كان لقرار المملكة العربية السعودية بخفض إنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل يوميا خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار المقبلين.
وفي نفس الوقت عدم زيادة إنتاج بقية أطراف "أوبك+" سوى بكمية بسيطة تبلغ 75 ألف برميل يوميا في إنتاج كل من روسيا وكازاخستان أثره على ارتفاع أسعار النفط في الأسواق. وقد أدى القرار إلى ارتفاع توقعات بعض الجهات لمستقبل الأسعار خلال العام الحالي.
فيرى بنك الاستثمار جولدمان ساكس أن أسعار خام برنت قد ترتفع إلى 65 دولارا للبرميل بحلول صيف 2021، وكان التوقع السابق للبنك الأمريكي أن يبلغ النفط 65 دولارا بنهاية العام.
بينما توقع المحلِّلون من مجموعة "سيتي" المالية أن يبلغ سعر خام برنت 59 دولاراً للبرميل صعوداً من توقعاتهم السابقة عند 54 دولاراً. وتوقَّعوا أن يتجاوز السعر 60 دولاراً في وقت لاحق من هذا العام، وأن تبلغ الأسعار ذروتها عند 61 دولاراً في الربع الأول من 2022.
وهناك خشية في الأسواق من أن الارتفاع في الأسعار ربما يؤدي من جديد إلى زيادة كبيرة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يهبط بالأسعار مرة أخرى. وتأتي هذه الخشية من المرونة الكبيرة التي يتمتع بها إنتاج النفط الصخري، إذ إنه بمجرد انخفاض أسعار النفط عن التكلفة الجارية، فإن الإنتاج من النفط الصخري يمكن أن يتم تعليقه بسرعة، ثم يتم استئنافه مجددا بسرعة أيضا حينما تتخطى الأسعار عتبة محددة.
وهذا التوسع السريع في الإنتاج يعمل نظريا على وضع سقف ناعم على أسعار النفط، ويساعد على ضمان أن الأسعار لن تشتط مرة أخرى، ما دامت التقلبات في الطلب تدريجية ولا تتجاوز حجم الاحتياطيات الصخرية المستعدة للتحول بسرعة نحو الإنتاج. لذلك يرى البعض أنه بات من المحتمل التغلب على الدورات الطويلة الأجل التقليدية من الازدهار والإفلاس التي ميزت أسواق النفط في الماضي.
ورغم هذه المزية الكبيرة التي يتمتع بها إنتاج النفط الصخري فإن البعض يرى هذه المرة أن الاستجابة للارتفاع في الأسعار لن تكون فجائية أو كبيرة لأوضاع خاصة باقتصاديات إنتاج النفط الصخري.
ويؤكد على ما سبق عدة تصريحات لرؤساء شركات كبرى تعمل في حقل إنتاج النفط الصخري. فقد انضم الرئيس التنفيذي لشركة "ديفون إنرجي" إلى الرؤساء التنفيذيين لشركات النفط الصخري الذين دعوا إلى ضبط النفس، بعدما أكد أن ارتفاعات أسعار النفط خلال الأسبوع الماضي لن تقوده لزيادة الإنتاج بغض النظر عن التكلفة كما حدث سابقاً.
وقال إن "هناك صعوبة في عودة المنتجين الأمريكيين إلى نمو الإنتاج برقمين لعدة سنوات مقبلة". وأضاف "ترى إدارة الشركة إمكانية الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية خلال عام 2021".
وتتزامن هذه التصريحات مع ما قاله الرئيس التنفيذي لشركة "بايونير للموارد الطبيعية" والرئيس التنفيذي لشركة "أوكسيدنتال بتروليوم"، إذ دعا المسؤولون التنفيذيون الثلاثة إلى توخي الحذر بعدما دفع قرار السعودية المفاجئ بخفض الإنتاج خلال الشهرين المقبلين إلى رفع أسعار النفط. وأكدوا على أهمية التعلم من التدهور الكبير الذي تعرضت له الصناعة نتيجة سنوات من الإنتاج غير المنضبط، وما نتج عن ذلك من ضياع رؤوس الأموال التي لم يتبق منها سوى القليل لتأتي الجائحة وتزيد من خسائر المستثمرين.
