السعودية والصين.. توافق سياسي ومصالح اقتصادية متبادلة
تشهد العلاقات بين السعودية والصين توافقًا في رؤى ومواقف دولية هامة ونموًا متواصلاً على جميع المستويات.
تشهد العلاقات بين السعودية والصين توافقًا في رؤى ومواقف دولية هامة ونموًا متواصلاً على جميع المستويات، يعزز ذلك الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين.
- محمد بن سلمان إلى نيودلهي.. زيارة تاريخية تعزز العلاقات الاستراتيجية
- السعودية والهند.. 70 عاما من العلاقات الاستراتيجية والمصالح المشتركة
تقوم العلاقات بين الرياض وبكين على الاحترام المتبادل، وتركّز في مضمونها على الملفات ذات الأهمية، مثل الملفات الاقتصادية والسياسية؛ وأهمها العمل على دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، والدعم الصيني لموقف السعودية من القضية الفلسطينية، ودعم حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وتدعم بكين الدور الإقليمي المحوري والمهم للرياض في حل النزاعات؛ من خلال سياساتها الهادفة إلى تحقيق الاحترام المتبادل للدول الأخرى، وتعزيز مفهوم حسن الجوار.
80 عامًا من الصداقة
يبلغ عمر العلاقات بين البلدين نحو 80 عاماً، حين قررت الرياض في عام 1939 التمهيد لعلاقات سياسية قوية مع بكين؛ هذا القرار استغرق 6 أعوام قبل توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في نوفمبر/تشرين ثان 1946 في جدة.
وتوقفت العلاقات بين البلدين بدءاً من 1949 وحتى 1979، وهو التاريخ الذي لم يخلُ من علاقات واتصالات دائمة؛ لكنها ليست بذلك المستوى الرسمي رفيع المستوى، وحين بدأت جمهورية الصين الشعبية علاقاتها من جديد مع العالم.
وفي تلك الفترة، كانت العلاقات مستمرة بين البلدين في اتجاهات عدة منها عودة أول قوافل للحجاج الصينيين في نهاية السبعينيات، وفتح طريق صادرات البضائع الصينية إلى السعودية في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وعودة العلاقات الرسمية السياسية بين البلدين بشكل فاعل وقوي عند عقد توقيع تأسيس شراكة سياسية واتفاقية تفاهم بين الرياض وبكين في 21 يوليو/تموز1990.
تعزيز العلاقات
وفي الفترة بين 1991 و1998، شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا ملحوظًا تلخص في 16 زيارة واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات؛ لتتوج بزيارة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين كان وليا للعهد في 1998؛ لتعد حينها الزيارة الأعلى مستوى من ناحية الوفد الرسمي للجانب السعودي إلى الصين، وهي الزيارة التي وصف فيها الملك عبدالله الصين بأنها أفضل صديق للسعودية.
وسبق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أن زار الصين عندما كان ولياً للعهد في 2014، وشهدت هذه الزيارة مباحثات تشمل ملفات مهمة سياسية واقتصادية وعسكرية.
وزار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الصين في سبتمبر/أيلول 2016 لحضور قمة العشرين، عندما كان ولي ولي العهد، التقى خلالها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
كما زار الرئيس الصيني المملكة في يناير/كانون ثان 2016 حيث شهد توقيع 14 اتفاقية، تنوعت في مجالات الفضاء والعلوم والطاقة المتجددة؛ ما دفع علاقة البلدين إلى الأمام، حيث أُعلن خلال الزيارة رفع مستواها إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة رفيعة المستوى.
وعكست هذه الزيارة مدى عُمق وثبات العلاقة، وبيّنت سعي البلدين للانطلاق في طريق الشراكة لتحقيق أهدافهما الوطنية، ورفع مستوى العلاقة الذي اعتمد على المنافع الاقتصادية المتبادلة كأساس يستند عليه في سوق مشتركة تجذب المزيد من الشركات في كلا البلدين.
شراكة اقتصادية
وزادت التجارة بين المملكة والصين بشكل كبير منذ عام 2000؛ ففي عام 2005 نمت التجارة إلى 59%، وتجاوزت المملكة العربية السعودية أنجولا كأكبر مصدّر نفط للصين، وتقوم شركة سابك بتصدير بتروكيماويات للصين بقيمة أكثر من ملياري دولار سنوياً.
وفي عام 2008، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين والسعودية 32 مليار يورو؛ ما يجعل السعودية أكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا.
وفي الربع الأول من عام 2010، وصلت صادرات النفط السعودي إلى الصين لأكثر من مليون برميل، وتجاوز حجم صادرات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتحرص المملكة على الاستثمار في المشاريع ذات الصلة بالنفط؛ باعتبارها وسيلة لتأمين وضعها كمزود رئيسي للنفط إلى الصين وعلى سبيل المثال في عام 2004، استثمرت أرامكو في الصين بقيمة 3 مليارات دولار لبناء منشأة للبتروكيماويات في مقاطعة فوجيان جنوب شرق الصين التي تعالج 8 ملايين طن من النفط الخام السعودي.
وفي عام 2006، وافقت المملكة والصين على بناء منشأة لتخزين النفط في جزيرة هاينان في الصين، وفي 6 أبريل/نيسان 2012، أعلنت شركة سابك خطة استثمارية جديدة بقيمة 100 مليون دولار لإنشاء مركز تكنولوجيا جديدة في شنغهاي.
وتشارك الشركات الصينية في مجال البنية التحتية السعودية، بعقد مشاريع كبيرة في كل نشاط، وتأتي بالتقنيات والخبرات الناجحة من الصين، بينما تلتزم بسياسة السعودية لتقديم فرص عمل أكثر محليًّا، وبنت الصين 10 آلاف كيلومترات من خطوط سكك حديدية عالية السرعة، وستبلغ خطوطها 12 ألف كيلومتر، وهي الأطول في العالم، وتحتل الصين مقامًا متقدمًا من حيث التقنيات وسرعة البناء في هذا الصدد.
وفتحت محددات رؤية المملكة 2030 آفاقًا مهمة أمام المستثمرين الصينيين للاستفادة من الأهمية الخاصة لمناخ الاستثمار في السعودية الذي يتسم بالاستقرار.
وتبلغ استثمارات الصين في السعودية 3 مليارات دولار، فيما تبلغ استثمارات السعودية في الصين 1.52 مليار دولار، ومن بينها استثمارات شركتي أرامكو السعودية وسابك مع سانوباك الصينية في مجالي النفط والتكرير والبتروكيماويات.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين الرياض وبكين، خلال الـ11 شهرًا الأولى من العام الماضي، نحو 56.77 مليار دولار، حيث بلغت الصادرات الصينية إلى السعودية نحو 41.09 مليار دولار، فيما وصلت الصادرات السعودية إلى الصين نحو 15.68 مليار دولار في قطاعات الطاقة، الصناعة، البتروكيماويات، البنية التحتية، الاتصالات، المواصلات، البناء، والإنشاءات.
وتسعى الحكومة السعودية لنقل التقنية الصينية في مختلف المجالات، لا سيّما الاتصالات، وهو ما رحبت به الصين وأبدت استعدادها له، وهناك شركة هواوي الصينية الكبرى التي تعمل إلى جانب شركات أخرى تبحث في إمكانية العمل في هذا المجال الذي ستكون له فوائد مشتركة.
وفي ديسمبر/كانون أول الماضي، أطلقت المملكة العربية السعودية، قمري (سات 5 أ) و(سات 5 ب) من الصين إلى الفضاء، بعد تطويرهما محليًّا، حيث يتميزان بالاستشعار عن بعد عالي الدقة، وقد صنعا لأغراض الاستطلاع، ليتبعا عددًا من الأقمار بدأت بإطلاقها السعودية إلى الفضاء منذ 14 عامًا.
دعم إنساني
ولا ينسى الصينيون موقف الرياض في مايو/أيار 2008 بعد وقوع الزلزال في سيتشوان الصينية، حين قرر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آنذاك التبرع بـ50 مليون دولار.
كما قرر تقديم مساعدة مادية عاجلة بقيمة 10 ملايين دولار ألحقتها المملكة بتقديم المملكة 1460 غرفة متنقلة، والتبرع بـ1.5 مليون دولار لإعادة الإعمار في منطقة الزلزال.
علاقات ثقافية
وحرصاً من السعودية على مواصلة تعزيز الشراكة، استثمرت المملكة 150 مليون دولار لبناء "الجناح السعودي" في "إكسبو شنغهاي الصين 2010"؛ حيث يُعَد الجناح السعودي من أكثر الأجنحة زيارة وإقبالاً وقتها.
وفي عام 2013، وجّهت الدعوة للصين كضيف شرف في مهرجان الجنادرية السعودي؛ حيث تلاقت الفعاليات الثقافية الصينية مع التراث السعودي، وحظيت الفعاليات الصينية بإقبال كثيف.
وبعد هذه الدعوة، حضرت السعودية كضيف شرف في الدورة العشرين لمعرض الكتاب الدولي في بكين 2013؛ حيث عرضت للشعب الصيني الثمرات الإنسانية السعودية بما فيها الثقافة والآداب والطب.
زيارة مهمة
وتُعزز الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي، غدا الخميس، في ثالث وآخر محطات جولته الآسيوية إلى الصين علاقات البلدين خاصة أنها ستشهد توقيع عدد من الاتفاقات الاقتصادية العملاقة التي ستتركز على الطاقة والصناعة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ في تصريحات صحفية، إن زيارة ولي العهد السعودي ستسعى لتعزيز تنمية العلاقات الصينية السعودية وتعميق التعاون.
وأوضح أن جدول الزيارة يتضمن لقاء الأمير محمد بن سلمان والرئيس الصيني شي جين بينغ ونائب رئيس الوزراء هان تشنغ، حيث سيترأس الجانبان خلال الزيارة الاجتماع الثالث للجنة المشتركة الصينية السعودية رفيعة المستوى.
عزلة إيران
ويعد محللون أن هناك قلقا إيرانيا من نتائج الجولة الآسيوية للأمير محمد بن سلمان من توسيع التحالفات الاقتصادية والسياسية مع الدول الثلاث التي يمكن أن تفاقم عزلة إيران الاقتصادية في ظل العقوبات الأمريكية القاسية.
ويجمع المراقبون على أن مصالح الهند والصين وباكستان مع السعودية أكبر بكثير مع أي علاقات محفوفة بالمخاطر مع إيران في ظل اقتصادها المشلول، إضافة إلى الضغوط الأمريكية التي تقيد جميع أنواع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع طهران.
وبدأ ولي العهد السعودي الأحد جولة آسيوية تشمل باكستان والهند والصين، وتهدف إلى تعزيز أهداف رؤية "السعودية 2030".
aXA6IDMuMTQ0LjEwOC4yMDAg جزيرة ام اند امز