ستفرض نتائج الانتخابات العراقية واقعا سياسيا متباينا عن سابقتها، التي أجريت في 2018.
فقد تقدمت الكتلة الصدرية، بزعامة مقتدى الصدر، وكتلة "تقدم"، بزعامة رئيس مجلس النواب السابق، محمد الحلبوسي، وكتلة "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي.
وسيكون توزيع مقاعد البرلمان مجزأ، ما يعني غياب أغلبية كبيرة حاسمة، الأمر الذي سوف يُرغم الكتل والقوى السياسية إلى التفاوض معا لعقد تحالفات وتربيطات جديدة، والتي سيكون محورها "التيار الصدري"، وبذلك يكون هذا التيار قد حقق تقدما عما أحرزه في انتخابات عام 2018، بعدما كان تحالف "سائرون"، الذي يقوده التيار في البرلمان المنتهية ولايته، يتألف من 54 مقعدا فقط.
ستتيح المقاعد السبعين، أو التي قد تزيد مع إعلان النتيجة الرسمية، للتيار الصدري الضغط في اختيار رئيس الوزراء، وفي تشكيل الحكومة المقبلة، كما ستستمر التجاذبات بين القوى السياسية والصراع على منصب رئيس الوزراء وتقاسم الوزارات، خاصة السيادية، وإنْ كانت كل المؤشرات تذهب إلى عودة التوافق السياسي، حيث ستحافظ الكتل الرئيسية على هيمنتها على المشهد، وفي مقدمتها التيار الصدري، وسيبقى البرلمان العراقي الجديد مقسما ودون غالبية واضحة، ما سيُجبر كل الكتل –وفقا للنتائج الانتخابية- على التحالف فيما بينها.
تجدر الإشارة إلى أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة ستتم عبر تكوين ائتلاف بين المتقدمين لتشكيلها، إذ سيتطلب الأمر جمع 165 نائبا.
ورغم إعلان عدد من القوى السياسية الشيعية وفصائل مسلحة من الحشد الشعبي رفضها النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، فإن ذلك يشير إلى أن أمر نتائج الانتخابات لن يستقر بسهولة حزبيا وسياسيا، وربما يستمر حتى مع تشكيل الحكومة الجديدة، في ظل الثقة المهتزة للرأي العام العراقي في الوضع السياسي الراهن ككل، وكذلك انعدام الثقة بالأحزاب الأيديولوجية، إذ يجب أن نتذكر أن دعوة المرجع الأعلى، علي السيستاني، للمشاركة في التصويت بكثافة واختيار الأفضل، لم تتم الاستجابة لها كما كان متوقعا.
ربما ستطول مدة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، في ظل وجود أحزاب صغيرة، وعدد كبير من المستقلين وقوى ممثلة للعشائر والقبائل، الأمر الذي يعني صعوبة تحقيق توافق كامل في الخريطة السياسية.
وفي ظل شكوك حول إحداث نتائج الانتخابات تطوراتٍ لافتة في الخريطة السياسية، رغم تقدم تيار الصدر، ستبقى توازنات القوى كما هي، وستستمر سيطرة الأحزاب الكبيرة على الساحة السياسية، وإنْ كان هناك تقييم يشير إلى أن المستقلين سيشغلون مقاعد بأعداد كبيرة في البرلمان الجديد، وهؤلاء طبعا لديهم توجهات محددة تجاه رفض التدخلات الإيرانية وسطوة الأحزاب السياسية التقليدية، ما قد يطرح مقاربة سياسية مختلفة عما يتردد بأن المعطيات الراهنة ستبقى في إطارها أو أنها لن تتغير، إذ قد يشهد البرلمان المقبل تحولاتٍ حقيقية، خاصة في التعامل مع الإشكاليات المتعددة، التي تواجه العراق.
السؤال الآن: ماذا عن المستقبل المنظور؟
متوقع أن يمضي المشهد العراقي بدخول التيار الصدري في اتصالات مع تحالف "تقدم" وحزب مسعود بارزاني، المدعوم من تحالف قوى الدولة، مع عمار الحكيم، ورئيس الحكومة الأسبق، حيدر العبادي، لتشكيل أكبر كتلة في البرلمان الجديد، وهي التي ستوجه بتشكيل الحكومة، وسيقابل ذلك انضمام القوى الفائزة -على مختلف تصنيفها- لتحالف سياسي في مواجهة ما يجري من مخطط محتمل ومتصور وفي إطار من الشراكة السياسية الجامعة.
سيبقى التحدي الأكبر في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، والتي لا تزال تتمحور في شخص مصطفى الكاظمي لتوليها، هو تنفيذ برنامج الإصلاح، فالأمر لا يزال ممتدا في ظل تطلع الرئيس برهم صالح أيضا للحصول على فترة ثانية، وكذلك مسعى رئيس البرلمان، "الحلبوسي"، للحصول على دورة ثانية.
التحالفات، التي قد يطرحها "الحلبوسي" في الفترة المقبلة، قد تخصم من فرص تولي "الكاظمي" الحكومة الجديدة لاعتبارات تتعلق بالتربيطات السياسية والحزبية والخيارات، التي قد يطرحها كل طرف، فالحزب الديمقراطي قد يرفض ترشيح الرئيس برهم صالح، وإنْ كان يقبل ترشيح "الكاظمي"، في ظل تحفظ سُنّي على استمرار "الحلبوسي" في رئاسة البرلمان.
وتبقى الخلاصات متعلقة بما هو قادم ومطروح في المشهد السياسي العراقي بأكمله، خاصة أن كل السيناريوهات ستمضي في إطار سيناريو مفتوح قائم على التربيطات السياسية والحزبية، والتي قد تأتي مرة أخرى بمصطفي الكاظمي، مع التقدير بأن تيار الصدر قد رفع مقاعد حركته في البرلمان المؤلف من 329 عضوا من 54 في 2018 إلى أكثر من 70، وقد يتيح له ذلك الضغط لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة بصورة كبيرة.
الانحياز الشعبي كان واضحا نحو التغيير في هذه الانتخابات، وذلك لإعطاء التوجهات الجديدة فرصة للمشاركة في الحكم، وكسر جمود الأحزاب القديمة، وهذا ما حدث بالفعل، حيث شاهدنا ثورة على بعض الأحزاب القديمة، وإنْ كانت ليست كاملة، لكن هناك قبول شعبي لأوساط المستقلين والناشطين المؤيدين للاحتجاجات، كما أن ائتلاف قوى الدولة راهن على الجمهور المدني المعتدل، في مواجهة التيار الصدري وتحالف الفتح، كما أن نسبة المشاركة الضئيلة كانت متوقعة، حيث تجاهل المواطن العراقي الأمر، فهو يرى أن الانتخابات لن تنتج تغييراً كافيا، وبالتالي لا يتوقع تحسناً في أداء الحكومة أو في مستوى الخدمات العامة.
سيبقى المشهد السياسي العراقي منقسماً بشأن العديد من الملفات الداخلية والخارجية، بدءا من وجود القوات الأمريكية في العراق، وصولا إلى النفوذ المتزايد لإيران، وسيتطلب خلاصة الموقف الراهن من الأحزاب أن تطلق مفاوضات ربما ستحتاج إلى وقت طويل لاختيار رئيس حكومة، وربما تضمن المفاوضات تقاسم الحصص الوزارية والمناصب العليا في مختلف قطاعات الدولة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة