"سلو والشباكية والحريرة".. سادة طعام أهل المغرب في رمضان
لشهر رمضان ميزة فريدة لدى المجتمع المغربي، تنعكس جلياً على سائر مناحي الحياة اليومية لأهل البلد، وعلى رأسها الموائد.
ولا تخلو موائد الإفطار في شهر رمضان الكريم، وإن اختلفت خُصوصية جهات المملكة، من ثلاثة أطباق مهمة، وهي الحريرة، وحلوى "الشباكية"، وأطباق "سلو" المُزركشة بحبات اللوز.
الحريرة.. حساء العجائب
"لا يجوز صيام رمضان إن لم تكن الحريرة ضمن مكونات الإفطار"، نُكتة مغربية تقليدية تعكس التشبث الكبير للمغاربة بهذا الطبع العجيب، الذي يضم من المكونات ما يجعله لوحده، وجبة قائمة الأركان والفوائد الغذائية.
ويتم شرب حساء "الحريرة" بشكل يومي من طرف المغاربة، لكن باختلاف طفيف في توقيت ذلك، فالبعض يشربها مباشرة بعد كسر الصيام، لكن آخرين يجعلونها في أواخر وجبة الإفطار، وهُناك من يُؤجلها إلى ما بعد صلاة التراويح.
نبيل العياشي، الاختصاصي في التغذية، يوضح لـ"العين الإخبارية" أن هذا الطبق يُعتبر وجبة كاملة، نظراً لتكونه من مكونات صحية ومفيدة، خاصة إذا ما تم إعدادها بالطريقة التقليدية.
وتستخدم النسوة في تحضير هذا الحساء، كُل من العدس والحمص والطماطم والقزبز والبقدونس والأزر أو "الشعرية" في بعض الأحيان، ما يجعله حساء متنوع المكونات، وكُلها مواد غنية بالألياف والأملاح المعدنية والبروتينات، وأيضاً الطاقة.
وبعد نضوج الحساء، يتم إضافة الدقيق إليه وبعض البيض الطري، ويُمزج الخليط جيداً، إلا أن هذه المرحلة، يقول الخبير في التغذية، يجب أن تتميز بالحذر، وذلك من خلال استعمال الدقيق الكامل أو الشعير، مع تفادي الدقيق المعدل جينيا.
بلونها البُني اللامع، وأطرافها المُتشابكة، تتوزع على مائدة الإفطار أطباق صغيرة لحلوى "الشباكية"، تماما كما تتناثر على أجزاءها المُغطاة بالعسل حبات السمسم اللذيذ.
رائحة اليانسون وماء الزهر، تُغري بتناولها، على الرغم من السعرات الحرارية الكبيرة التي تتوفر عليها، إذ يتناولها البعض مع كؤوس الشاي المغربي، أو يتم تناولها رفقة حساء "الحريرة"، والبعض يغمسها فيه، للحصول على خليط حلو المذاق.
تسارع نمط الحياة، وضيق الوقت بالنسبة لبعض النسوة، خاصة العاملات منهن، ساهم في انتشار محلات لصنع هذه الحلويات، وهي محلات تعرف إقبالا كبيراً منذ مطلع شهر شعبان، وحتى منتصف رمضان، في حين لازالت العديد من الأسر مُتشبثة بإعدادها داخل المنازل، وبطقوسها الكاملة.
وسميت بالشباكية، لأنها تتشابك بعناية بشكل دائري تصاعدي، بعدها تجد طريقها إلى مقلاة الزيت، لتخرج منها ملونة بلون الذهب، ثم تطلى بالسمسم بعدما أغرقت في العسل، ثُم ترش بماء الزهر، وتصير جاهزة للأكل.
سلو.. خليط اللذة والطاقة
وقُبيل شهر رمضان بأسابيع، تنتشر بين الأزقة المغربية، خاصة في الأحياء الشعبية، رائحة فريدة، تمتزج بين الدقيق المُحمر وبعض الأعشاب المطحونة، وتُعتبر إشارة إلى شروع النسوة في إعداد طبق شهي لا تخلو منه موائد الإفطار، وحتى السحور، إنه "سلو" خليط اللذة والطاقة.
ويشهد هذا الطبق إقبالا كبيراً في شهر رمضان، نظراً للطاقة الكبيرة التي يتوفر عليها، ما يُساعد على إتمام الساعات الطوال ليوم الصيام، ومهما اختلفت أسماؤه من منطقة لأخرى، إلا أن مذاقه الفريد يظل ثابتاً لا يتغير.
وتختلف أسماء هذا الطبق بين "السفوف"، أو "التقاوت"، أو "الزميتة"، في حين يتكون من الدقيق المحمص، والسمسم، واللوز، وبذور الشمر، وبذور الكتان، واليانسون، والزبدة، والزيت، والقرفة، وتخلط كل هذه المكونات مع بعضها، بعد أن تحمص وتطحن، ثم تزين باللوز المحمر، ويرفق "سلو" عادة بالشاي المغربي، ويقدم على مائدة الإفطار أو خلال وجبة السحور.
وللمغاربة ارتباط كبير مع هذا الطبق، إذ يُحضر أيضاً للمرأة حديثة الولادة، وذلك لمنحها تعويضاً عن القوة والجهد اللذان بذلتهما خلال فترة الحمل والولادة، ويُساعدها على توفير حليب طبيعي للرضيع.
طقوس خاصة
جمال هذه الأطباق في لمة إعدادها، تقول الحاجة فاطمة، وهي امرأة سبعينية التقتها "العين الإخبارية" في أحد محلات بيع المواد الغذائية، موضحة أن إعداد كل من سلو والشباكية لهما طقوسا خاصة.
العادات المغربية تقتضي اجتماعاً لنسوة الحي في المنزل الأكثر اتساعاً، فيتشاركن جميعاً في المواد الأولية لإعداد هذه الأكلات الشهية، وحتى اللواتي لا يستطيع أزواجهن تكلف المصاريف، يحضرن ويساهمن بجهدهن في الإعداد، وفي آخر العملية، كُل النسوة يحصلن على ما يحتجنه طيلة شهر رمضان دون تمييز.
ولفتت المتحدثة، إلى أن هذه الطقوس كانت تساهم في إذابة الفوارق الاجتماعية بين جيران الحي الواحد، وتجعل الفقير يتغلب على إحساسه بالحاجة المالية، وذلك من خلال تآزر جيرانه معه.
وأضافت، أن لذة هذه الأطباق في إعدادها، إذ تجتمع النسوة، ويكثر هرج الأطفال وصراخهم، وتكثر المزحات والمواقف الكوميدية، كما أنها فرصة للترويح عن النفس والاستمتاع بلذة لقاء الجارات.
الاجتماع لإعداد كُل من "سلو"، و"الشباكية" له مزايا أخرى أيضا، بحسب الحاجة فاطمة، فالنسوة اللواتي يقضين أول رمضان رفقة أزواجهن، يجدن في هذه التجمعات فرصة للتعلم من عواجيز الحي اللواتي راكمن خبرات طويلة في فنون الطبخ، ويملكن أسراره، ناهيك عن أن هذين الطبقين يحتاجان للكثير من الجهد والوقت، وبالتالي فتقاسم الجُهود يُسرع عملية التحضير.
aXA6IDE4LjExNi40My4xMDkg جزيرة ام اند امز