رغم تأكيد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في العديد من المناسبات على التزام بلاده بأمن الخليج، وأن أمن الخليج من أمن مصر، إلا أن تصريحاته الأخيرة تكتسي أهمية بالغة الدقة
رغم تأكيد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في العديد من المناسبات على التزام بلاده بأمن الخليج، وأن أمن الخليج من أمن مصر، إلا أن تصريحاته الأخيرة خلال الجلسة المغلقة مع ممثلي الإعلام في مدينة شرم الشيخ تكتسي أهمية بالغة الدقة، ليس فقط للتوقيت الذي جاءت فيه، والذي تتعرض فيه العديد من دول المنطقة لمخاطر عديدة تهدد أمنها واستقرارها، وإنما أيضاً لأنها تبعث برسالة حاسمة مفادها أن مصر لن تتخلى عن مسؤوليتها في حماية الأمن الخليجي والعربي بوجه عام، مهما كان الثمن، لأن ذلك "خط أحمر"، وأحد الثوابت الراسخة لسياستها الخارجية على مر السنين.
لقد أراد السيسي أن يؤكد لهؤلاء أن الشعوب العربية وعت الدرس كاملاً، ولن تنجرف مجدداً وراء أية دعوات مغرضة تسعى إلى تكرار هذه التجربة الأليمة التي لا تزال تنال من مقدرات الشعوب العربية، وحقها في الأمن والاستقرار والتنمية
اللافت في تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة أنها أكدت مدى التوافق في الموقفين الرسمي والشعبي من قضية أمن الخليج، حين قال صراحة:"إذا تعرض أمن الخليج للخطر أو لتهديد مباشر من أي جانب، سيُقبِل الشعب المصري كله وليس فقط الرئيس بتحريك قواته لصد العدوان ودعم الأشقاء"، ليؤكد من خلال ذلك على حقيقة مهمة، وهي أن الضمير المصري الجمعي لا يسمح أبداً بالمساس بأمن الخليج في حال تعرّض لأي تهديد ينال من أمن دوله واستقرارها، وهي حقيقة تؤكدها مواقف مصر التاريخية من أمن الخليج، حينما رفضت بشكل قاطع عام 1961 تهديدات رئيس الوزراء العراقي (آنذاك) عبد الكريم قاسم للكويت، ثم تضامنها مع الكويت في أعقاب الغزو العراقي عام 1990، ومشاركة القوات المصرية ضمن قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1991.
الأمر الآخر الذي يمكن فهمه من تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة هو تحذيره القوي من استمرار حالة الانكشاف الاستراتيجي في المنطقة، وما يترتب عليها من فوضى تهدد الأمن والاستقرار في العديد من دول المنطقة، والتي تدفع أطرافاً خارجية للتدخل في شؤونها، والعمل على استمرار دوامة الأزمات والنزاعات، باعتبارها إحدى الأوراق التي تخدم مصالحها ومشروعاتها الهدامة في المنطقة، ولهذا فإن على الدول العربية الأخرى التي لم تتعرض لأزمات مماثلة – كما يرى السيسي – "أن تنتبه حتى لا تحتاج لأحد يتدخل لحل مشكلاتها وأزماتها"، وهذا إنما يؤكد بوضوح عن نظرة عميقة تدرك أن الوضع العربي الراهن لا يحتمل أن تتعرض دول جديدة لأزمات تنال من أمنها واستقرارها. الرئيس السيسي أعاد التأكيد في تصريحاته كذلك على رؤية مصر لكيفية حماية الأمن القومي العربي، في الوقت الراهن، والتي تنطلق من محورين مهمين، أولهما تعزيز التعاون بين الدول العربية، باعتباره المدخل لتجاوز الأزمات الحالية، والحيلولة دون تدخل الأطراف الخارجية في شؤونها الداخلية. والثاني التأكيد على أهمية اتفاقية الدفاع العربي المشترك باعتبارها يمكن أن تمثل الإطار الذي يمكن من خلاله حماية الأمن القومي العربي، وهذا يفهم من قوله: "إن ميثاق الجامعة العربية يضم اتفاقيات دفاع مشترك لذا فهي تمثل التزامات علينا مع أشقائنا في المنطقة العربية"، وذلك في إشارة واضحة الدلالة إلى أن التحديات والمخاطر التي تهدد الدول العربية في الوقت الراهن، سواء فيما يتعلق بالتدخلات الخارجية "السلبية" في شؤون دول المنطقة، أو فيما يتعلق باستمرار خطر التطرف والإرهاب يتطلب العمل على إعادة تفعيل الاتفاقيات العربية في المجالات الأمنية والدفاعية.
في ظل حالة السيولة والضبابية التي تشهدها المنطقة، ومع استمرار الأزمات والنزاعات في العديد من دولها، وتصاعد الحملة الإعلامية والسياسية المغرضة التي تستهدف المملكة العربية السعودية، والتي تسعى إلى استثمار قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي من أجل ممارسة ضغوط عليها، والنيل منها وزعزعة استقرارها، جاءت تصريحات الرئيس السيسي لتؤكد أن "المملكة أكبر بكثير من أن يهز استقرارها أحد"، داعياً في الوقت ذاته الشعوب العربية أن "تبقى مدركة ولديها وعي حقيقي لما تمر به المنطقة، وأن تكون ظهيراً قوياً لحكامها وسنداً لهم"، وهي رسالة حاسمة لأولئك الذين يسعون إلى تأليب الشعوب العربية وخداعها بأوهام الثورة والتغيير، لأن حصاد ما يسمى أحداث "الربيع العربي"، التي اندلعت في نهاية عام 2010 هو الوضع الكارثي الذي تعيشه العديد من الدول العربية الآن، والتي لا تعاني فقط أزمات أمنية واقتصادية واجتماعية، وإنما أيضاً تواجه خطر الانهيار الكامل، لقد أراد السيسي أن يؤكد لهؤلاء أن الشعوب العربية وعت الدرس كاملاً، ولن تنجرف مجدداً وراء أية دعوات مغرضة تسعى إلى تكرار هذه التجربة الأليمة التي لا تزال تنال من مقدرات الشعوب العربية، وحقها في الأمن والاستقرار والتنمية.
وإذا كان هناك من يراهن على عودة عقارب الساعة إلى الوراء؛ ويسعى إلى استغلال أزمة خاشقجي لتشويه صورة المملكة العربية السعودية، وحلفائها في المنطقة، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، للترويج لأجندة جديدة تعيد تجميل مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، فعليه أن يراجع نفسه مرات ومئات المرات، ليس فقط لأن الشعوب العربية هي التي لفظت هذا المشروع الذي لم يجنِ لها سوى الخراب والدمار، وإنما أيضاً لأن هناك إدراكاً مشتركاً من جانب الدول الثلاث (مصر والسعودية والإمارات) لطبيعة المؤامرات التي تحاك بالمنطقة، وتوافقاً أيضاً فيما بينها على ضرورة التصدي الحاسم لها، من أجل الحفاظ على الدولة الوطنية في عالمنا العربي، والحفاظ على وحدتها وتماسكها، باعتبار ذلك من أهم متطلبات استعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وإعادة الحيوية للدور العربي المؤثر في تفاعلات المنطقة وأحداثها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة