"أرجوحة صنعاء".. لعبة كبار اليمن مع عودة الحجاج (صور)
يظل التراث اليمني متجذرًا في وجدان اليمنيين، يتوارثه الناس جيلًا بعد آخر، تُقويه المناسبات الدينية وتُرسخه المواسم.
ومن تلك الطقوس التراثية، تأتي "المدرهة" على رأس الممارسات الثقافية والتاريخية التي يحرص عليها اليمنيون كل عام، خاصةً مع نهاية موسم الحج.
فمع عودة الحجاج من مكة يبدأ سكان صنعاء بنصب أرجوحة للكبار، يطلقون عليها اسم "المدرهة" في شوارع المدينة؛ لاستقبال زوار بيت الله مع ترديد أهازيج شعبية تُعظّم الشعيرة الإسلامية.
"المدرهة".. دلالات ومعان
و”المدرهة” في صورتها المبسطة هي عبارة عن أرجوحة تصنع من الأخشاب القوية، ويتم ربط أعمدتها بسلاسل حديدية أو حبال قوية ومتينة، ولا يستخدمها سوى الكبار.
ولا بد من عملية تأمين وتوثيق أعمدة "المدرهة" خشية انقطاعها، لأن سقوطها يحمل اعتقادًا ينذر بالشؤم من أن الحاج في خطر، خاصةً أن السفر قديمًا كان شاقًا ومحفوفًا بالمخاطر ويستغرق أشهرًا، بحسب غير واحدٍ من باحثي التراث اليمنيين.
لهذا فإن الأرجوحة أو "المدرهة" تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات المرتبطة بمواسم الحج والأعياد، والتي ما زالت راسخة عميقًا في نفوس اليمنيين، وتحديدًا أهالي وسكان مدينة صنعاء القديمة.
تاريخ "المدرهة"
يقول الناشط والفنان اليمني محمد خالد، لـ"العين الإخبارية"، إن هذا التقليد التراثي المحفوظ في ذاكرة الصنعائيين، والذي ما زالوا يمارسونه حتى اليوم، ترجع بداياته إلى منتصف القرن السابع الهجري، وتحديدًا في عام 655 للهجرة.
وأضاف: بدأت "المدرهة" منذ ذاك التاريخ، حين بدأ الأهالي ينصبونها لحكام اليمن الذاهبين إلى الحج وعند عودتهم، من منطلق الدعوات لهم بسلامة العودة.
وأوضح أن الأمر تطور حتى شمل عامة الناس وكل من ذهب للحج، فيتم نصب الأرجوحة، استقبالًا لهم بعد عودتهم من أداء مناسك الحج.
وتقليد أو لعبة "المدرهة" اليوم مدرجة على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي منذ العام 1986.
جهود لحماية "المدرهة"
على الرغم من أن هذا التقليد التاريخي وطقوسه الموسمية باتت مهددة بالاندثار، إلا أن جهودًا مجتمعية وفردية خجولة تحاول إحياءها والحفاظ عليها، بعد أن كانت حاضرة إلى عهد قريب في معظم منازل مدينة صنعاء القديمة.
ومن تلك الجهود، مهرجان سنوي يُقام في صنعاء كل عام، تحت عنوان "مهرجان المدرهة للتراث الثقافي الشعبي"، وهو مهرجان تنظمه إحدى المنظمات المحلية المعنية بالتراث اليمني.
وبدأ المهرجان قبل أيام تحت شعار "المدرهة.. فن وتراث وهوية وطنية"، وما زال مستمرًا خلال الأيام الحالية في مدينة صنعاء القديمة؛ وخلال أيام عيد الأضحى، حتى استقبال وعودة حجاج بيت الله القادمين من الأراضي المقدسة.
إحياء التراث
القائمون على مهرجان "المدرهة"، يرون أن هذا التقليد يمثل جزءًا من الموروثات التي ما زالت تقام في اليمن، والتي تعبر عن روحانية المناسبة الدينية المتمثلة بزيارة الحجاج لبيت الله، حيث يقام المهرجان لاستقبالهم الحجيج.
وأوضح منظمو المهرجان أن مثل هذه الفعاليات تحمل شجنًا، وتحتفظ بذاكرة وجدانية وروحانية للناس، مضيفين أنه يجب الحفاظ عليها؛ فهي من العادات والتقاليد المرتبطة بمواسم الحج وسفر الحجاج اليمنيين.
وأشار المنظمون إلى أن المهرجان يهدف أيضًا إلى الحفاظ على الموروث الشعبي اليمني والهوية التاريخية، وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على الموروث الإنساني اليمنى من الاندثار، فهو حسب تعبيرهم جزء مهم من الهوية الثقافية الوطنية.
aXA6IDMuMTM1LjE5My4xOTMg جزيرة ام اند امز