ولي العهد السعودي بتركيا.. مرحلة جديدة من التعاون
وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا، مساء اليوم الأربعاء، قادما من الأردن، في ختام جولة استهلها بزيارة مصر.
زيارة تاريخية للأمير محمد بن سلمان إلى تركيا كونها الأولى له إلى البلاد، منذ توليه ولاية العهد قبل 5 سنوات، تؤكد طي مرحلة توتر شهدتها علاقات البلدين على مدار سنوات، وتدشن مرحلة جديدة من التعاون بين الرياض وأنقرة.
أهمية كبيرة
تكتسب الزيارة أهميتها من أنها تأتي في ختام جولة شملت مصر والأردن كان عنوانها الأبرز الارتقاء بالتعاون الثنائي وتعزيز التضامن العربي والإقليمي، ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وتنسيق المواقف والرؤى تجاه مختلف قضايا وتحديات المنطقة قبيل القمة العربية-الأمريكية المرتقبة بجدة 16 يوليو/تموز المقبل.
وبقدر ما أن زيارة بايدن المرتقبة للمنطقة تعد بمثابة تصحيح لبوصلة العلاقات مع دول المنطقة، إلا أن وضع إدارة بايدن قضايا الشرق الأوسط في مرتبة متأخرة في سلم أولوياتها، إضافة إلى ما استجد من تحديات وتداعيات على خلفية الأزمة الأوكرانية الروسية، أكد أهمية صياغة تحالف إقليمي ذي أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية، لتنسيق المواقف وتوحيد الرؤى وتعزيز التكامل، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة التحديات التي تواجهها.
وهنا تكمن أهمية جولة ولي العهد السعودي في صياغة ملامح هذا التحالف الداعم للأمن والاستقرار في المنطقة.وتتناغم زيارة ولي العهد السعودي إلى تركيا مع خطوات بدأت في الأشهر الأخيرة تقوم بها الدول المحورية في المنطقة وعلى رأسها دول السعودية والإمارات ومصر من جانب، وتركيا من جانب آخر، للعودة إلى قاعدة تصفير المشاكل في المنطقة وإنهاء التوترات القائمة بها، وإقامة تحالفات تنموية تدعم ازدهار ورخاء شعوب المنطقة.
وزيارة ولي العهد السعودي تلبية لدعوة القيادة التركية قبيل القمة الأمريكية، ولإضعاف محاولات المتصيدين في الماء العكر قبيل زيارة بايدن لمحاولة استغلال قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقحي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، ويؤكد صدق وقوة موقف السعودية في هذا الملف.
ورغم تعامل السعودية بشفافية مطلقة مع القضية، وإحالتها المتورطين بها للقضاء وصدور أحكام نهائية ضدهم، إلا أن هناك محاولات أمريكية متكررة لاستغلال تلك القضية تحت مزاعم حقوقية.
وضمن جهود عدة قامت بها تركيا خلال الفترة الماضية، لإعادة العلاقات مع المملكة إلى سابق عهدها، وفي خطوة تطوي صفحة خاشقجي نهائيا قضت محكمة تركية في 7 أبريل/نيسان الماضي، بوقف محاكمة السعوديين المشتبه بهم في قضية مقتله، وإحالتها إلى السعودية.
تعزيز العلاقات الثنائية
وتعد القمة المرتقبة التي تجمع ولي العهد السعودي، والرئيس التركي هي الثانية خلال أقل من شهرين بعد القمة التي جمعتهما خلال زيارة رجب طيب أردوغان لجدة 29 أبريل/نيسان الماضي.
ونهاية أبريل/نيسان الماضي زار أردوغان السعودية للمرة الأولى منذ 2017، والتقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وجرى خلال الاجتماع استعراض العلاقات السعودية التركية، وفرص تطويرها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها.
وقال الرئيس التركي، في تصريحات سابقة، إنه سيعقد لقاء ثنائيا مع ولي العهد السعودي في المجمع الرئاسي بأنقرة، يعقبه اجتماع موسع بمشاركة مسؤولين من البلدين.
وأفاد بأنه سيبحث مع الأمير محمد بن سلمان سبل الارتقاء بالعلاقات التركية السعودية إلى مستويات أعلى بكثير خلال الفترة المقبلة.
وثمة رغبة سعودية تركية مشتركة في تعزيز العلاقات الثنائية والارتقاء بها إلى آفاق أرحب، وهو ما سيتم ترجمته خلال المباحثات المرتقبة والاتفاقيات المتوقع إبرامها خلال الزيارة.
وخلال الفترة الماضية، كثفت تركيا تقديم رسائل إيجابية للسعودية على طريق إعادة تصويب مسار قطار العلاقات بين البلدين إلى طريقه الصحيح، توجتها بزيارة الرئيس التركي للمملكة نهاية أبريل/ نيسان الماضي.
وتأتي زيارة ولي العهد السعودي لتركيا لتؤكد طي صفحة الخلاف، وإعادة زخم العلاقات إلى سابق عهده، بل والانطلاق بها إلى آفاق أوسع وفتح صفحة جديدة من تاريخ البلاد، تستند إلى العلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين.
أجندة المباحثات
وستتصدر أجندة مباحثات الزعيمين تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين على مختلف الأصعدة، لا سيما على الجانب الاقتصادي في ظل الرؤية التنموية الطموحة لولي العهد السعودي العابرة للحدود، والداعية للتعاون والتكامل، والتي سبق أن عبر عنها في تصريحات سابقة خلال منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" عام 2018، بالقول إن "الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة، وأعتقد أن هذا الهدف سيتحقق 100%".
ستتناول المباحثات أيضا أبرز قضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والملفات في ليبيا واليمن وسوريا، والملف النووي الإيراني، وجهود مكافحة الإرهاب.
ويرتقب أن تتناول المباحثات تداعيات الأزمة الأوكرانية، وتأثيراتها على ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وسبل مواجهة تداعيات العملية الروسية السياسية والاقتصادية .
علاقات تاريخية
يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وتركيا إلى عام 1929، إثر توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين.
وقد أرست الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين قواعد هذه العلاقة ودعمتها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية كافة.
ومرت العلاقات بين السعودية وتركيا بمراحل عدة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وشهدت "نقلة نوعية"، منذ تولي أردوغان الرئاسة في 28 أغسطس/آب 2014، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حكم المملكة في 23 يناير/كانون الثاني 2015، واستمرت تلك الفترة حتى عام 2017.
وخلال تلك الفترة القصيرة تم عقد 10 قمم بين قادة البلدين، كان آخرها في يوليو/تموز 2017.
تم خلال تلك القمم الاتفاق على مجلس تنسيق مشترك بين البلدين لتعزيز التعاون، وعقد بالفعل دورته الأولى، في العاصمة التركية أنقرة يومي 7 و8 شباط/فبراير 2017.
وعلى طريق تحسين العلاقات في مختلف جوانبها، ارتفعت واردات المملكة من تركيا بنسبة 2.8 بالمئة خلال أول شهرين من 2022، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودي.
وبلغت قيمة الواردات في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، 71.3 مليون ريال (19 مليون دولار) مقابل 69.4 مليون ريال (18.5 مليون دولار) في الفترة المناظرة من 2021.
يأتي ذلك، بعد أن تراجعت واردات المملكة من تركيا في 2021 بنسبة 62.3 بالمئة، إلى 3.32 مليار ريال (886 مليون دولار) مقابل 8.82 مليار ريال في 2020.
وأعلنت وزارة الداخلية السعودية، الإثنين، رفع تعليق سفر المواطنين المباشر أو غير المباشر إلى عدة دول من بينها تركيا، وبينت أن ذلك "بناءً على متابعة الوضع الوبائي لجائحة فيروس كورونا وما رفعته الجهات الصحية المختصة حيال الوضع الوبائي عالميًا".
لكن كل ذلك تطورات إيجابية على أكثر من صعيد، وفي أكثر من اتجاه يتوقع أن تسهم في إعادة العلاقات بين البلدين، إلى مرحلة ازدهار جديدة، في خطوة ستجني ثمارها المنطقة والعالم أجمع، نظرا للثقل الذي يمثله البلدان.
aXA6IDMuMTIuMTU0LjEzMyA=
جزيرة ام اند امز