظهر على ضفاف نهر كلاين ليباتا لكشط طبقة الملح ناصع البياض التي تغطيها.
وأوضحت إيملين ماثيبولا (73 عاما) منتجة هذا الملح وهي تقوم بعملها: "هذا مكان مقدس ورثناه عن أجدادنا".
ثمة قائمة طويلة من الطقوس الضرورية للأمل في الحصول على رشة من ملح باليني. فينبغي مثلا وضع بعض التبغ والنقود عند جذع شجرة ميتة في المنطقة.
وأكدت ماني ماشيليه العاملة في هذا المجال (66 عاما): "إذا لم يبدأ المرء بالطلب فلن يحصل على الملح".
وأفادت إليانور مولر، صاحبة شركة "ترانسفرونتير باركس ديستينايشنز" التي تسوق هذا الملح، بأن علماء آثار أكدوا أن الملح ينتج على ضفاف هذا النهر منذ آلاف السنين.
وأوضحت: "المعالجون التقليديون في جنوب أفريقيا يستخدمون هذا الملح المقدس منذ قرون".
وهذا الملح غني بالماغنيسيوم والكلوريد وله استخدامات أخرى في معالجة ارتفاع ضغط الشرايين وآلام العضلات.
مزايا روحانية
وتعود ميزات هذا الملح إلى نبع يصب في النهر يعتبر السكان المحليون أن له مزايا روحانية.
وقالت المرشدة ثيناشاكا تشيفازي: "ثمة نوع من التعاون بين النبع وطبقات الملح، ويتشكل الملح عندما تصب المياه الغنية بالكبريت من نبع ساخن على طبقات الملح وتجف في الشمس"، مضيفة: "نتبع الآلية التي عملنا إياها أجدادنا بحذافيرها".
وبواسطة عصا حديد تجمع نساء، مثل إيملين ميثبولا التي لديها 8 أحفاد، دلاءهم بـ5 لترات من هذه التربة، ويضفن إليها رملا من النهر ومياها ومن ثم يمررن هذا الوحل عبر مرشح مصنوع من الأغصان والصلصال والعشب الطويل.
ويكررن العملية 4 مرات حتى تصبح المياه الخارجة من المرشح شبه شفافة، ومن ثم يطبخ المحتوى على نار خفيفة مدة 4 ساعات.
وينجم عن ذلك رغوة تستحيل بعدما تبرد وتتبلور ملح باليني. وفي غضون 3 أيام يمكن للنساء إنتاج 80 كيلوجراما. وسنويا يستخرج نحو طنين من ضفتي النهر.
وعندما يقدم الأطباق للزبائن لا يتردد الطاهي جرماين إيسو في رواية قصة هذا الملح المميز، موضحاً: "الجميع يحب القصص وقصة هذا الملح جميلة جدا".