سلوبودان برالياك، مجرم الحرب الكرواتي، قام بعمل مجازر وصفتها المحكمة الجنائية الدولية بأنها تسببت في ضرر "غير مسبوق" للمدنيين المسلمين.
من حقول القتل في البوسنة والهرسك إلى الموت انتحارا بتجرع السم على الهواء مباشرة أمام المحكمة الجنائية الدولية، في واقعة هي الاولى من نوعها على هذا النحو، وضعت النهاية لقصة سلوبودان برالياك، مهندس مجازر مسلمي البوسنة بين عامي 1992 و1995.
ولد برالياك في 2 يناير 1945 في كابلجينا بالبوسنة، لأب كان يعمل في وكالة الأمن اليوغوسلافية "أوزنا"، حيث نشأ على حب الشعبوية الكرواتية (اليمينية المتطرفة) وكره من هم لا يمثلون الكروات، وحصل على 3 شهادات جامعية في الهندسة الكهربائية والفلسفة والإعلام، وعرف عنه التطرف منذ أن كان مدرسا للإلكترونيات في مدرسة نيكولا تيسلا المهنية في زغرب التي التحق بها عام 1973.
وفي عام 1991، أعلن برالياك انضمامه الطوعي للتنظيم "القوات المسلحة الكرواتية" بعد اندلاع ما أطلق عليه هذا التنظيم "حرب التحرير الكرواتية"، حيث شكل وحدة من المتطوعين في عدد من المناطق الكرواتية قامت بالاستيلاء على عدة مواقع في البوسنة، وتم ترقيته إلى رتبة جنرال في عام 1992.
وفي العام نفسه، قام برالياك بتدمير جسر "ستاري موست" الذي يعد المخرج والمدخل الوحيد لبلدة موستار البوسنية، الأمر الذي تصفه المحكمة الجنائية الدولية بأنه "عمل تسبب في منع المدنيين العزل من الهرب من مناطق القتال، وأدى إلى مقتل المئات منهم لعدم إمكانية هروبهم".
ويعد عمل برالياك هذا جريمة حرب متكاملة الأركان، حيث قام بقصف الجسر الذي تدخل منه القوافل الطبية والإغاثية للمدينة، ثم قام بقصف المدينة بشكل مستمر حتى تدمير جميع جيوب المقاومة داخلها، وبعد ذلك دخلت القوات الصربية إلى المدينة لتقوم بمجازر واسعة النطاق ضد المدنيين المسلمين داخل المدينة، الأمر الذي تسبب في مقتل مئات من سكان تلك البلدة، حيث لاتزال الجثث تكتشف حتى اليوم في مقابر جمعية قامت قوات برالياك بحفرها وردم الجثث فيها.
وفي عام 1993 قام برالياك بالكرّة ذاتها في إحدى البلدات القريبة من مدينة موستار، حيث قام بتقتيل ما لا يقل عن 200 شخص من أسرى الحرب المسلمين دون رحمة في دريتيلج، الأمر الذي تراه المحكمة الجنائية الدولية جريمة حرب أخرى.
وبعد سنتين من سفك الدماء في البوسنة والهرسك، تقاعد سلوبودان برالياك في ديسمبر 1995، وسط إشادة من قادته العسكريين بأعماله التي وصفوها "بالبطولية" في "خدمة قضية كرواتيا"، وحصل على ميدالية منهم لإجرامه تجاه المدنيين.
وبعد التقاعد، قام برالياك بالتوجه إلى إدارة الأعمال، حيث قام بتأسيس شركة لإنتاج البرامج التلفزيونية والأفلام السنيمائية، ثم في إبريل 2004 سلم نفسه طوعا إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتي اتهمت برالياك بالقيام بجرائم حرب ضد المسلمين في نحو 30 مقاطعة في البوسنة والهرسك.
وبدأت محاكمته في إبريل 2006 بعد سماع مئات الشهادات عن تورطه الشخصي في مقتل مئات المسلمين في البوسنة، وتم الحكم عليه بـالسجن 20 عاما في عام 2013 بعد الكشف عن العديد من الأدلة التي أثبتت تورط برالياك في تلك المجازر.
وقام برالياك باستئناف الحكم مبينا أنه قضى أكثر من ثلثي المدة منذ تسليم نفسه في عام 2004 إلا أن المحكمة رفضت استئنافه الحكم في نوفمبر 2017.
وعلى إثر ذلك، صرخ برالياك في المحكمة قائلا: "برالياك ليس مجرما. أنا أرفض حكمكم"، قبل أن يرفع قارورة بنية اللون صغيرة إلى شفتيه ويشربها كاملة أمام الكاميرات التي تصور المحاكمة، ثم قال: "لقد شربت سما للتو. أنا لست مجرم حرب. أعترض على هذه الإدانة".
وتوقفت الجلسة على الفور بعد أن ثارت ضجة في قاعة المحاكمة، ثم تم اصطحاب برالياك خارج القاعة لحين وصول خدمات الإسعاف وقوات الشرطة لنقله لأقرب مستشفى.
وأفاد التلفزيون الكرواتي، نقلا عن مصادر قريبة من برالياك، أنه توفي في المستشفى بعد وصوله بفترة وجيزة، فيما أعلنت الشرطة الهولندية أن قاعة المحكمة أصبحت موقع جريمة، حسب ما نقلته صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وأحدثت هذه التطورات صدمة في كرواتيا حيث لايزال البعض يعتبره بطلا.
لكن رئيسة كرواتيا كوليندا غرابار كيتاروفيتش قالت، الخميس، إن الشعب الكرواتي يجب أن يعترف بأن هناك كرواتيين ارتكبوا جرائم في البوسنة.
وقالت كيتاروفيتش: "نحن الكرواتيين يجب أن نتحلى بالقوة للاعتراف بأن بعض مواطنينا ارتكبوا جرائم في البوسنة، ويجب أن يتحملوا مسؤولية ارتكابها".
ووقعت هذه المشاهد غير المسبوقة داخل المحكمة الجنائية الدولية أثناء إعلان القضاة أحكامهم في الدعاوى التي تخص 6 قادة سياسيين وعسكريين سابقين تورطوا في جرائم الحرب التي ارتكبت خلال الانفصال الدامي ليوغوسلافيا.
aXA6IDMuMTQ0LjQxLjIwMCA=
جزيرة ام اند امز