محمد بن سلمان بالصين.. تعزيز التعاون الأمني وتوسيع الشراكة الاقتصادية
اعتبر محللون أن الرياض وبكين تسارعان الخطى تجاه الشراكة الاستراتيجية الكاملة.
شهدت زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى بكين توطيدًا للعلاقات الاستراتيجية وتوقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب والثقافة، إضافة إلى توسيع الشراكة الاقتصادية.
ووصل ولي العهد السعودي إلى الصين، أمس الخميس، في محطته الثالثة والأخيرة ضمن جولة آسيوية، تُعزز رؤية وأهداف المملكة 2030.
واعتبر محللون أن الرياض وبكين تسارعان الخطى تجاه الشراكة الاستراتيجية الكاملة، وأن المملكة تريد خلق شبكة من التوازن في العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بين الشرق والغرب.
زيارة سياحية
وبدأ الأمير محمد بن سلمان زيارته إلى بكين التي تستمر ليومين بجولة في سور الصين العظيم؛ للاطلاع على معالمه التاريخية والحضارية.
لقاءات ثنائية
واجتمع ولي العهد السعودي في العاصمة بكين ونائب رئيس مجلس الدولة بجمهورية الصين هان تشنغ، حيث بحث الجانبان تعزيز العلاقات بين البلدين.
قبل أن يرأس الأمير محمد بن سلمان جانب المملكة في أعمال الدورة الثالثة للجنة المشتركة رفيعة المستوى، بينما ترأس الجانب الصيني نائب رئيس مجلس الدولة هان تشنج.
وخلال أعمال الدورة تم التطرق إلى التعاون المشترك بين البلدين، ومجالات التنسيق والتعاون في مختلف المجالات على رأسها مكافحة الإرهاب.
كما تم التباحث في التعاون المشترك بالشأن السياسي والأمني، بالإضافة إلى بحث تعزيز أوجه التعاون في الجوانب التجارية والاستثمارية والطاقة والثقافة والتقنية، واستعراض آفاق الشراكة الثنائية بين الجانبين في نطاق رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق.
ثم التقى الأمير محمد بن سلمان الرئيس الصيني شي جين بينغ بقاعة الشعب الكبرى في العاصمة بكين، وتناول اللقاء تطورات المنطقة والمستجدات الدولية.
وقال ولي العهد السعودي إن الفرص المستقبلية بين المملكة والصين كبيرة جدا، لافتا إلى ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي 32%.
بدوره، أكد الرئيس الصيني حرص بلاده على بذل المزيد من الجهود المشتركة مع المملكة لفتح آفاق جديدة للصداقة والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
كما شهدت الزيارة لقاءات بين الوفد المرافق للأمير محمد بن سلمان ونظرائه في الصين، بينها اجتماع وزيري خارجية البلدين الذي جرى خلاله بحث العلاقات الثنائية.
مكافحة الإرهاب
وشهدت الزيارة توقيع العديد من الاتفاقيات منها التعاون في مكافحة الإرهاب بين رئاسة أمن الدولة بالمملكة العربية السعودية ووزارة الأمن العام الصينية.
كما وقعت الرياض وبكين اتفاقية بين وزارتي الداخلية بالمملكة والأمن العام الصينية بشأن التعاون في مكافحة الجرائم الإلكترونية.
كما وقع الجانبان مذكرة تفاهم بين الهيئة السعودية للملكية الفكرية والهيئة الوطنية الصينية لحقوق الملكية الفكرية بشأن التعاون في مجال حقوق الملكية الفكرية.
شراكة اقتصادية
كما وقع الجانبان اتفاقيات في النقل البحري والطاقة الإنتاجية والاستثمار، وتشكيل فريق عمل لتيسير التجارة، وقرض حكومي لتشييد وتجهيز ثلاثة مستشفيات وتأهيل المناطق المتأثرة بالزلازل في الصين.
وزادت التجارة بين المملكة والصين بشكل كبير منذ عام 2000؛ ففي عام 2005 نمت التجارة إلى 59%، وتجاوزت المملكة العربية السعودية أنجولا كأكبر مصدّر نفط للصين، وتقوم شركة سابك بتصدير بتروكيماويات للصين بقيمة أكثر من ملياري دولار سنوياً.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نمواً قياسياً خلال السنوات العشر الأخيرة؛ حيث تجاوز أكثر من 73 مليار دولار في 2013.
وتشارك الشركات الصينية في مجال البنية التحتية السعودية بعقد مشاريع كبيرة في كل نشاط، وتأتي بالتقنيات والخبرات الناجحة من الصين، بينما تلتزم بسياسة السعودية، لتقديم فرص عمل أكثر محليًّا.
وبنت الصين 10 آلاف كيلومتر من خطوط سكك حديدية عالية السرعة، وستبلغ خطوطها 12 ألف كيلومتر، وهي الأطول في العالم، وتحتل الصين مقامًا متقدمًا من حيث التقنيات وسرعة البناء في هذا الصدد.
وفتحت محددات رؤية المملكة 2030 آفاقا مهمة أمام المستثمرين الصينيين للاستفادة من الأهمية الخاصة لمناخ الاستثمار في السعودية الذي يتسم بالاستقرار.
وتبلغ استثمارات الصين في السعودية 3 مليارات دولار، فيما تبلغ استثمارات السعودية في الصين 1.52 مليار دولار، ومن بينها استثمارات شركتي أرامكو السعودية وسابك مع سانوباك الصينية في مجالي النفط والتكرير والبتروكيماويات.
وفي ديسمبر/كانون أول الماضي، أطلقت المملكة قمري (سات 5 أ) و(سات 5 ب) من الصين إلى الفضاء، بعد تطويرهما محليًّا، حيث يتميزان بالاستشعار عن بعد عالي الدقة وقد صنعا لأغراض الاستطلاع، ليتبعا عددًا من الأقمار بدأت بإطلاقها السعودية إلى الفضاء منذ 14 عامًا.
علاقات استراتيجية
وتشهد العلاقات بين البلدين توافقًا في رؤى ومواقف دولية هامة ونموًا متواصلاً على جميع المستويات، يعزز ذلك الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين.
وتقوم العلاقات بين الرياض وبكين على الاحترام المتبادل، وتركّز في مضمونها على الملفات ذات الأهمية، مثل الملفات الاقتصادية والسياسية؛ وأهمها العمل على دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، والدعم الصيني لموقف الرياض من القضية الفلسطينية بإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وتدعم بكين الدور الإقليمي المحوري والمهم للرياض في حل النزاعات؛ من خلال سياساتها الهادفة إلى تحقيق الاحترام المتبادل للدول الأخرى، وتعزيز مفهوم حسن الجوار.
80 عامًا من العلاقات
يبلغ عمر العلاقات بين البلدين نحو 80 عاماً، حين قررت الرياض في عام 1939 التمهيد لعلاقات سياسية قوية مع بكين؛ هذا القرار استغرق 6 أعوام قبل توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في نوفمبر/تشرين الثاني 1946 في جدة.
وتوقفت العلاقات بين البلدين لمدة 20 عاماً؛ بدءاً من 1949 وحتى 1979، وهو التاريخ الذي لم يخلُ من علاقات واتصالات دائمة؛ لكنها ليست بذلك المستوى الرسمي رفيع المستوى، وحين بدأت جمهورية الصين الشعبية علاقاتها من جديد مع العالم.
وفي تلك الفترة، كانت العلاقات مستمرة بين البلدين في اتجاهات عدة منها عودة أول قوافل للحجاج الصينيين في نهاية السبعينيات، وفتح طريق صادرات البضائع الصينية إلى السعودية في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وعودة العلاقات الرسمية السياسية بين البلدين بشكل فاعل وقوي عند عقد توقيع تأسيس شراكة سياسية واتفاقية تفاهم بين الرياض وبكين في 21 يوليو/تموز 1990.
تعزيز العلاقات
وفي الفترة بين 1991 و1998، شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا ملحوظًا تلخص في 16 زيارة واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات؛ لتتوج بزيارة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين كان وليا للعهد في 1998؛ لتعد حينها الزيارة الأعلى مستوى من ناحية الوفد الرسمي للجانب السعودي إلى الصين، وهي الزيارة التي وصف فيها الملك عبدالله الصين بأنها أفضل صديق للسعودية.
وسبق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أن زار الصين عندما كان ولياً للعهد في 2014، وشهدت هذه الزيارة مباحثات تشمل ملفات مهمة سياسية واقتصادية وعسكرية.
وسبق لولي العهد زيارة الصين في سبتمبر/أيلول 2016 لحضور قمة العشرين، عندما كان ولي ولي العهد التقى خلالها كذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ.
كما زار الرئيس الصيني المملكة في يناير/كانون الثاني 2016 حيث شهد توقيع 14 اتفاقية، تنوعت في مجالات الفضاء والعلوم والطاقة المتجددة؛ ما دفع علاقة البلدين إلى الأمام؛ حيث أُعلن خلال الزيارة رفع مستواها إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة رفيعة المستوى.
وعكست هذه الزيارة مدى عُمق وثبات العلاقة، وبيّنت سعي البلدين للانطلاق في طريق الشراكة لتحقيق أهدافهما الوطنية، ورفع مستوى العلاقة الذي اعتمد على المنافع الاقتصادية المتبادلة كأساس يستند إليه في سوق مشتركة لا تزال تجذب المزيد من الشركات في كلا البلدين.
عزلة إيران
ويعد محللون أن هناك قلقا إيرانيا من نتائج الجولة الآسيوية للأمير محمد بن سلمان من توسيع التحالفات الاقتصادية والسياسية مع الدول الثلاث التي يمكن أن تفاقم عزلة إيران الاقتصادية في ظل العقوبات الأمريكية القاسية.
ويجمع المراقبون على أن مصالح الهند والصين وباكستان مع السعودية أكبر بكثير مع أي علاقات محفوفة بالمخاطر مع إيران في ظل اقتصادها المشلول، إضافة إلى الضغوط الأمريكية التي تقيد جميع أنواع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع طهران.
وبدأ ولي العهد السعودي، الأحد، جولة آسيوية تشمل باكستان والهند والصين، وتهدف إلى تعزيز أهداف رؤية "السعودية 2030".
aXA6IDE4LjE5MS44Ny4xNTcg جزيرة ام اند امز