وسائل إعلام فرنسية أشارت إلى فشل التغلغل القطري في أوروبا، بعد فضائح الدوحة بشأن تنظيم المونديال وتراجع استثماراتها في أوروبا.
فشل يتلوه فشل يلاحق "تنظيم الحمدين" القطري في أوروبا، ظهرت مؤشرات كثيرة له ليس آخرها إخفاق نادي باريس سان جيرمان الذي اشترته الدوحة في تحقيق انتصارات تشفع للنظام القطري في إنفاق أموال القطريين على النادي الأوروبي.
وسائل إعلام فرنسية وأوروبية عددت مؤشرات الفشل القطري في أوروبا، وأشارت إلى المشكلات التي تلاحق تنظيم مونديال 2022 في قطر بعد صدور عدة تقارير حقوقية تتهم الدوحة بالسخرة والعبودية للعمال في استادات كأس العالم.
- قطر في فرنسا.. تفاصيل الصفقات القذرة للتأثير على الإليزيه
- جنيف .. منظمات حقوقية تطالب بتحرك دولي ضد قطر
وتواجه قطر بنسبة كبيرة احتمال سحب تنظيم مونديال 2022 منها؛ على خلفية رشاوى دفعها النظام القطري للحصول على حق تنظيم المونديال اعترف بها الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" سيب بلاتر.
الجديد في مسار الفشل القطري أوروبيا ظهر في تراجع الاستثمارات القطرية في فرنسا، خاصة بعد تصريحات الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون خلال الحملة الانتخابية بإنهاء الامتيازات القطرية في فرنسا.
باريس سان جيرمان.. أموال قطرية ضائعة
ذكرت صحيفة "لكسبريس" الفرنسية، أن خروج نادي باريس سان جيرمان، من الدوري الأوروبي مثل صفعة في وجه أمير قطر تميم بن حمد ووالده الأمير السابق حمد بن خليفة، اللذين دفعا أموالاً باهظة، في محاولة لإنقاذ فريقهما من الغرق، بدون استراتيجية حقيقية لتطوير مهارات الفريق، وهو ما أدى إلى فشل دبلوماسية الرياضة التي تتبعها قطر من سنوات، كإحدى أذرع التغلغل في أوروبا.
وكانت الصحف الأوروبية، قد سخرت من فريق "الأثرياء الجدد" الذي غادر الدوري الأوروبي، برغم ضم نيمار (222 مليون يورو) وكليان مبابي (180 مليون يورو)، مشيرة إلى أنه "400 مليون يورو أنفقت... وخرجوا مجددا من دور ثمن النهائي".
كما اعتبرت صحف أوروبية أن الإدارة القطرية التي اشترت النادي عام 2011 فشلت في تحقيق أهدافها وأبرزها حصد اللقب القاري الأول، إلا أن ذلك الهدف تبدد هذا العام، بإقصاء الفريق عن نهائيات الدوري الأوروبي، مؤكدة أن "الملايين لا تكفي لشراء التاريخ والعظمة، أما إنك تملكها وإما لا".
ونقلت "لكسبريس" عن كريستوفر ديفيدسون، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، في جامعة "دورهام" البريطانية قوله إن "الدوحة تسعى منذ أكثر من ست سنوات قبل شراء باريس سان جيرمان، إلى تحقيق تقدم في مجال القوة الناعمة ولكن دون جدوى".
عبودية ورشاوى.. فضائح مونديال قطر
لا تتوقف الفضائح الخاصة بالنظام القطري منذ حصول قطر على حق تنظيم كأس العالم 2022 ووصلت إلى المطالبة القوية بسحب تنظيم مباريات كأس العالم 2022 من قطر، بعد ضلوع الدوحة في دفع رشاوى للحصول على حق تنظيم المونديال.
وعلى نفس الصعيد تتهم منظمات حقوقية الدوحة بممارسة السخرة والعبودية بحق العمال الأجانب العاملين في الملاعب التي يجري إعدادها لاستقبال مباريات كأس العالم، حيث تعلي الدوحة مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، حتى وإن مات في سبيل تحقيق هذه الغاية العديد من عمال البناء الأجانب في مواقع العمل.
وكانت تقارير لمنظمات حكومية، قد أكدت أن ظروف العمل في مواقع البناء للدوحة "خطيرة"، كما أن الشركات لا تلتزم بمعايير السلامة الخاصة بحماية العمال، فضلاً عن تقارير تندد بتدني الحد الأدنى للأجور في ظل الظروف المعيشية الباهظة، وتقارير أخرى تندد بطول عدد ساعات العمل وحرمان العمال من الحصول على إجازات لمدة خمسة أشهر.
كما تعرضت شبكة قنوات "بي إن سبورتس" القطرية إلى ضربة في مايو الماضي بعد حصول شركة "إي إف آر" الفرنسية للاتصالات على حق البث الحصري لدوري أبطال كرة القدم للفترة بين 2018 -2021.
كل هذه العوامل، هزت صورة الدوحة، فبدلاً من أن تصبح إحدى أذرع القوة الناعمة لتحسين صورتها في العالم، لاسيما العالم الغربي، أدت إلى نتائج عكسية، كما أطلقت عليها وسائل الإعلام الفرنسية "إمارة الشيكات".
الدوحة والصفقات القذرة في فرنسا
أبرزت صحف فرنسية وجود اتجاه سياسي قوى داخل الإدارة الفرنسية الحالية، لإنهاء الوجود القطري في فرنسا، الذي بدأ في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عبر صفقات مشبوهة، ثم جاء ساركوزي ليعطي امتيازات أكثر للدوحة شملت إعفاء من الضرائب المفروضة على أرباح الشركات القطرية للعقارات، ولم يستطع هولاند التخلص منها.
وكانت وسائل إعلام فرنسية، كشفت في وقت سابق مستندة إلى وثائق وشهادات وكتب أجراها صحفيون استقصائيون، عن تورط الدوحة في صفقات قذرة، بتقديم الرشاوى للسياسيين الفرسيين، فضلا عن اتباع قطر حيلا غير شريفة لتقويض المنافسة الاقتصادية للدول الأخرى في فرنسا لصالحها بطرق غير شرعية.
وسرد كتاب "أمراؤنا الأعزاء" الذي أصدره الصحفيان الفرنسيان، جورج مابرينو وكريستيان شينو، علاقة الفساد التي تورطت فيها قطر وبعض السياسيين الفرنسيين الذين تلقوا هدايا وامتيازات مقابل الدفاع عن الإمارة الصغيرة.
وأشار الكتاب إلى ركض سياسيين فرنسيين، من بينهم نواب ووزراء ومسؤولون كبار، وراء المال القطري، وكيف يتملق هؤلاء أمراء هذه الدول؛ للحصول على أموال الغاز القطري التي يمتلكها الشعب القطري وليس "تنظيم الحمدين"، هذا النهج الذي اتبعته الدوحة خلال حكم حمد بن خليفة عاد إلى الواجهة بشكل أقوى عقب وصول نيكولا ساركوزي إلى الحكم في 2007.
الجمهورية الفرنسية في قطر
كشف كتاب جديد للكاتبة الفرنسية برينيي بونت، الذي يحمل عنوان "الجمهورية الفرنسية في قطر"، وهو من الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، عن نفوذ نظام قطر في باريس، موضحاً أن "الدوحة أنفقت عشرات ملايين اليوروهات خلال العقد الماضي، لتصبح لاعبَ وسطٍ في الكواليس السياسية والاقتصادية الفرنسية".
الوجود القطري في فرنسا بدأ في عهد شيراك، وأعطاهم ساركوزي امتيازات شملت إعفاء من الضرائب المفروضة على أرباح الشركات القطرية للعقارات، ولم يستطع أولاند التخلص منها، فهل سيفعل ماكرون؟".
"هيئة الاستثمار القطرية"، في باريس، منذ تأسيسها في عام 2005 في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك كانت بوابة تلك الاستثمارات، حيث كانت المسؤولة عن تدفق المليارات القطرية التي دخلت البلاد تحت مسمى الاستثمارات، أبرزها الحصول على نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، وأيضاً أسهم في أكبر الشركات الفرنسية.
وأثارت هذه الامتيازات موجة غضب واسعة في فرنسا، حتى إن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون كان قد وعد خلال حملته الانتخابية، بوضع حد لتلك الممارسات القطرية المثيرة للجدل.
ماذا تمتلك قطر في فرنسا؟
طرحت صحيفة "بورصة" الاقتصادية الفرنسية سؤال ماذا تمتلك قطر في فرنسا؟ لتجيب بأن الدوحة المتهمة باحتضان التنظيمات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة والإخوان، تستثمر نحو 335 مليار دولار في فرنسا، لاسيما في نادي باريس سان جيرمان، وقنوات "بي.إن سبورتس"، ووسائل إعلام وفنادق، كما تمتلك أسهما في مجموعة "لاجاردير" للإعلام بنسبة 13.3%.
وحول نادي "باريس سان جيرمان لكرة القدم"، أشارت الصحيفة إلى أن إتمام صفقة شراء النادي جاءت عام 2011، كما تمتلك الدوحة أيضاً "باريس سان جيرمان للكرة الطائرة" وترعى سباقات رياضية شهيرة منها "جائزة قوس النصر".
وكانت قطر تنوي تأسيس صندوق استثمار بمبلغ 300 مليون يورو، مخصصا للشركات الصغيرة والمتوسطة الفرنسية المبتكرة، كما رغبت قطر في تأسيس صندوق لتمويل مشروعات في ضواحي فرنسا، إلا أن تلك الأفكار باءت بالفشل، بعد جدل واسع خلال الحملة الانتخابية عام 2012.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، اتخذ مسافة من الدوحة منذ انتخابه عام 2012، كما أن الرئيس الحالي ماكرون، وجه خلال حملة الانتخابات الرئاسية، إشارات بإنهاء التغلغل القطري في فرنسا.
بدورها قالت صحيفة "لاديبش" الفرنسية، إن هيئة صندوق السيادة القطرية للاستثمارات، كان بوابة تلك الاستثمارات، التي نشطت خلال فترة ولاية ساركوزي، وهولاند، على الرغم من الانتقادات الواسعة، للامتيازات والوجود القطري على الأرض الفرنسية.
ودأبت الدوحة على إنفاق أموال الشعب القطري في شراء العقارات الفخمة في فرنسا، ومنها فنادق "كونكورد لافاييت"، "بنسييلا"، "فندق اللوفر" في باريس، فضلاً عن "مارتينيز" و"فندق كارلتون" في مدينة كان و"باليه دي ميديتيراني" في نيس.
وتعد قطر ثاني أكبر مساهم في مجموعة "أكرو أوتيل" الواقعة على آلاف الأمتار في شارع الشانزليزيه، وما يقرب من ربع شركة مزرعة "كازينو" في مدينة كان التي تمتلك فندق "ماجستيك باريي"، و"جراي دالبيون".
ويمتلك تميم بن حمد أمير قطر فندق "إيفرو" الواقع في مكان مرموق بساحة "فيندوم" في باريس، كما يمتلك شقيقه فندق "لامبير" الواقع في جزيرة "سان لوي".
ويمتلك النظام الحاكم في قطر أسهما في شركات "توتال"، و"فينسي"، و"فيوليا إنفيرومنت"، ومجموعة "إل في إم إتش" العالمية التي تستحوذ على الصناعات الفاخرة، و"فيفاندي"، كما اشترت قطر محل "بيريمتون" الشهير.
إنهاء امتيازات "الحمدين" في فرنسا
تشير صحيفة "لاكروا" الفرنسية إلى أن باريس تتجه نحو إنهاء الامتيازات القطرية في فرنسا، موضحة أن "هذه الإمارة الصغيرة، التي تعيش في قلب صراع دبلوماسي عنيف مع دول الجوار التي تتهمها بتمويل الإرهاب".
وخلال الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن عن رغبته لوضع حد لاتفاقات الامتيازات الفرنسية بالنسبة لقطر"، معتبراً إياها بأن بها شبهات تواطؤ تجاه الإمارة.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الإمارة الصغيرة الواقعة في الخليج العربي، تدفع باستثمارات بالغة في الغرب، منذ وصول أمير قطر السابق حمد بن خليفة للحكم عقب الانقلاب على والده عام 1995.
وأوضحت أن إجمالي الاستثمارات القطرية 40 مليار يورو سنويا، حيث تتجه الشهية القطرية نحو ضخ أموال إلى أوروبا لاسيما فرنسا التي أصبحت ثاني دولة مستفيدة من تلك الاستثمارات، فضلاً عن تمويل المؤسسات الدينية والثقافية المثيرة للجدل في أوروبا مثل "قطر الخيرية" في بريطانيا ومؤسسة "الأمل" وعدة مؤسسات دينية في سويسرا، منها مجمع النور الإسلامي.
وتساءلت وسائل إعلام أوروبية.. هل يتجه ماكرون لإنهاء هذا التغلغل القطري خاصة مع ضلوع قطر في دعم وإيواء التنظيمات الإرهابية التي لم تسلم أوروبا من هجماتها خاصة باريس؟ مشيرة إلى "فشل القوة الناعمة القطرية في أوروبا"، وأن الاستثمارات الضخمة التي ضخها "تنظيم الحمدين" خلال السنوات الماضية، في فرنسا بدأت بالانهيار.