اقتصادات النفط الصخري
ترجع مواقف الرؤساء التنفيذيين للشركات السابق عرضها إلى ما اتسمت به اقتصادات صناعة النفط الصخري خلال الأعوام الأخيرة. فقد حذرت مؤسسة فيتش للتصنيفات الائتمانية من استمرار التهديد بعجز شركات النفط والغاز عن سداد الديون، وسوف تكون هذه الشركات هذا العام أيضا هي الأكثر احتمالا في العجز عن السداد. ففي العام الماضي قدمت عشرات الشركات طلبات لإشهار إفلاسها مع دين تراكمي بلغ 28 مليار دولار، وهو ما يزيد بكثير عن الدين التراكمي لأي صناعة أخرى. وهذا العام طبقا لمؤسسة فيتش فإن الدين الذي سيتم العجز عن سداده من المنتظر أن يتراوح بين 15 و18 مليار دولار، ولكنه سيُبقي أيضا على شركات النفط والغاز باعتبارها الأسوأ أداء من حيث خدمة ديونها.
وقد حذرت شركة ريستاد، على سبيل المثال، خلال الشهر الماضي من أن موجة الإفلاس التي اجتاحت شركات النفط الصخري الأمريكي سوف تؤدي إلى خسارة ملموسة في الإنتاج هذا العام قد تصل إلى نحو 200 ألف برميل يوميا. وهذا بالتأكيد أمر جيد بالنسبة للأسعار وبالتبعية للمنتجين الآخرين. لكن يرى البعض على أي حال أن احتمال وقوع المزيد من الإفلاسات ستكون له آثار كئيبة على البقية من الناجين.
خلال الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2020، تقدمت 43 شركة استكشاف وإنتاج و5 شركات من مقدمي الخدمات لحقول النفط والغاز في الولايات المتحدة بطلبات حماية من الإفلاس. والبعض سوف يخرج من هذه العملية أكثر صحة. إلا أن الأغلبية ربما تغلق الآبار، وبذلك تحرم السوق من آلاف من براميل النفط. وعلى الرغم من أن هذا في نهاية المطاف سيفيد البقية من الناجين، فإن التساؤل حول إلى أي حد سيفيدهم ذلك يظل مرتبطا على أي حال بتطورات الطلب، وهو الأمر الذي لا يزال يكتنفه الغموض حتى الآن.
وفي ظل هذا المناخ تصبح المداخل لرأس المال -وعلى وجه التحديد اقتراض رأس المال- أكثر ضيقا وتشددا. والسبب وراء هذا الضيق والتشدد يشمل عادات شركات النفط الصخري في الإنفاق المنفلت والذي جعل البنوك قلقة بشأن استرداد ديونها، والنمو المتزايد في عدم رضا المستثمر عن مستوى العائد، وأخيرا، الاعتبارات البيئية التي جعلت البنوك أكثر ترددا في إقراض صناعة النفط والغاز.
ويتراوح إنتاج النفط الخام الأمريكي الآن حول 11 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو مليوني برميل عن أقصى معدلات الإنتاج التي وصل إليها مطلع عام 2020. ويصعب على الولايات المتحدة العودة بمعدلات إنتاج النفط الصخري إلى ما كانت عليه في وقت قريب بسبب التدهور المالي الذي تتعرض له شركات إنتاج النفط الصخري بالتزامن مع تعهدها بضبط الإنتاج خلال الفترة المقبلة.
وطبقا لآخر مسح أجراه بنك مدينة تكساس للاحتياطي الفيدرالي، أوضحت شركات النفط أن الأسعار ينبغي أن تكون في المتوسط عند 56 دولارا للبرميل من نوع النفط الأمريكي غرب تكساس الوسيط كي تحدث زيادة ملموسة في الحفر. ويعني هذا أن برميل النفط من نوع برنت ينبغي أن يبلغ سعره نحو 60 دولارا حتى تحدث هذه الزيادة في الحفر.
المؤكد إذاً أن إنتاج النفط الصخري سيرتفع مع ارتفاع أسعار برميل النفط، لكن هذا الارتفاع سيكون محكوما إلى حد بعيد هذه المرة، إذ لن نرى ارتفاعا كبيرا مفاجئا في الإنتاج مع حدوث ارتفاعات معتدلة في الأسعار. ودون حدوث زيادة كبيرة في الطلب تبرر حدوث زيادة كبيرة في الأسعار من غير المنتظر أن نرى ارتفاعا كبيرا في إنتاج النفط الصخري.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة