في ذكرى رحيلها.. شادية "نجمة الشباك الأولى"
شادية تتصدر شباك التذاكر وتحافظ عليه طيلة حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وهو دليل على تميزها سينمائيا
شادية فنانة مصرية ملأت حياة محبيها بهجة، وأسعدت نفوسهم بإبداعها المتواصل، غردت في كل اتجاهات الفن وتألقت بكل مجالاته، إذاعة، وسينما، ومسرح، ونجحت في حفر اسمها وترك بصمتها بين أهم فناني مصر والوطن العربي.
الفنانة الراحلة شادية، التي عرفت بين جمهورها بـ"الدلوعة"، رحلت عن عالمنا في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تاركة خلفها إرثا كبيرا من الأعمال المميزة، سواء في الإذاعة التي حملت عبر أثيرها صوتها الشجي الذي شدى بأجمل الأغنيات العاطفية والوطنية، وقدمت عبرها مسلسلها الإذاعي الشهير "نحن لا نزرع الشوك"، الذي يعد احدا من 6 مسلسلات قدمتها في الراديو، أو السينما التي قدمت لشاشاتها عشرات الأفلام مع العديد من المخرجين الرومانسيين والواقعيين والكوميديين والاستعراضيين، بينما منحت المسرح واحدة من أروع العروض المسرحية الخالدة "ريا وسكينة".
شادية التي قررت الاعتزال في صمت دون أن تتنكر لأعمالها الفنية، احتفظت طيلة سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بلقب "نجمة الشباك الأولى"، وظلت بعد هذين العقدين مميزة في نظر جمهورها الذي ظل يعشق فنها لسنوات طويلة، وحينما حانت لحظة الاعتزال، قررت "الدلوعة" الانسحاب من الساحة الفنية في هدوء ودون تصريحات تشجب أو تنكر تاريخها الفني، ولا يرجع ذلك إلى أخلاقيات شادية فحسب، لكن أيضاً إلى وعيها بقيمة الفن ويقينها بروعة ما قدمته وبعده عن الابتذال أو الإسفاف.
عُرف عن شادية احترامها لجمهورها العريض، وحرصها على إمتاعه بتلقائيتها وعفويتها، لذا نجحت في الدخول إلى قلوب محبيها من أوسع الأبواب، وتهافت على العمل معها كبار النجوم والمخرجين، باعتبارها "الجواد الرابح" لأي عمل تشارك فيه، لدرجة أن البعض اعتبر أن تأشيرة النجاح لا تأتي إلا عبر شادية، كما فعل المطرب والمخرج اللبناني محمد سلمان، عندما جاء إلى مصر وكان جواز مروره للشهرة أول فيلم قدمه معها "قدم الخير"، وتكرر الأمر مع كارم محمود في "معلش يا زهر" و"لسانك حصانك".
وعندما تحول الملحن منير مراد للطرب وأراد دخول السينما، طلب من شادية مشاركته بطولة فيلميه "أنا وحبيبي" و"نهارك سعيد"، ولم يشذ عن هذه القاعدة أحد حتى المطرب الكبير عبدالحليم حافظ، بكل جماهيريته وقتها، إذ كان فيلمه مع شادية "لحن الوفاء" بطاقة تعارفه الأولى سينمائيا، وعندما ظهر المطرب كمال حسني ضمن تأشيرة النجاح من خلال شادية بمشاركتها فيلم "ربيع الحب" عام 1956، ووصل الأمر بنجم لامع مثل كمال الشناوي أن قدم معها أكثر من 30 فيلماً ليكونا بذلك أشهر ثنائي عرفته السينما العربية على مدار تاريخها، وهو ما تكرر بنسب أقل بعد ذلك مع شكري سرحان وعماد حمدي وصلاح ذو الفقار ومحسن سرحان ورشدي أباظة.
نجاح شادية لم يقتصر على السينما فقط، إذ تميزت بطلّتها الشقية وأدائها المتألق والواثق في بطولة المسرحية الوحيدة التي قدمتها "ريا وسكينة"، وحققت عبرها نجاحاً ساحقاً، وكانت فاتحة الخير على فنان مثل أحمد بدير.
نجحت شادية في حجز مكان خاص بها على الساحة الغنائية أيضا، وتميزت بتقديم الأغنيات الوطنية، ونالت عنها لقب "صوت مصر"، مثل أغنية "يا حبيبتي يا مصر"، كما أطلق محبوها عليها العديد من الألقاب مثل "نجمة الشباك الأولى" في الخمسينيات، و"دلوعة السينما المصرية" في المرحلة الأولى من حياتها الفنية.
تجاوز رصيد شادية السينمائي 100 فيلم، والغنائي 700 أغنية، وكان فيلمها "المرأة المجهولة" أول فيلم عربي يعرض بنجاح في الاتحاد السوفيتي السابق وعواصم أوروبا الشرقية، وحقق وقتها إيرادات تزيد على المليون جنيه، وهو رقم ضخم بأسعار ذلك الزمن، أما فيلم "شيء من الخوف" فعرض جماهيريا باليابان وحقق نجاحاً كبيراً، وقبلها قدمت فيلماً يابانياً بعنوان "جريمة على ضفاف النيل" أمام النجم الياباني آنذاك يوشيرو إيشبهارا.
وغنت شادية أمام الكثير من الملوك والرؤساء، كالملك فاروق والملك حسين والملك الحسن الثاني والرؤساء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، ورغم ذلك تعد نجمة الجمهور الأولى، لتصبح حالة فريدة أسهمت في تشكيل جانب كبير من حس الجمهور ووجدانه الوطني والعاطفي، انسحبت في هدوء الكبار منتصف ثمانينيات القرن الماضي، معلنة اعتزال الفن، تاركة إبداعها يعيش بعدها لسنوات طويلة ويكون ملهماً لمن بعدها.