"السماح للمرأة بالحج دون محرم".. علماء دين يشيدون بقرار السعودية (خاص)
لأول مرة، أعلنت المملكة العربية السعودية السماح للمرأة بأداء مناسك الحج للعام الجاري 1444 بالتسجيل دون شرط وجود محرم.
وقال نائب وزير الحج والعمرة السعودي، عبدالفتاح مشاط، إنه "يمكن للمرأة أداء فريضة الحج دون محرم، وضمن عصبة من النساء خلال موسم الحج هذا العام".
ونال القرار إشادات من رجال دين في المملكة وخارجها، واعتبره مشايخ الأزهر الشريف في مصر متوافقًا مع الشرع، وميسرًا على المرأة في التسجيل والقيام بأداء مناسك الحج.
انتفاء الحاجة للمحرم
وأثنى السيد سليمان، أحد علماء الأزهر، على القرار، موضحًا أن الحكمة من وجود المحرم مع المرأة عند السفر للحج أو غيره من الأغراض هو حمايتها من الاعتداء عليها ودرء للفتنة التي قد تصيب المرأة.
وأضاف "سليمان" في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "المرأة قديمًا كانت تشق الجبال والصحراء في سفرها لمسافات بعيدة وتستغرق أيامًا وليالي، وكان لا بد وقتها أن يكون معها من يحميها ويحافظ على محارمها".
تابع: "هذه كانت الحكمة من وجود المحرم، وكان أيضًا يصعب التواصل مع المرأة أو المسافر بشكل عام، فلم تكن هناك وسائل تواصل، أما الآن وقد يسر الله علينا أمر التواصل مع المسافرين فقد انتفت الحاجة للمحرم".
وأردف: "ما دام هناك وسائل تجعلنا نأمن على المرأة ونحافظ عليها من الاعتداء أو المضايقات، فيجوز لها أن تسافر إلى السعودية أو غيرها من البلدان بدون محرم، ولكن بشرط موافقة الولي الذي يتولى أمرها، وأن تكون الرفقة المسافرة معها آمنة ومن جنسها".
وأشار إلى أن حديث "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة" كانت له حكمة وانتفت، مختتمًا: "لا مانع من أن تسافر المرأة أو تتولى الوظائف، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يذهبون إلى السيدة عائشة رضي الله عنها ويستفتونها في أمور دينهم فتفتيهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء)".
قرار طال انتظاره
واتفقت معه الدكتورة إلهام شاهين، مساعد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية لشؤون الواعظات في مصر، قائلة إن القرار "طال انتظاره؛ لأن ظروف الحياة تغيرت كثيرًا، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، ومن قواعد الفقه أن الحكم يدور مع علته وجودا أو عدما".
وأضافت لـ"العين الإخبارية": "حتى نفهم القرار وحكم اشتراط وجود المحرم فلا بد أن نفهم طبيعة المجتمع الذي كانت المرأة تعيش فيه قديمًا وكان يلزم لها في السفر أن يكون معها محرم، فقد كانت المرأة تركب على البعير (الجمل) ويلزمها من يحملها في النزول ويرفعها في الصعود، كما كانت الأمتعة تحمل على نفس الجمل فيما يشبه الأكياس القماشية الكبيرة ولا تستطيع المرأة أن تفعل ذلك بنفسها فكان يلزمها المساعدة ممن يحمل لها المتاع ويحمله على الجمل ويحملها هي أيضا صعودًا وهبوطًا للركوب على الدابة".
وأردفت: "زِد على هذا ما كانت تتعرض له القوافل من مخاطر قطاع الطرق والسلب والنهب والخطف والسبي والبيع في أسواق النخاسة، والمرأة دون محرم معها كان يخاف عليها من كل هذه السلبيات والمخاطر، وكانت بعض النساء تخاطر بنفسها في ذلك الزمان حبًا في الله ورسوله وطلبًا للالتحاق بركب المؤمنين بالمدينة المنورة، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هاجرت وحدها في هذه الظروف إلى النبي ولم يقل لها إنك فعلت شيء محرما بل نزل في شأنها سورة الممتحنة، وهناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعدي بن حاتم الطائي عن وقت ينتشر فيه الأمن والأمان في البلاد قال: (فإنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ أحَدًا إلَّا اللَّهَ)".
وختمت: "إذًا العلة في التحريم لصعوبة السفر والتعرض للمخاطر واحتياج المرأة لمن يحملها صعودًا وهبوطًا، أما وقد انتشر الأمن في السفر إلى بلاد الحرمين وغيرها من البلاد وكذلك توافرت الرفقة المأمونة وأصبح هناك من يحمل الأمتعة عن المرأة من عمال وعربات، ولا تحتاج المرأة إلى حملها في الركوب فإذًا لا داعي لوجود المحرم".
يتفق مع الشرع
من جهته، أكد الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن قرار السماح للمرأة بالحج دون محرم قرار صحيح ولا يتعارض مع الشرع، قائلًًا: "العلماء اشترطوا الرفقة المأمونة في سفر المرأة لأداء مناسك الحج أو غيرها من الأغراض".
وأضاف لـ"العين الإخبارية": "اشترط العلماء أن يتحقق عنصر الأمن والأمان والمحافظة على الحرمات لكي يجوز للمرأة أن تخرج للسفر من أجل الحج أو غيره، وهذا القرار يتفق مع الشرع، لأنه إذا كانت الرفقة مأمونة والمجتمع آمنا والدولة متأهبة لتأمين الناس فلا حرج على المرأة للذهاب إلى العمرة أو الحج".
وأشار عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف إلى أن المملكة العربية السعودية كانت تتبع المذهب الحنبلي في الفقه، وهو مذهب شديد وصارم، ولا يجيز للمرأة السفر دون محرم، ولكن المملكة الآن تسير على الميسر من المذاهب الأربعة".
"عفا عليه الزمن"
بدوره، اعتبر الدكتور عبدالغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن اشتراط وجود المحرم عند سفر المرأة "أمر عفا عليه الزمن"، قائلًا: "الناس الآن تسافر وتروح وتجيئ، وبالنسبة للحج كان هناك شرط الصحبة الآمنة، وفي رأيي أكثر صحبة آمنة هي صحبة الحج".
وأضاف لـ"العين الإخبارية" أن "الأمر يخضع لكل شخص حسب تقديره الشخصي، فقد تكون هناك سيدة عمرها لا يسمح للسفر بمفردها، وهنا يجوز النظر في الحالة، وبشكل عام قرار السماح للمرأة بالحج دون محرم لا يمثل مشكلة شرعية في رأيي، والسعودية لم تكن تسمح للمرأة بقيادة السيارات، هذه الحالات الأساس الشرعي فيها يتعرض لكل حالة على حدة، وليس كأساس تنظيمي، والسلطات السعودية قررت وضع تنظيم معين، ولا مشكلة في ذلك".
وختم: "ما دامت المرأة عاقلة وهناك التزام بالحدود وحفظ للمحرمات سواء كان في الحج أو العمرة فلا حاجة إلى محرم، ولو قلنا بغير ذلك فسيكون علينا منع السفر والتنقل للسيدات بشكل عام إذا كانت بدون محرم، وهذا يعني الرجوع إلى الخلف، ولكن ما دمنا نأمن على المرأة وصحبتها فلا مانع في ذلك".
aXA6IDMuMTQ0LjIzNS4xNDEg جزيرة ام اند امز