استثمارات الإمارات والسعودية في هذا البلد العزيز أقالت الاقتصاد المصري من عثرته، وأنجدت حياة عشرات الملايين من الناس.
لن يصدقني صاحب القرار في قطر لو قلت إن الاستثمار بالناس خير من الاستثمار في الأحزاب، لأن لديه من يقنعه بغير ذلك، ولكن انظر في الحقائق، وسوف ترى أن مشاريع البناء والإعمار والتنمية خير لك وللبلدان التي ترغب في أن "تتمدد" بنفوذك إليها، من أن "تتمدد" بالأحزاب.
استثمارات الإمارات والسعودية في هذا البلد العزيز، أقالت الاقتصاد المصري من عثرته، وأنجدت حياة عشرات الملايين من الناس. أولئك الذين كان "الاستثمار" القطري في حزب الإخوان يزمع أن يحولهم إلى مشردين جدد
ماذا يحصل عندما تبني محطة كهرباء، أو تقيم مصنعا، أو تنشئ بلدة حديثة للإسكان؟
أولا: إنك لن تخسر مالا، وحتى ولو خسرت، فإنها ستكون خسارة محدودة لا تقارن بالعوائد الاقتصادية والسياسية الأخرى.
ثانيا: سوف يتحول استثمارك إلى قوة تشغيل، توفر رزقا أو سكنا لمئات أو آلاف أو حتى ملايين الأسر. اقتصاديا، فإن عوائد العمل، لا بد وأن تكون مثمرة، كأي عمل استثماري آخر. وسياسيا، فإنك سوف تجني مكانة تسمح لك بقول قد لا يملكه غيرك. واستراتيجيا، فإن ذلك سوف يوفر لك قدرة على التوسع، ويتيح لك الخبرات من أجل استثمارات أكبر وأبقى. ودينيا، فإنك تكسب من الدعاء ما قد لا ينضب. وهي كلها بركة من حمد الله ورحمته.
ثالثا: فإن استثماراتك لن تكون موضع جدال. ليس لأنها استثمارات محايدة أو باردة سياسيا فحسب، بل لأنها ينبوع خير، يفيض على الجميع، ويدرك الجميع أنها لا تميز أحدا عن أحد، ولا تملي أحدا على أحد، ولا تختار طريقا سياسيا دون سواه.
ورابعا: لأنها ستكون عاملا من عوامل الاستقرار والتقدم، وركيزة عظمى من ركائز الأمن. الناس عندما تجوع وتعرى، تتطرف. ولكنها عندما تأمن على أساسياتها، تستقر وتقوى. فإذا كان التغيير مطلوبا فإنه يحدث بمقدار من التعقل والاتزان.
خامسا: لأن علاقات التضامن التي تُرسى على أسس من تحت، تغرق في الأرض فتجعل ما فوقها قويا وأقدر على مواجهة عواصف الأيام.
في المقابل فإن الاستثمار في الأحزاب، قد يأتي بفائدة كفائدة النور في عود الثقاب، إلا أنه يكفي لكي يشعل حرائق لها أول وليس لها آخر.
الأحزاب لا تقود مجتمعاتها إلى الأمام. ليس في عالمنا العربي على الأقل. إنها تجرها جرا في طريق وعر. حتى لتنتهي إلى تكسيرها وتكسير العربة. والسبب في الوعورة هو أن أيديولوجيا الأحزاب غالبا ما تقترح واقعا غير الواقع، وتحاول أن تفرضه بالقوة أو بالإملاء. فإذا زدت عليها خيارات راديكالية، فلسوف ترى ماذا يعني أن تنقلب الطريق إلى هاوية بلا قرار.
أليس هذا هو بالضبط، ما عرفناه في سوريا؟ يوم كان التغيير ضروريا، ولكن الخيارات الراديكالية للإسلام السياسي قادت شعبا وبلدا بأسره إلى الخراب.
ولقد رأى الجميع رؤية العين، في سوريا والعراق ولبنان ومصر وتونس واليمن، أن أسوأ الأحزاب، هي تلك التي تحول الدين إلى أيديولوجيا، فتسيئ إليه، وتجعله مادة للشقاق، وأداة للتنازع بين الناس في أعز ما يملكون. والخير الذي يقصده الدين، سرعان ما يتحول إلى سبب لسفك الدماء بين الناس.
فأين هذا من ذاك؟ وكيف يمكن أن تقارن الاستثمار بالناس بالاستثمار ضدهم؟
حلو، أن يكشف المرء عن حافز ما يُسطّر. تجده هنا، في هذه "العين الإخبارية"، في خبر قد لا يثير اهتماما كبيرا، ولكنه قصة من الضخامة حتى لتبدو قصة حياة.
قبل أن تقرأ البارد من الأرقام، لك أن تعرف أن تحتها دلالات ضخمة. وإنها من الحرارة حتى إنها كانت، حتى وقت قريب، دلالة على بركان كاد أن ينفجر على بلد هو ركيزة عظمى من ركائز الأمن الإقليمي.
الإمارات تستثمر في البناء والتنمية والإعمار في مصر. لا في حزب موال للرئيس، ولا في حزب معارض له. إنها تستثمر في الناس. وهذا ما يعرفه كل الناس. ووسط الكثير من البنوك العامة والخاصة، فإن هناك فرعا لبنك أبوظبي. وهو الوحيد، فيما بدا من الخبر، الذي يعرض سعرا للدولار أعلى من كل البنوك المصرية. ببساطة، لقد شاء هذا البنك، بتسعيرته تلك أن يخسر المنافسة، وأن يترك السباق لمن هم أحق به.
قلت، ما أعذب الخسران، طفيفا كان أم غير ذلك، فإنه ربح أخلاقي وسياسي واقتصادي كبير. وستعرف أهميته الكبرى يوم كاد الدولار يبلغ 25 جنيها، أو يوم كان الجنيه يقف أمام مأزق يعكس مأزق الاقتصاد المصري كله، ذلك الذي تركته سلطة حزب الإخوان على حافة الانهيار التام.
الخبر البارد يتباهى بأن قيمة الدولار تراجعت أمام الجنيه المصري بنسبة 11% في عام 2019. ومعناه الحار، هو أن كل أسرة في مصر باتت بخير بذات المقدار أو أكثر. ومقارنة بما كان الحال قبل ذلك، فلك أن تحمد الرحمن على عطفه ولطفه.
استثمارات الإمارات والسعودية في هذا البلد العزيز، أقالت الاقتصاد المصري من عثرته، وأنجدت حياة عشرات الملايين من الناس. أولئك الذين كان "الاستثمار" القطري في حزب الإخوان يزمع أن يحولهم إلى مشردين جدد، أو ضحايا كضحايا الحرب الأهلية في سوريا وحروب الإسلام السياسي في العراق.
أعرف أن قول الحق جارح أحيانا، وأعرف أنه يدفع الظالم إلى المزيد من العزة بالإثم، ولكنه يجب أن يقال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة