الخطوة السعودية الإماراتية تبدو مهمة في وقت له دلالاته من حيث تعرض مجلس التعاون لأزمة حقيقية تتعلق بالدور القطري
مع تواصل اجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي والإعلان عن خطوات تنفيذية حقيقية للتواصل، والبناء الهادف المشترك تثار جملة من التساؤلات حول ما سيتم في المدى المنظور من إنجازات حقيقية متعلقة يما يجري وفي هدوء من تطورات مفصلية في نمط العلاقات المشتركة، وخاصة فيما يتم الاتفاق بشأنه تنفيذا لرؤية مشتركة على المستوى الثنائي، ومن خلال إرادة سياسية واقتصادية لافتة.
بقي تأكيد أن النموذج الناجح في العلاقات السعودية الإماراتية سيكون مثالا حقيقيا وواقعيا لتطوير نموذج العلاقات العربية العربية، والفضل في ذلك للسعودية ودولة الإمارات في إعادة التعاون العربي وإحياء مؤسسات العمل المشترك وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي
أولا: تشير أعمال الاجتماع الأول للجنة التنفيذية بين البلدين الكبيرين للإدراك الحقيقي بما يواجه الإقليم العربي من تحديات، وفي منطقة الخليج العربي تحديدا، وهو ما تطلب تنسيقا على مستوى عال، ومن خلال مخطط استراتيجي اتضحت معالمه في اجتماع اللجنة التي من الواضح أنها ستنطلق في التعامل مع المعطيات السياسية والاستراتيجية الراهنة بدليل تركيزها على مجالات الاقتصاد والتنمية والتكامل السياسي والأمني العسكري، وهي المجالات محل الاهتمام المشترك الذي يؤكد أن البلدين يمتلكان رؤية استشرافية ومستقبلية على أعلى مستوى، وأن هذه الرؤية مخطط لها جيدا في ظل ما تواجه دول الإقليم بأكمله من تحديات راهنة ومحتملة، وفي ظل التهديدات من دول الجوار التي يجب التحسب لها جيدا والتعامل مع مخاطرها بجدية، وهو ما يدفع دولا كبرى في الإقليم مثل السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة للقيام بدورها التاريخي في رسم مصالحها في سياق ما يجري ومن خلال استراتيجية حقيقية نتصور أنها متكاملة، وفي مجالات متعددة ومن خلال مخطط متكامل لا يفيد فقط البلدين بل يمتد بطبيعة الحال إلى سائر دول المنطقة التي تبحث عن مصالحها في إقليم ما زال يعاني من حالة الاضطراب الحقيقي الذي يجب النظر إليه على أنه سيستمر على هذا الوضع بعض الوقت لحين وضوح الرؤية في التعامل، وفي مطامع الدول الكبرى التي تسعى لتحقيق مصالحها على حساب الأمن القومي العربي، وهو ما يجب النظر إليه بجدية كبيرة، خاصة وأن السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة دول مركزية في الإقليم، وفي معادلة القوة العربية الشاملة وهو ما سيتطلب تبني سياسات فعالة تقوم على مبدأ الرشادة السياسية والمنافع السياسية.
ثانيا: في ظل منظومة الحسابات والمعطيات الراهنة في العلاقات الشاملة بين السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، يمكن تأكيد أن أي تنسيق ينطلق من معادلة تحكمها معطيات راسخة تم تأكيدها ضمن الاتفاق التاريخي بين البلدين عام 2016، وجرى التوقيع على إنشاء المجلس المشترك ليكون نواة لعمل عربي واضح المعالم، ولا يمكن استبعاد المناخ العربي وقتها من إدراك القيادات العظيمة في البلدين لأهمية القيام بتشكيل المجلس المشترك، وهو ما يحسب لجلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز، والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وهو ما يؤكد أيضا أن القيادات الملهمة هي التي تصنع المستقبل، وهي التي تخطط لبناء الأمم، وهو ما يجري في الوقت الراهن من تحقيق التكامل المشترك وفقا لرؤية سياسية واقتصادية وتنموية حقيقية، وفي ظل ما يواجه الإقليم من تغلغل خارجي.
ثالثا: تبدو الخطوة السعودية الإماراتية مهمة في وقت له دلالاته من حيث تعرض مجلس التعاون لأزمة حقيقية تتعلق بالدور القطري واستمرار حالة المقاطعة ورفض القطريين الانصياع للعودة للخليج العربي، والاحتماء بمظلة البيت الخليجي الرئيسي وليس الاستقواء بدول الإقليم سواء كانت تركيا أو إيران على حساب مجلس التعاون برغم ما تقوم به دولة الكويت من مجهودات حقيقية لاستمرار الوساطة في سياقها العربي، بعد أن عزف الجانب الأمريكي عن حل الأزمة بجدية وإرغام الجانب القطري للتجاوب مع الـ13 بندا الحاكمة لإدارة الأزمة، وهو ما يهدد مجلس التعاون الخليجي ويصدر أزمة هيكلية لأعمال المجلس، ونشاطه ودوره في الفترة المقبلة، وهو ما يؤكد أن البديل كان لا بد أن يكون عربيا، ومن خلال تنسيق عربي حقيقي تقوده السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما امتد بالفعل لاتفاق في مجال الغاز والتنمية والتحرك في اتجاه التعامل مع إشكالية أمن الطاقة، وهو ما يشير بالفعل إلى أن التنسيق السعودي الإماراتي ليس مقصورا في مجال واحد بل هو متسع لمجالات عديدة وفي مواجهة ما يجري في نطاق الإقليم من تعدد خرائط الموارد والثروات من الخليج العربي إلي شرق المتوسط، ومن المتوسط إلى جنوب شرق آسيا ولبقاع أخرى مما يتطلب بالفعل العمل معا والانطلاق لتحقيق الفوائد المشتركة، وهو ما تعمل به السعودية، ودولة الإمارات وبصورة واضحة والفضل الأول والأخير يعود بالأساس لقيادات البلدين.
رابعا: إن قراءة مباشرة لخطة العمل معا السعودية ودولة الإمارات يستوقفنا للإشارة إلى مخطط البلدين والذي يضم أيضا سلطنة عمان لمد شبكة الغاز الإقليمية، وهو ما يعني الوصول إلى خطط وتصورات جديدة في ظل برامج عمل حقيقية وخطط ربما يكون منطلقها الرئيسي المكاسب المشتركة فالسعودية تخطط لأن تكون مركزا عالميا لقدرات الطاقة المتجددة في العقود المقبلة مع التركيز على الاقتصاد والتكنولوجيا، وليست الأيديولوجيا فقط، وحسنٌ أن أكد هذا وزير الطاقة السعودي خالد الفالح مع إشاراته إلى أن السعودية ستطرح عشرات من مشروعات الطاقة المتجددة كل عام مع 12 مشروعا على الأقل مقررة لعام 2019. وهذا ما يؤكد أن السعودية ودولة الإمارات ستنجحان في تحقيق المعادلات الجديدة في الإقليم بأكمله، وهو ما سيدفع لتكرار التجربة مع الفارق بين دول مثل مصر والأردن وبين السودان ومصر وبين سوريا والعراق والأردن، ومن خلال مصالح عربية ثنائية وجماعية لتعويض غياب مؤسسات العمل العربي المشترك المفروض أن تقوم بهذا الأمر، وقد يكون ذلك النموذج السعودي الإماراتي مدخلا حقيقيا ومباشرا لتطوير المؤسسات والأجهزة المتخصصة على المستوى العربي بدلا من الاتجاه إلى خيارات إقليمية تسعى بعض الدول العربية، ومنها قطر، للعمل عيها برغم أن هناك حرصا عربيا من الدول العربية الكبيرة في الإقليم مثل السعودية ومصر ودولة الإمارات على تنمية المنظمات العربية المتخصصة وتطويرها بل الحرص على دعم المؤسسة الرئيسية ممثلة في الجامعة العربية، والتي ما تزال تمثل الإطار الموحد للعمل العربي المشترك، والتي تعمل كافة المؤسسات العربية من خلالها وهو ما سيفرض لاحقا وضعا عربيا جامعا في مواجهة التحديات والمخاطر التي تسعى دول مثل إسرائيل وتركيا وإيران لإحداث اختراق في المواقف العربية والعمل على تطويع النظام الإقليمي العربي لحسابات وتقييمات خارجية، وهو ما تقف في مواجهته دول مثل السعودية ودولة الإمارات في النطاق العربي عامة والخليجي خاصة، وما يحسب للقيادات العظيمة في البلدين إدراكهما طبيعة اللحظة التي يواجهها النظام الإقليم العربي مما يتطلب تضافر الجهود العربية وتنسيقها في مواجهة ما يجري ويتطلب دعما عربيا حقيقيا على كافة المستويات، ومن المؤكد أن السعودية ودولة الإمارات بما قامتا به من خطوة تنفيذية في البدء في اتباع مسار تدريجي ومرحلي سيكون أساسا للعمل العربي الحقيقي، والذي لن يتوقف عند الاقتصاد وأمن الطاقة والاستثمار فقط بل سيدخل مجالات أخرى مهمة وفقا للمتطلبات التي تفرضها المعطيات الراهنة التي تمر بها دول المنطقة العربية، والتي تحتاج بالفعل لآليات عمل غير تقليدية ومؤسسات جديدة فعالة تنطلق لتنفيذ ما يتم الاتفاق بشأنه.
خامسا: إن التنسيق السعودي الإماراتي ليس فقط خطوة استراتيجية، إنما هو بالأساس مسار طويل ممتد من خطوات استراتيجية حقيقية يمكن الانطلاق منها إلى آفاق أرحب، وهو ما سيطور فرص التعاون والعمل معا إلى مجالات عديدة، ولعل هذا الأمر ما سينطبق وبقوة في مجال أمن الطاقة تحديدا، وهو ما يشير إلى وجود مخطط حقيقي لتنمية العمل في هذا المجال الذي يمكن أن يكون مدخلا لمجالات أخرى تم التوافق بشأنها في اللقاء التنفيذي الأول، وما يمكن أن يؤدي إليه من نتائج حقيقية، ومن المؤكد أن المصالح المتبادلة والواقعية ستدفع للمزيد من مجالات العمل المشترك تحت المظلة العربية بالأساس والخليجية على وجه الخصوص وهو ما سينمي التوافقات والمصالح العربية في محيطها العربي الإقليمي، خاصة وأن حجم التطورات الجارية في الإقليم ستتطلب بالفعل تنسيقا على أعلى مستوى وبما سيدفع وبقوة لدور محوري لدولتين كبيرتين مثل السعودية ودولة الإمارات وهو ما يمكن أن ينعكس على مواقف الدول العربية الأخرى التي تنظر إلى ما يجري من حولها من أحداث وتطورات قد تؤثر على استقرارها مما يدفعها للتعامل قدما مع ما تواجهه عبر سيناريوهات وتصورات ممتدة، وعبر شبكة طويلة وممتدة من الحسابات السياسية الحقيقية التي يمكن العمل وفقها.
يبقى تأكيد أن النموذج الناجح في العلاقات السعودية الإماراتية سيكون مثالا حقيقيا وواقعيا لتطوير نموذج العلاقات العربية العربية، والفضل في ذلك للسعودية ودولة الإمارات في إعادة التعاون العربي وإحياء مؤسسات العمل المشترك وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي ومجلس الوحدة الاقتصادية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة