صحراؤها كانت واحة.. السعودية تكشف عن أقدم سجل مناخي يمتد 8 ملايين عام

أعلنت هيئة التراث في المملكة العربية السعودية عن نتائج دراسة علمية حديثة، كشفت عن سجل مناخي دقيق.
يعد السجل المناخي الدقيق هو الأطول من نوعه في الجزيرة العربية، وأحد أطول السجلات المناخية على مستوى العالم، حيث يغطي فترة تمتد إلى 8 ملايين سنة. وقد تم التوصل إلى هذه النتائج من خلال تحليل علمي لتكوينات كهفية تُعرف محليًا باسم "دحول الصمّان"، تقع شمال شرق الرياض، في محافظة رماح بالقرب من مركز شَوْية.
وخلال مؤتمر صحفي عُقد اليوم الأربعاء الموافق 9 أبريل / نيسان، بمقر الهيئة في العاصمة الرياض، أوضح عجب العتيبي، المدير العام لقطاع الآثار في هيئة التراث، أن هذه الدراسة تمثل إنجازًا علميًا كبيرًا، إذ تقدم تصورًا موثقًا لطبيعة المناخ القديم في المملكة، وتُظهر أن أراضيها كانت بيئة خصبة وغنية بالحياة النباتية والمائية قبل ملايين السنين، على عكس طبيعتها الصحراوية الجافة حاليًا.
وبيّن العتيبي أن نتائج الدراسة أكدت أهمية موقع شبه الجزيرة العربية باعتباره نقطة التقاء طبيعية لهجرات الكائنات الحية بين قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، ما يعزز من فهم التاريخ البيولوجي لهذه الكائنات، ويساعد على تفسير كيف أثّرت التغيرات المناخية في تحركات الجماعات البشرية عبر العصور المختلفة.
وقد نشرت هيئة التراث هذه النتائج في مقال علمي بمجـلة "نيتشر" (Nature) تحت عنوان: "الحقب الرطبة المتكررة في شبه الجزيرة العربية خلال الـ 8 ملايين سنة الماضية"، وذلك ضمن مشروع علمي يحمل اسم "الجزيرة العربية الخضراء"، الذي يسعى إلى دراسة التاريخ البيئي والطبيعي لشبه الجزيرة العربية، بدعم من عدد كبير من الجهات المحلية والدولية.
شارك في هذه الدراسة 30 باحثًا يمثلون 27 جهة علمية من داخل وخارج المملكة، من أبرزها: هيئة التراث، وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، وجامعة الملك سعود، بالإضافة إلى معهد ماكس بلانك الألماني، وجامعة جريفيث الأسترالية، ومؤسسات علمية مرموقة من ألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية.
واستندت الدراسة إلى تحليل 22 تكوينًا كهفيًا علميًا يُعرف بـ"الهوابط والصواعد"، جُمعت من سبعة كهوف ضمن دحول الصمّان. وقد أظهرت هذه التكوينات تسجيلاً زمنيًا دقيقًا لفترات مناخية رطبة تعاقبت على أراضي المملكة، مما جعلها بيئة صالحة للحياة في فترات متعددة من تاريخها الطبيعي.
استخدم الباحثون تقنيات علمية دقيقة لتحديد الفترات الزمنية، تضمنت تحليل نظائر الأكسجين والكربون في الترسبات الكهفية، لتحديد التغيرات التي طرأت على نسبة هطول الأمطار وكثافة الغطاء النباتي. كما استخدمت تقنيتا اليورانيوم–الثوريوم (U-Th) واليورانيوم–الرصاص (U-Pb) لتحليل ترسبات كربونات الكالسيوم، وتحديد تواريخ دقيقة لمراحل المناخ الرطب التي شهدتها المنطقة.
وأشارت نتائج التحليل إلى وجود عدة مراحل رطبة امتدت من نهاية عصر الميوسين قبل نحو 8 ملايين سنة، مرورًا بـعصر البليوسين، وحتى أواخر عصر البليستوسين. وقد تميزت هذه الفترات بهطول أمطار غزيرة وتكوُّن بيئات طبيعية غنية بالمياه، مثل البحيرات والأنهار.
وأكدت الدراسة أن هذه الظروف المناخية ساهمت في تنقّل الكائنات الحية والثدييات بين القارات، كما تدعم النتائج ما كشفته دراسات أحفورية سابقة حول وجود أنواع من الحيوانات المائية في الجزيرة العربية، مثل الخيول، والتمساحيات، وأفراس النهر، وهي كائنات تعتمد في بقائها على البيئات المائية، مما يثبت أن هذه الأراضي كانت يومًا ما عامرة بالماء والحياة.
وأشارت هيئة التراث إلى أن هذه الدراسة تمثل أحد المخرجات العلمية لمشروع "الجزيرة العربية الخضراء"، الذي يُعد من أهم المبادرات البحثية التي تعزز الجهود العلمية لفهم التحولات البيئية والمناخية التي مرّت بها شبه الجزيرة العربية، وتوثيق تأثيرها في تكوين الطبيعة الجغرافية والأنظمة البيئية التي عرفتها المنطقة عبر العصور الجيولوجية.