عندما ناقشنا في مقالينا السابقين "الطريق إلى دولة فلسطين" عبر السعي للإجابة عن السؤالين: "لماذا؟" و"كيف؟"، كانت أرضيتنا في التحليل محددة في أمرين عبر إجابة هذين السؤالين.
الأمر الأول، وهو مدى ضرورة إعلان "دولة فلسطين" دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة بدلاً من وضعها الحالي كعضو "مراقب"، لحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة وفقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية عبر التفاوض كدولة كاملة العضوية في المجتمع الدولي، مع دولة إسرائيل، بما لا يجعل مشروعية دولتهم مرهونة بموافقة إسرائيل بعد التوافق حول قضايا الحل النهائي المعلقة منذ ثلاثين عاماً.
وارتبط الأمر الثاني بالشرط الفلسطيني الداخلي الضروري لتمكين فلسطين من الاعتراف الدولي بها كاملة العضوية، وهو التوصل لحكومة وحدة وطنية فلسطينية، رأينا أنها لا بد أن تمر بتوحيد كل الفصائل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ولم نكن نعرف عند البدء في كتابة المقال الأول على الأقل، أن طرح العضوية الكاملة لفلسطين بالأمم المتحدة سيمثل على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي بهذه السرعة، بل وأن يتم التصويت عليه بالمجلس مساء يوم الجمعة الماضي، بناء على طلب قديم للسلطة الفلسطينية يعود إلى عام 2011، جددته الجزائر قبل أسبوع في المجلس الذي هي عضو به الآن.
وقد انتهى التصويت كما يعلم الجميع الآن بموافقة 12 دولة على العضوية الكاملة لفلسطين بالمنظمة الأممية، بينما امتنعت دولتان عن التصويت، واعترضت الولايات المتحدة وحدها ممارسة حق "الفيتو" الذي أطاح بكل هذه الموافقات والامتناعات غير المسبوقة.
وعلى الرغم من هذا الاعتراض الأمريكي الذي توقعه كثيرون، فإن نتيجة التصويت تعطي مؤشرات إيجابية للغاية في الطريق نحو "دولة فلسطين". فمن ناحية أولى، وافقت ثلاث دول من الخمس دائمة العضوية بالمجلس على الاعتراف بفلسطين دولة كاملة، وبدا منطقياً موافقة روسيا والصين، بينما تعد موافقة فرنسا أمراً جديداً ستكون له نتائجه الإيجابية في المدى القريب والمتوسط، نظراً لتأثيرات فرنسا القوية في السياسات الخارجية لعدد من دول العالم.
ولم يقف الجديد في التصويت عند موافقة فرنسا الدولة الأوروبية الكبيرة، ولكنه تجاوزه للموقف البريطاني، حيث امتنعت لندن عن التصويت، بما يعني الموافقة غير المعلنة، لأنها تمتلك حق "الفيتو" كدولة دائمة العضوية بالمجلس، في رسالة واضحة لا تخطئها العين، بأن وقت الاعتراف البريطاني الصريح بدولة فلسطين كاملة العضوية قد اقترب كثيراً.
أما عن الدولة الثانية التي امتنعت عن التصويت، وهي سويسرا، فمن الواضح أنها تمضي في نفس الطريق البريطاني في قرب الاعتراف، ولم تشأ الدولتان أن تعلنا عن موافقة صريحة وحالة، غالباً استجابة لتدخلات أمريكية كثيفة، لم تستطع أن تصل بالدولتين سوى إلى الامتناع، وليس الرفض كما ربما كانت واشنطن ترغب.
ويضاف إلى الموافقة والامتناع وجود دولتين أوروبيتين أخريين وافقتا على مشروع القرار، وهما مالطا وسلوفينيا. وهنا تبدو القارة الأوروبية بتمثيلها في مجلس الأمن عبر دولها الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الحالي، ما بين موافقة أو ممتنعة عن التصويت، الأمر الذي يعد جديداً في السلوك الأوروبي العام تجاه القضية الفلسطينية والمنحاز عموماً لإسرائيل، بما يوحي أيضاً بالاقتراب كثيراً من وقت الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية من جانب كل دول القارة الأوروبية.
وأما بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي وافقت على عضوية فلسطين الكاملة، فهي تمثل كل قارات العالم الأخرى، فغير الجزائر هناك كل من، الإكوادور، وغيانا، واليابان، وموزمبيق، وجمهورية كوريا، وسيراليون، وهو ما يضيف احتمالات أكبر أيضاً لقرب الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية.
وفي وسط هذه الدول الموافقة، هناك اليابان وجمهورية كوريا المعروفة بالجنوبية، وهما الدولتان الكبريان الحليفتان للولايات المتحدة في القارة الآسيوية، وهو ما يعطي بدوره إشارتين معاً: الأولى، أن الموقف الأمريكي المنحاز دوماً لإسرائيل، خصوصاً فيما يخص الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية، ينحسر الآن وبعد العدوان الإسرائيلي الدامي على غزة منذ أكثر من نصف عام، عن القدرة على التأثير على مواقف أقرب الحلفاء تجاه "القضية الفلسطينية". أما الأمر الثاني، فهو ما سبق ذكره من الاقتراب كثيراً من الغالبية الساحقة من دول العالم من الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة