ما من عربي له مصلحة بزعزة الأمن والاستقرار في الدول الجارة من تركيا إلى إيران فغيرهما،
بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، التي دامت ثماني سنوات، وقع ضباط وشخصيات عراقية أكاديمية وسياسية وإعلامية وغيرها في الأسر لدى إيران.
من هذه الشخصيات عميد الأسرى العراقيين في السجون الإيرانية الدكتور نزار السامرائي، المدير العام لدائرة الإعلام الداخلي في وزارة الثقافة والإعلام العراقية عام 1980>
وفي معرض سرده لمعاناته داخل السجن ذكر جزئية مهمة تطلعنا على ماهية تفكير السلطة الإيرانية الحالية وذهنيتها غير المرحبّة بحسن الجوار مع العرب ولا حتى بتاريخهم، وتصل في كثير من الأحيان إلى معاداتهم.
ما تعتقده إيران نجاحا لسياستها المبنية على مبدأ دعم طرف على حساب آخر في بلداننا العربية لن يكون في صالحها على الإطلاق، خصوصا أن إيران مزيج عرقي ومذهبي متعدد، وما تسعر به البلدان العربية لا بد أن يتطاير شرره ليصيب طهران بمقتل.
يقول الدكتور السامرائي إنه بينما كان جالسا ينتظر طي يوم سجن آخر هو وزملاؤه وإذ بجندي إيراني يُدعى هاشمي حسين يدخل عليهم طالبا منهم بتعريف دقيق للاستعمار، توالت الإجابات من العراقيين المأسورين في سجنهم، يروي الدكتور نزار كل عرّف الاستعمار من وجهة نظره ورأيه الشخصي، وكلما تحدث أحدُهم بإجابة يقول له الجندي الإيراني لا هذا ليس هو الاستعمار.
بعد استعراضه الإجابات جميعها قال لهم الاستعمار يا سجناء هو أنْ يستيقظ الإيراني كل صباح ويسمع صوت والديه يقرآن القرآن باللغة العربية، وأنهما يعتقدان بعدم قبول صلاتهم إلا إذا توجها إلى مدينة عربية اسمها مكة ليقيما شعائرهما الدينية هناك، هذا هو الاستعمار.
في الحقيقة ما أتى عليه الجندي الإيراني واقعا لا يمكن لعاقل نكرانه، وهو إشارة واضحة لا تحتاج إلى مزيد من الشرح، بأن ثمة جبلاً من البغض والكره للعرب من بعض الإيرانيين، ولا يمكن التعميم بالمطلق، ولكن السواد الأعظم يكاد يتشارك هذه الخصلة غير الحميدة، يداومون بتكرارها على مسامع الشعوب العربية، شيعة كانوا أم سنة.. لا فرق لديهم.
ما قاله الضابط الإيراني نسمعه نحن العرب بين حين وآخر من المسؤولين الإيرانيين، خطيب جمعة طهران ما برح يتلو على مصليه بأنّ بلاده باتت تسيطر على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ويقدم كلمة عربية على كل اعتبار ليشبع ذاته العطشى "لثأر مزعوم" من العرب.
ما تعتقده إيران نجاحا لسياستها المبنية على مبدأ دعم طرف على حساب آخر في بلداننا العربية لن يكون في صالحها على الإطلاق، خصوصا أن إيران مزيج عرقي ومذهبي متعدد، وما تسعر به البلدان العربية لا بد أن يتطاير شرره ليصيب طهران بمقتل.
كيف لا وباتت حساسية العربي شديدة جدا تجاه ما يتفوه به ساسة إيران تجاه بلدانه، وهذا ما يفسر حالة الغضب الشديد لدى المكونات العراقية العربية بمختلف مشاربها المذهبية، حين سمعت علي أكبر ولايتي، مستشار مرشد إيران، يرسم من بغداد شكل ومستقبل العراق السياسي.
الموضوع لم يقتصر على صغار القوم في طهران، لا على العكس تماما، فالرئيس الإيراني ذو الاتجاه الإصلاحي حسن روحاني قالها صراحة قبل نحو شهرين، بأنه لا يمكن أن يُتخذ قرار في لبنان دون الرجوع إلى إيران.
كل التلميحات هذه تضيع فرصة العيش الآمن والمستقر ما بين إيران وجيرانها العرب، الذين ما وفّر مسؤولوهم دعوتها لعلاقات جيدة مبنية على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية.
ما من عربي له مصلحة بزعزة الأمن والاستقرار في الدول الجارة من تركيا إلى إيران فغيرهما، الاستقرار في هذه البلدان حتما سيكون له منعكساته الإيجابية على الشعوب العربية في أوطانها، وكذلك على الشعب الإيراني الباحث عن التغيير "راجع أسباب التظاهرات الأخيرة"، ولكن السؤال متى تغيّر إيران سياستها تجاه العرب؟.
في الواقع إيران لن تغير سياستها على الإطلاق وفق ذهنية من يحكمها الآن، أمران اثنان يمكنهما إجبار طهران على التعاطي بطريقة مختلفة مع الدول العربية.
الأمر الأول، الخلاص من حالة الانقسام في الصف العربي الذي استفادت منه إيران وغيرها لصالح ترسيخ نفوذها أكثر في منطقتنا العربية، والتركيز على الشعوب العربية التي تجاوزت في كثير من الأحيان سياسة وقرار حكامها، حين أدركت بأن ثمة خطراً يحدق بالأمة العربية -قطر نموذجا- (القبائل العربية القطرية رفضت الانحياز إلى إيران على حساب محيطها العربي).
أما الأمر الثاني يكمن في المبادرة السريعة والسريعة جدا من الجامعة العربية لفرض استراتيجية جديدة ومختلفة في التعاطي مع القضية الفلسطينية، التي وضعتها إيران عنوانا ومرتكزا تمضي به أمام الشعوب الإسلامية كواجهة، وساندها في ذلك سذاجة البعض مما أكسبها بعض التعاطف من هذه الشعوب عن غير دراية تشاركها في هذه الحيلة تركيا. والمدرستان تتبعان نهجا واحدا ضد العرب، الأولى تبحث عن أمجاد دولة فارس، والثانية يحلم زعيمها بإخضاع المنطقة العربية لسلطان جده العثماني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة