هكذا يصبح ترامب، بعد اللورد سايكس والرئيس ترومان، من أهم داعمي الدولة اليهودية خلال المائة عام الماضية.
يوم الإثنين الموافق 25 مارس 2019 من أغرب وأعقد أيام تاريخ الشرق الأوسط الحديث، من ناحية تلازم 3 تفاعلات مترابطة تؤثر في بعضها البعض بشكل مذهل وغير مسبوق.
3 أحداث تبدو منفصلة، لكنها متصلة، لكونها تكتيكية تتفاعل وتؤثر مع بعضها البعض بشكل غير عادي. ثلاثتهم: «ترامب، ونتنياهو، وحماس»، كانت لديهم مصلحة فيما أقدموا عليه في هذا اليوم.
في هذا اليوم حدثت 3 تفاعلات: الأول: انطلاق صاروخ فلسطيني من غزة تجاه مستوطنة إسرائيلية أدى إلى إصابة 7 أشخاص، ثم تلاه 60 صاروخاً حتى كتابة هذه السطور.
الثاني: قيام الرئيس دونالد ترامب باستضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته في البيت الأبيض، بحضور نائب الرئيس، ووزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي، وزوج ابنته جاريد كوشنر، للاحتفال بتوقيع الاعتراف الرسمي الأمريكي بحق إسرائيل في هضبة الجولان السورية المحتلة، متجاهلاً كونها أرضاً سورية منذ 3 آلاف سنة قبل الميلاد.
الثالث: احتفال إدارة الرئيس ترامب والحزب الجمهوري الحاكم وأنصار الرئيس من التيار الشعبوي اليميني والديني بخروج تقرير «مولر»، الخاص بعلاقة ترامب بروسيا أثناء ما قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016، خالياً من «أي إدانة للرئيس في هذه العلاقة».
3 أحداث تبدو منفصلة، لكنها متصلة، لكونها تكتيكية تتفاعل وتؤثر مع بعضها البعض بشكل غير عادي. ثلاثتهم: «ترامب، ونتنياهو، وحماس»، كانت لديهم مصلحة فيما أقدموا عليه في هذا اليوم.
ترامب يريد مكافأة حليفه نتنياهو من خلال كونه أول رئيس أمريكي، منذ الرئيس ترومان، الذي كان أول من اعترف بدولة إسرائيل، يعطيها الحق في اعتبار القدس عاصمة لها، ويشرّع لهم أحقية ضم الجولان، بعد رفض كل الرؤساء السابقين الإقدام على الأمرين خلال 51 عاماً مضت.
وهكذا يصبح ترامب، بعد اللورد سايكس والرئيس ترومان، من أهم داعمي الدولة اليهودية خلال المائة عام الماضية.
ولكل عمل استثنائي جائزة، وجائزة ترامب ستكون الدعم غير المحدود من اللوبي الأمريكي اليهودي الصهيوني في معركة دورة رئاسته الثانية.
أما نتنياهو فإنه استطاع أن يكون رئيس الوزراء الذي أعطى الشعب اليهودي اعترافاً أمريكياً بالقدس والجولان.
وكأن التوقيع والاحتفال به هو جزء من حملة الدعاية الانتخابية لنتنياهو قبيل الانتخابات التشريعية الإسرائيلية يوم 9 المقبل. ولا يخفى على المراقبين أن الجولان ليست 1800 كيلومتر من الأراضي فحسب، لكنها أرض حاكمة استراتيجياً لبلاد الشام.
نتنياهو وصف ترامب بـ«أكثر الرؤساء تعاطفاً مع إسرائيل»، وترامب وصف نتنياهو بأنه «رجل يحب إسرائيل للغاية»، وكاد ينطق -لولا الحرج- «انتخبوا نتنياهو».
أما «حماس» فإن إطلاق الصاروخ تجاه إسرائيل كان ضرورة تكتيكية لا بديل لها، وذلك لـ4 أسباب:
الأول: أن نتنياهو رفض الإفراج عن صرف المساعدة النقدية القطرية لحماس إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية كي تصبح ورقة ضغط لضبط سلوك حماس حتى الانتخابات الإسرائيلية.
ثانياً: استخدام تيارات داخل كتائب القسام المرتبطة بعلاقات مع طهران هذا الصاروخ كورقة ضغط ضمن المشروع الإيراني للضغط على واشنطن في اليمن، سوريا، العراق، لبنان، وأخيراً غزة، بهدف إيجاد أوراق مقايضة مع الأمريكيين مقابل تسوية إقليمية.
ثالثاً: خروج حماس من أزمة الضغط الداخلي عليها من المطالبات الاجتماعية التي ازدادت من جماعات شعبية رفعت شعار «بدنا نعيش» والتي ووجهت من قبَل حماس بقسوة أمنية.
وهكذا دائماً حينما تحاصَر حماس بمطالب اجتماعية داخلية تلجأ إلى رفع درجة المواجهة مع إسرائيل، على أساس أن قضية مواجهة الاحتلال تستلزم -بالضرورة- تجميد كل خلاف داخلي.
رابعا: إحراج حماس لإسرائيل قبل الانتخابات على أساس أن نتنياهو كان دائماً يتحدث عن قدرة أنظمة الدفاع الإسرائيلية في الردع من خلال نظام «القبة الحديدية» وكفاءة جيش الاحتلال في الرد والتأديب والردع.
هنا يجب أن نتوقف طويلاً أمام طبيعة الصاروخ الذي انطلق وتبعته مجموعة صواريخ أخرى.
الصاروخ الأول هو من طراز «80 - J» نسبة إلى الشهيد الجعبري، وهو صاروخ محلي الصنع بواسطة تكنولوجيا إيرانية مداه 100 كيلومتر، تم تطويره ليصل إلى أكثر من ذلك، يحمل مواد متفجرة يتم تحضيرها محلياً، بالإضافة إلى بعض مواد يتم تهريبها تصل زنتها إلى 125 كيلوجراماً.
أما الصاروخ الثاني فهو «M - 75» نسبة إلى الشهيد إبراهيم المقادمة.
ذلك كله يضع 174 مستوطنة يسكنها نصف مليون نسمة، ومعها المدن الإسرائيلية، تحت خطر مثل هذه الصواريخ.
ويأتي قرار ترامب بضم الجولان ليكون لصالح موسكو التي أعلنت -صراحة- رفضها القاطع للقرار، واتصل وزير خارجيتها سيرجى لافروف بنظيره الأمريكي هاتفياً ليبلغه «استياءه الشديد من مخالفة القرار للقانون الدولي».
من ناحية أخرى، تعتبر الدول العربية المعتدلة أن هذا الإجراء الأمريكي يعقّد ويصعّب أي إمكانيات لتسوية سياسية في الصراع العربي-الإسرائيلي، بما في ذلك أكذوبة مشروع صفقة القرن.
أسوأ ما سمعناه في مجال تفسير قرار ترامب أمريكياً هو تلك الرسالة التي نُقلت إلى بعض العواصم العربية: «القرار هو تأكيد وتكريس لوضع فعلي منذ 51 عاماً، خاصة أنه بالرغم من وجود 25 ألف سوري فقط يعيشون في الجولان، فإن السيطرة هي لـ17 ألف مستوطن إسرائيلي فيها».
ثم قيل لنا: أيهما أفضل لكم، أن تكون الجولان تحت حكم الأسد الذي ترفضونه، أم مليشيات إيران التي تكرهكم؟ أم إسرائيل؟
يا له من زمن، ويا له من يوم، ويا لها من قرارات.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة