كان الحج هذا العام من أروع المواسم تجهيزاً وخدمة وتسهيلاً وأماناً دون تسجيل أي حادث أو خلل يمس أمن الحج والحجيج
مذ كنا صغاراً وفي كل موسم من مواسم الحج نسأل متشوقين للديار المقدسة زائريها بعد عودتهم عما عاينوه وعاشوه من لحظات روحانية مقدسة لتفيض ألسنتهم بما في ثنايا قلوبهم من نفحات روحانية وفرح واستبشار بولادة جديدة وقبول من الله لطاعاتهم ليردف القائل منهم مباشرة بالدعاء للقائمين على خدمة حجيج بيت الله الحرام والدعاء بصدق ومحبة للمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا؛ لما لمسوه من خدمة وحسن معاملة وتقدير وتسهيل، بل ويتعدى الأمر ذلك إلى أن من يكون قد حج بيت الله للمرة الثانية أن يسرد التعجب والدهشة بتغير مسيرة حجه جذريا عن العام الذي سبقه من زيادة في الخدمة والتسهيل والتوسيع وإدخال التقنيات الحديثة في كل ما من شأنه تأمين الحجيج والعمل على راحتهم وأداء مناسكهم على أكمل وجه وأصح طريق.
في نهاية المطاف لا يسعنا إلا أن نقول لحجيج بيت الله الحرام "حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً" وهنيئاً للمملكة العربية السعودية هذا التشريف الإلهي بأن أوكل إليها الله جلّ وعلا القيام على ضيوف بيته الشريف وتطهير بيته للطائفين والعاكفين
كان هذا فيما مضى من أزمنة قبل الثورة التقنية والتكنولوجية والتغطية الإعلامية الكاملة المباشرة، أما اليوم فأصبح الجميع يعاين لحظة بلحظة ودون انتظار لشهادات ممن حضر وزار وحج فكان الحج هذا العام من أروع المواسم تجهيزاً وخدمة وتسهيلاً وأماناً دون تسجيل أي حادث أو خلل يمس أمن الحج والحجيج والذي يمكن رده إلى عاملين بارزين:
أولاً المستوى الأمني: فقد عملت المملكة بتوجيهات حكيمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على السهر والعمل الدؤوب على تأمين الأراضي المقدسة وزوارها دون السهو عنها طرفة عين وهذا من الناحية المنطقية أمر لا بد منه وطبيعي لمثل هذا الحدث المقدس. ولكن الميزة تكمن في تحقيق هذا المستوى العالي من الأمن والأمان دون أن يثير ذلك أي إزعاج أو إرباك أو حتى مضايقة وتأخير لأي زائر من زوار بيت الله الحرام، بدءاً بالدخول من المعابر الحدودية البرية منها أو الجوية للمملكة أو في أثناء أداء المناسك وإتمام الشعائر وحتى مغادرة المملكة العربية السعودية. وهذا لا يتحقق بالأمنيات والكلام والخطابات بل تكتنفه جهود جبارة وآليات وتقنيات وأيادٍ خبيرة وخطط دقيقة وانضباط شديد، وهذا ما لمسه كل زائر من خلال زيادة عدد المنافذ الإدارية في صالات المعابر الحدودية والمطارات ومضاعفة أعداد العاملين عليها من موظفين ورجال أمن مهيئين بالخبرة اللازمة واللباقة اللطيفة في التعامل مما سمح للجهات الأمنية والإدارية بتفادي الوقوع بالضغط الزائد الذي يشتت انتباههم عن أي متسلل أو عابث بالأوراق الثبوتية، بالإضافة للتسهيل على الحجيج وتسيير أمورهم بأقل زمن وعناء، وبدء العمل بتنفيذ خدمة مبادرة طريق مكة لهذا العام لعدد من الدول - باكستان وماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش التي توفر الخدمة لأكثر من 225 ألف حاج وذلك من خلال إنهاء إجراءات دخول الحجيج للمملكة وهم في مطارات بلادهم مما يقلل من الازدحام من صالات المطارات السعودية من جهة وتخفيف العناء على الحجيج وزيادة السلامة الأمنية دون عناء من جهة أخرى - بالإضافة إلى زيادة عدد الكوادر البشرية من رجال الأمن وموظفي الطوارئ والمرشدين على جميع مسارات المناسك والشعائر المقدسة مما زاد في تأمينها وسلاسة سير الحجيج لإتمام مناسكهم.
ثانياً المستوى الخدمي: فقد شهد هذا العام تطوراً غير مسبوق في تقديم الخدمات برتابة وانضباط تام لمسه العالم أجمع والحجيج على وجه الخصوص، فعلى المستوى الطبي والمستوى المتعلق بسلامة الحجيج ازداد عدد المتطوعين في الدفاع المدني لهذا العام من 813 متطوعا إلى 1485 متطوعا وتدريبهم بشكل كامل لأداء الخدمات المنوطة بهم، كما تم تطوير وتخديم غرف عزل المرضى في المستشفيات بأحدث التقنيات العالمية وتجهيز المشافي بما يتناسب لاستيعاب أي طارئ محتمل.
أما على مستوى البنى التحتية فقد شملت مخيمات مشعر منى - التي كانت تعاني من قلة الشمولية بالتكييف - بشكل تام لكل المخيمات بالتكييف المتطور، بالإضافة إلى تجهيز جميع مساكن الحجيج بالمواصفات المطلوبة لتأمين الراحة لضيوف الرحمن. كما شهد هذا العام انضباطاً ودقة في مواعيد انطلاق القطارات لنقل الحجيج بين المشاعر المقدسة مما أسهم بانسيابية التحرك وسلاسته وتفادي الازدحام. كما تمت الاستفادة من المساحات بتخصيص كامل صحن المطاف والأدوار المطلة عليه والسطح للطائفين، كما تم فتح الأنفاق الشمالية في المسجد الحرام مما أسهم في توزيع كثافة الحجاج، يضاف إلى كل هذه الأمور العمل على توزيع برادات المياه الخيرية بطريقة منهجية وتوزيع الوجبات الجاهزة بطرق مدروسة؛ مما قلل الازدحام من جهة ووفر في استهلاك المياه المعبأة، ولا تقتصر الجهود الخدمية على هذا الأمر فقط بل هذا غيض من فيض مما جعل حج هذا العام متميزاً بجميع المقاييس.
وفي نهاية المطاف لا يسعنا إلا أن نقول لحجيج بيت الله الحرام "حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً" وهنيئاً للمملكة العربية السعودية هذا التشريف الإلهي بأن أوكل إليها الله جلّ وعلا القيام على ضيوف بيته الشريف وتطهير بيته للطائفين والعاكفين وهنيئاً لحجاج بيت الله الحرام بأن وكّل لهم الله على ضيافتهم رجالا همهم الأول والأخير راحة ضيوف الرحمن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة