محطة شمس 1 بالإمارات.. 5 سنوات من الريادة في الطاقة المتجددة
مشروع محطة شمس 1 للطاقة الشمسية المركزة يشهد على تشييد أكبر محطة عاملة آنذاك في العالم والأولى من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
شكّل تدشين الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، في 17 مارس 2013، محطة شمس 1 للطاقة الشمسية المركزة، في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، خطوة رائدة نحو تعزيز جهود الإمارات الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة اللازمة لتلبية الطلب المتزايد عليها والمقترن بالنهضة والتنمية الشاملة التي تشهدها الدولة في المجالات كافة.
وجاء مشروع محطة شمس 1 للطاقة الشمسية المركزة، الذي تم تصميمه وتطويره من قبل شركة "شمس للطاقة" المشروع المشترك بين شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" 80% وتوتال 20%، ليشهد على تشييد أكبر محطة عاملة آنذاك في العالم والأولى من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويشكل أحد النجاحات الاستراتيجية المهمة لدولة الإمارات، ومعلماً مهماً يؤكد دخول الدولة عصر الطاقة المتجددة من أوسع أبوابه.
تركيز الإشعاع الشمسي المباشر
وتعمل محطة شمس 1 للطاقة الشمسية، التي تحتفل بمرور خمسة أعوام على تدشينها، بمبدأ تركيز الإشعاع الشمسي المباشر باستخدام أحواض القطع المكافئ العاكسة، حيث تعمل صفوف من المرايا على تركيز أشعة الشمس في أنبوب مركزي يتم من خلاله تسخين الزيت الناقل للحرارة، وتدور الأنابيب المركزية بطول 130 كم في حلقات مغلقة مخصصة لنقل الزيت (أحد مشتقات النفط القادرة على امتصاص الحرارة بكفاءة عالية) الذي تم تسخينه عن طريق أشعة الشمس المركزة.
ويتم في مرحلة لاحقة نقل الحرارة التي اكتسبها الزيت عن طريق تركيز الإشعاع الشمسي إلى الماء، وذلك في مبادلات حرارية يتم من خلالها توليد البخار الذي تصل درجة حرارته إلى 380 درجة مئوية، ومن ثم يتم رفع درجة حرارة البخار إلى 540 درجة مئوية داخل المعززات الحرارية التي تم تصميمها خصيصاً لتعزيز كفاءة التوربين البخاري الذي يحرك مولداً بقوة 100 ميجاوات، وأخيراً يتم العمل على تكثيف البخار الخارج من التوربين في المبرد الهوائي وتضخ المياه المكثفة إلى المبادل الحراري مرة أخرى.
نتائج مميزة
وحققت محطة شمس 1 للطاقة الشمسية المركزة نتائج مميزة على مدار سنوات عملها الخمس، فعلى صعيد إنتاج الكهرباء والتي يتم تزويدها إلى الشبكة العامة للكهرباء في إمارة أبوظبي، من خلال محطة فرعية في مدينة زايد بمنطقة الظفرة، فقد أنتجت المحطة في عام 2017 على سبيل المثال 235 جيجاوات ساعة من الكهرباء النظيفة والتي تكفي لتزويد 20 ألف منزل في أبوظبي باحتياجاتها الشاملة للكهرباء على مدار العام، بالإضافة إلى ذلك فإن محطة شمس 1 أسهمت خلال العام الماضي في تفادي إطلاق 175 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون (ما يعادل زرع مليون ونصف المليون شجرة أو إزاحة 20 ألف مركبة من الطرقات) والذي يعتبر أحد الغازات الرئيسة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، مؤكدة بذلك مصداقية الجهود التي تبذلها دولة الإمارات للمساهمة بالالتزام العالمي للحد من تداعيات التغير المناخي.
تحدي الطقس وشح المياه
ومما يضفي صفة فريدة على محطة شمس 1، كونها الأولى من نوعها التي تم بناؤها وتشغيلها في قلب الصحراء، لتواجه بذلك تحديات الطقس القاسي والجاف التي يصعب التنبؤ بها، فصحراء شبه الجزيرة العربية المعروفة بصحراء الربع الخالي، خاصة إذا ما اشتد الحر في شهور الصيف، تقوم بإرسال عواصف رملية محملة بالأتربة والغبار باتجاه الشمال مارة في طريقها بمحطة شمس 1، ومثل هذا الغبار العالق في الطبقات السفلى للغلاف الجوي إلى جانب كونه يقلل من كثافة تدفق الإشعاع الشمسي إلى حد كبير، فإنه عادة ما يستقر على سطوح المرايا العاكسة مسبباً نقصاً في درجات الانعكاس وبالتالي نقصاً في معدلات إنتاج الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى أن مثل هذه العواصف الرملية شديدة السرعة قد تتسبب في تحطيم المرايا والقواعد المثبتة لها إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حماية مناسبة. وتم إحاطة محطة شمس 1 بجدار كاسر للرياح ارتفاعه 7 أمتار، حيث يسهم هذا الجدار في كسر شدة الرياح وتخفيف سرعتها قبل اصطدامها بالمرايا العاكسة وأيضاً يقف مانعاً تجاه زحف الرمال المستمر.
ويعتبر شح المياه من التحديات الأخرى التي تمكنت شمس 1 من تجاوزها بكفاءة عالية، فجميع محطات الكهرباء التقليدية والشمسية منها تحتاج إلى تكثيف البخار الخارج من التوربين الموصول بالمولد الكهربائي، ولذا عادة ما تبنى مثل هذه المحطات بجانب بحيرات وأنهار أو على الشريط الساحلي كما هو الحال في معظم محطات الدولة، حيث تستخدم المياه الحلوة أو المالحة لتوفير التبريد اللازم لتكثيف البخار في مكثفات توصف بأنها رطبة، لكن مثل هذه المكثفات الرطبة تستخدم كميات هائلة من المياه مما يجعلها غير مجدية للاستخدام في المحطات التي تبنى في قلب الصحراء بعيداً عن مصادر المياه كما هو الحال في محطة شمس 1 التي اعتمدت على مبردات هوائية للمرة الأولى في محطة تعمل بالطاقة الشمسية، وأسهم هذا الابتكار في الحيلولة دون استهلاك ما يقارب 200 مليون جالون من الماء بشكل سنوي.
وجهة لاستقطاب الشباب الإماراتيين
وأسهمت شركة شمس للطاقة، الجهة القائمة على إدارة وتشغيل محطة شمس 1 للطاقة الشمسية المركزة الواقعة في منطقة الظفرة، على مدى 5 سنوات في الجهود المبذولة لتحقيق رؤية أبوظبي 2030، الرامية إلى الانتقال للاقتصاد القائم على المعرفة، حيث أصبحت وجهة لاستقطاب الشباب الإماراتيين الباحثين عن التميز والابتكار، والراغبين في إحداث تغيير إيجابي يسهم في ترسيخ مبدأ الاستدامة وتعزيز اعتماد موارد الطاقة النظيفة في الدولة.
وعملت الشركة في هذا الإطار على تأهيل وتطوير الكفاءات المواطنة ووضعت في صدارة اهتماماتها ضرورة أن تكون للكفاءات الإماراتية المواطنة دور في صنع المستقبل الجديد للطاقة من خلال فتح أبوبها لهم وتأمين جميع الموارد والخبرات لاستقطابهم ودمجهم في قطاع الطاقة المتجددة.
ويشغل المواطنون ما نسبته 60% من وظائف الإدارة العليا كمدير التشغيل، ومدير الأمن والسلامة، ومهندسي التحكم والتشغيل، وتسعى إدارة المحطة لاستقطاب المواهب الإماراتية في عن طريق التعاون مع الجامعات المحلية.
نموذج يحتذى به في المنطقة
لا شك أن هذه الخبرة في تشغيل المحطة خلال السنوات السابقة والمسيرة المكللة بالنجاح صنعت من شمس نموذجاً يحتذى به من قبل مطوري المشروعات في دول المنطقة، فقد شهد قطاع الطاقة سباقاً بين الدول في تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية، فهناك اليوم محطات شبيهة لمحطة شمس 1 للطاقة الشمسية في عددٍ من دول المنطقة، خاصة مع تطور التكنولوجيا وتوفر حلول لتخزين الحرارة من أجل مواصلة توليد إنتاج الطاقة الكهربائية حتى بعد غروب الشمس، أضف إلى ذلك انتعاش سوق الطاقة الشمسية الذي أسهم في زيادة عدد المقاولين والمصنعين لتقنيات الطاقة الشمسية.
ولم يقتصر دور محطة شمس 1 للطاقة الشمسية على إنتاج الكهرباء النظيفة، وإنما تعدّى ذلك إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات كرائد في مجال الاستدامة والطاقة المتجددة، وذلك من خلال الزيارات التي يتم تنظيمها للمحطة، والتي تنوعت في طبيعتها من زيارات عملية لطلبة رياض الأطفال والمدارس إلى زيارات دبلوماسية متعددة، حيث يقدر عدد الوفود الذين يقومون بزيارة المحطة بـ170 وفداً سنوياً.
ولا شك أن مشروع شمس 1 للطاقة وغيرها من المشروعات التي تقوم شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" بتطوريها أو تنفيذها حالياً في الإمارات وخارجها، تعزز من ريادة دولة الإمارات ودعمها للجهود الدولية الرامية إلى الحد من آثار التغير المناخي، وتؤكد بذلك أن دولة الإمارات ستبقى لعقود في طليعة الدول المصدرة لتقنيات الطاقة المتجددة إلى جانب تصدرها في قطاع الطاقة التقليدية.