تدرس الولايات المتحدة، على نحو جاد، حجب أشعة الشمس عن الكرة الأرضية كحل أخير لكبح تغير المناخ نتيجة الاحترار العالمي، في تصور فاق حدود الخيال العلمي.
وفقًا للتقرير الصادر عن مكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا بالبيت الأبيض، بدا أن الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن منفتحة على دراسة إمكانية حجب ضوء أشعة الشمس؛ لتثبيط تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري، ويتحدث التقرير عن نقل هذا المفهوم "بحذر شديد" من الخيال العلمي إلى الواقع.
ولفت التقرير انتباه العلماء والمتحمسين للعلوم في جميع أنحاء العالم إلى فكرة كانت محصورة سابقًا في تقنيات الهندسة الجيولوجية للخيال العلمي، والتي يُجري الآن استكشافها عمليًا، بما في ذلك آثارها المحتملة بعيدة المدى.
وفي السنوات الأخيرة، تسربت هذه التقنيات إلى المناقشات المناخية السائدة كخيار سياسي أخير، وحظيت بالاهتمام والتمويل؛ ففي عام 2019، منح الكونغرس الأمريكي الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) ملايين الدولارات لأبحاث الهندسة الجيولوجية الشمسية.
وفي مارس/ آذار 2021، دعت الأكاديميات الوطنية الأمريكية للعلوم والهندسة والطب البلاد إلى إنفاق مبلغ إضافي يتراوح بين 100 و200 مليون دولار.
كما قدم الملياردير بيل جيتس تبرعات شخصية لوحدة أبحاث الهندسة الجيولوجية الشمسية الرائدة في العالم بجامعة هارفارد.
الهندسة الجيولوجية الشمسية: ماهي؟
تكمن فكرة 'حجب الشمس' أو تعديل الإشعاع الشمسي (SRM)في تغيير ضوء الشمس بشكل مصطنع من أجل التحكم في تبريد الكوكب.
هذا، ويعرّف العلماء «الهندسة الجيولوجية الشمسية» بأنها «تدخل متعمد واسع النطاق في النظم الطبيعية للأرض لمواجهة تغير المناخ».
ووفقاً للتقرير، فإن أنواع أساليب الهندسة الجيولوجية التي تبحث إدارة بايدن استخدامها لتبريد الكوكب تكمن في: حقن الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي (SAI)؛ لتغيير أنماط السحب يدويًا والحد من كمية ضوء الشمس التي توجه إلى الأرض، وبالتالي إيقاف بعض أسوأ آثار تغير المناخ.
الهندسة الجيولوجية الشمسية: مخاطرة كبيرة
سلط التقرير الضوء على مخاطر الهندسة الجيولوجية الشمسية، من صحة الإنسان إلى التنوع البيولوجي والجغرافيا السياسية.
وأشار التقرير إلى أن التعديلات يمكن أن تعطل أنماط الطقس العالمية وتعطل الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء العالم.
هذه الأسباب -جنبًا إلى جنب مع احتمال أن يؤدي التلاعب بأشعة الشمس إلى تغيير التركيب الكيميائي للغلاف الجوي للأرض بشكل دائم- من الممكن أن تؤدي إلى خلق مزيد من الشكوك حول الفكرة بأكملها في المجتمع العلمي، حتى أن التقرير أكد كيف يمكن أن يكون لها نتائج اجتماعية واقتصادية وبيئية، مشيرًا إلى أنه "من الأهمية بمكان مراعاة الخطر المحتمل للمجتمعات المتنوعة والمساواة بين الأجيال''، وفي هذا الصدّد، سلط التقرير الضوء على الاعتبارات الثقافية والأخلاقية الأخرى.
موقف النخبة العلمية
دعا العلماء في المؤسسات السياسية المختلفة إلى ضرورة عرقلة الجهود المبذولة لتعتيم الشمس وتبريد الأرض، ووضع قيود على أبحاث الهندسة الجيولوجية الشمسية بحيث لا يمكن نشرها من جانب واحد من قبل البلدان أو الشركات أو الأفراد؛ حيث يرى الأكاديميون أن تدخلات الهندسة الجيولوجية الشمسية طويلة المدى على مستوى الكواكب من هذا النوع غير مسبوقة وخطيرة للغاية، وبالتالي لا ينبغي تجربتها في الهواء الطلق، أو تلقي براءات اختراع، أو أموال عامة، أو دعم دولي. علاوة على ذلك، يُشير العلماء إلى أن اقتراح الهندسة الجيولوجية الشمسية الرائد -حقن بلايين من جزيئات الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير للأرض- يُمكن أن يكون له عواقب وخيمة وغير مقصودة وغير متوقعة؛ حيث تشير النمذجة -استخدام النماذج الرياضية لبناء التوقعات- إلى أنها قد تسبب الجفاف في غابات الأمازون المطيرة.
بالإضافة إلى ذلك، إذا تم نشر الهندسة الجيولوجية الشمسية، فسيتعين صيانتها لعقود. هذا، وقد يؤدي الانقطاع المفاجئ في ضوء الشمس إلى مواجهة الأرض لما يسميه العلماء "صدمة الإنهاء"، مع ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة بسبب انبعاثات الكربون الموجودة في الغلاف الجوي والتي قد يتم حجبها عن طريق تبريد الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير للأرض.
ومن جانبها أوضحت "آرتي جوبتا"، أستاذ الحوكمة البيئية العالمية في جامعة فاغينينغن: أن هناك بعض الأشياء التي يجب علينا تقييدها في البداية، والتي تتمثل أهمها في الهندسة الجيولوجية الشمسية (فئة التقنيات عالية الخطورة)، والاستنساخ البشري والأسلحة الكيميائية. هذا، وقد أشارت إلى أنه قد يمكن أن يتغير لون السماء، وقد يتغير التركيب الكيميائي لطبقة الأوزون والمحيطات بشكل دائم، وقد يتباطأ التمثيل الضوئي الذي يعتمد على ضوء الشمس، مما قد يضر بالتنوع البيولوجي والزراعة. ويمكن أن تتغير أنماط الطقس العالمية بشكل غير متوقع. مُضيفًة أيضًا أنه على الرغم من المخاطر المحتملة، لكن لا توجد -حتى الآن- آلية لمنع فرد أو شركة أو دولة من إطلاق مهمة فردية.
على النقيض، يزعم المدافعون أنه يمكن من خلال استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية، أن يتم تقليل الآثار المدمرة لتغير المناخ، بل واستعادة تجميد القطبين. كما يٌجادل مؤيدو الهندسة الجيولوجية الشمسية بأن هذه التكنولوجيا الجديدة لا يمكن أن تكون ناجحة إلا عند إنجازها جنبًا إلى جنب مع إزالة الكربون بقوة، ويعتقد النقاد أن نشرها سيعرض جهود الحد من انبعاثات الكربون للخطر. وهم يؤكدون أن جماعات الضغط في الصناعة، ومنكري التغير المناخي، وبعض الحكومات سيستخدمون حل الهندسة الجيولوجية كسلاح سياسيًا، مما يجعله وسيلة لتأخير تنظيم الكربون.
التأثيرات المحتملة على كوكب الأرض
ستعمل الهندسة الجيولوجية الشمسية على تقليل كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى سطح الكوكب، وبالتالي يكون لها تأثيرات عميقة. سوف يبرد الكوكب، لكن ليس بشكل متساوٍ. فقد تصبح منطقة الأمازون أكثر جفافاً ودفئًا، مما يزيد من احتمالية اندلاع حرائق كبيرة في الغابات وزيادة موت الغابات المطيرة، مما يؤدي إلى إطلاق محتمل ضخم للكربون المحتجز سابقًا، وسيستمر تحمض المحيطات في التدهور.
إن إطلاق الكربون الضخم في الأمازون في الغلاف الجوي من شأنه أن يؤدي إلى كارثة على كوكب الأرض، مما يؤدي إلى زيادة الاحتباس الحراري بشكل كبير مع تقليل التنوع البيولوجي. قد تكون هذه الآثار أسوأ من سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المعتدلة لتغير المناخ.
aXA6IDMuMTM4LjEwNS40IA== جزيرة ام اند امز