خفضت وكالة الطاقة الدولية التي تضم كبرى الدول المستهلكة للنفط في العالم من توقعاتها بشأن الطلب العالمي، مقارنة بتوقعاتها السابقة.
بعد العودة لإغلاق الأنشطة الاقتصادية في بعض الدول لاحتواء الوباء، مما سيهدّئ من مدى التعافي الاقتصادي المتوقع هذا العام.
وقالت الوكالة، في تقريرها الشهري الأخير، إن بدء عملية توزيع اللقاحات ضد فيروس كورونا يضع العوامل الأساسية من العرض والطلب على مسار أكثر قوة خلال العام، إذ من المنتظر عودة كل من العرض والطلب للارتفاع. ولكن نمو الطلب سيحتاج لبعض الوقت للتعافي بالكامل مع العودة للإغلاقات في عدد من الدول، ما يلقي بثقله على مبيعات الوقود.
تراجع في المخزونات العالمية
قلصت الوكالة تقديرها للطلب خلال الربع الحالي من العام بنحو ألف برميل يوميا، وهو ما يقل بمقدار ضئيل عن الطلب عند نهاية العام الماضي. ومع هذا سيستمر العالم في امتصاص المزيد من المخزونات، إذ من المتوقع أن تنخفض المخزونات بمقدار 100 مليون برميل خلال الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام، خاصة مع قرار تحالف أوبك+ والمملكة العربية السعودية بتخفيض العرض.
بحسب تقرير الوكالة تراجعت مخزونات النفط الخام العالمية 1.58 مليون برميل يوميا في الربع الرابع من عام 2020، بعد أن أظهرت البيانات الأولية انخفاضا كبيرا عند نهاية العام. وفي نوفمبر هبطت المخزونات لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للشهر الرابع على التوالي. ومع الانخفاض الشهري البالغ 23.6 مليون (0.79 مليون برميل يوميا) بلغت المخزونات 3108 مليون برميل بزيادة 166.7 مليون برميل عن متوسط خمس سنوات. ومع زيادة التشغيل انخفضت مخزونات النفط الخام في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 48.9 مليون برميل عن ذروة مايو.
والحال أكثر وضوحا في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم، فخلال الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي، انخفضت مخزونات النفط الخام والمنتجات في الولايات المتحدة من المستوى المرتفع الذي كانت عليه في صيف 2020. وقد انخفضت مخزونات النفط الخام التجارية من 541 مليون برميل في شهر يونيو الماضي إلى 482.2 مليون برميل يوم 8 يناير الحالي، وهو ما يمثل نحو 8% فوق مستوى متوسط المخزون خلال السنوات الخمس الأخيرة، مقارنة بما يتراوح بين 20 و30% فوق متوسط المخزون خلال السنوات الخمس الأخيرة في الصيف الماضي. ومن المعروف أن أوبك+ تستهدف خفض المخزون ليصبح في مستوى المخزون خلال السنوات الخمس الأخيرة حتى تضمن الاستقرار في أسواق النفط.
تعافي الطلب في بلدان مهمة
وكانت الأسعار قد ارتفعت هذا العام مع إعلان المملكة العربية السعودية عن تقليص إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا على مدى شهري فبراير ومارس. لكن هذه المكاسب في الأسعار تبقى مهددة بسبب تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا، ما دفع نحو العودة إلى الإغلاقات التي قادت عملية التعافي. بل ووصلت الإغلاقات إلى الصين التي قادت عملية التعافي في الطلب على الوقود حتى وقتنا الراهن.
فقد اشترت الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، 542.4 مليون طن من النفط الخام العام الماضي، بما يعادل 10.85 مليون برميل يوميا، بزيادة 7.3% مقارنة بعام 2019، إذ ظل طلب الصين على النفط قويا في العام الماضي على الرغم من أن جائحة "كوفيد-19" قوضت الطب على الوقود في بقية أنحاء العالم.
كما كان زخم زيادة الاستهلاك ملموسا في الهند ثالث أكبر مستورد ومستهلك في العالم للنفط الخام خلال الشهور الأخيرة من عام 2020، فعلى الرغم من انخفاض مستوى وارداتها في عام 2020 بنسبة 10% مقارنة بعام 2019، فإن البيانات تظهر أن الواردات من النفط الخام قفزت في شهر ديسمبر إلى أعلى مستوياتها فيما يقرب من ثلاث سنوات إلى أكثر من خمسة ملايين برميل يوميا مع زيادة شركات التكرير الإنتاج لتلبية تعافي الطلب على الوقود.
وكشفت البيانات أن واردات الهند من النفط في ديسمبر زادت بنحو 29% عن الشهر السابق وبنحو 11.6% عن نفس الفترة خلال العام 2019، بعد أن ارتفع استهلاك الوقود في ديسمبر للشهر الرابع على التوالي إلى أعلى مستوى له في 11 شهرا.
وتقدر الوكالة أن الاستهلاك العالمي سوف يزيد بنحو 5.5 مليون برميل يوميا هذا العام، وذلك في أعقاب انهياره غير المسبوق بمقدار 8.8 مليون برميل يوميا خلال عام 2020.
وترى وكالة الطاقة الدولية أنه مع مضي العام وتجميع تعافي الطلب لقواه، فستكون هناك فرصة أمام بلدان تحالف أوبك+ لزيادة مستوى الإنتاج. إذ سيكون مطلوبا المزيد من النفط في الأسواق، مع الوضع في الاعتبار ما تعطيه الوكالة من أهمية لتحسن الطلب خلال النصف الثاني من العام، خصوصا مع الوضع في الاعتبار انخفاض أكثر حدة في المخزونات العالمية خلال النصف الثاني من العام، إذ يمكن لأوبك+ أن ترفع خططها الإنتاجية بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا كما ترى الوكالة. ويعزز من هذا التوقع أن منتجي النفط الصخري الذين عادة ما يقفز إنتاجهم مع ارتفاع الأسعار يتبعون نهجا أكثر حذرا هذه المرة، وهو ما يعطي الفرصة لتحالف أوبك+ لملء الفراغ.
التوقع الذي يمكن الخروج به من تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى جانب توقعات جهات أخرى هو أن الطلب على النفط ربما يشهد ارتفاعا ملحوظا في النصف الثاني من العام. ويشير ذلك إلى إمكانية رفع دول تحالف أوبك+ من مستوى إنتاجهم بعض الشيء، وإن كان الأمر يعتمد بالطبع على ما سيحدث في مستوى الطلب بناء على مدى النجاح في تحجيم الفيروس ومدى فعالية عملية التلقيح. ويضاعف من هذه الإمكانية كما ذكرنا في مقال سابق وكما تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن منتجي النفط الصخري لن يندفعوا بكل قواهم لزيادة الإنتاج كما يحدث عادة مع ارتفاع الأسعار، بل على الأرجح سيكون الارتفاع في إنتاجهم معتدلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة