أثناء تصاعد عمليات الإرهاب الدموية التي اجتاحت مناطق عديدة من العالم، وخصوصاً الإسلامي، وبشكل أخص في مصر لعدة سنوات، بعد سقوط حكم الإخوان بثورة شعبها عليه في 30 يونيو/حزيران 2013.
ظلت هناك نوعية من المواقف والكتابات، الغربية والعربية، تحللها وتفسرها بطريقة بدت وكأنها تبرر تلك الظاهرة المقيتة وليست ساعية لفهم حقيقتها.
ودوماً كان هناك ملمحان رئيسيان مشتركان لهذه المواقف والكتابات، الأول هو الزعم بتحري البحث عن تفسير لهذه العمليات الإرهابية في أزمات المجتمع والدولة، والثاني هو التهرب الدائم من وصفها أو من يقومون بها بالإرهاب، واستخدام مصطلحات أخرى لا تحمل الإدانة، بالرغم من استخدام بعض عبارات الإدانة لها أحيانا.
فأما عن الملمح الأول، فاستناداً إلى مزاعم الموضوعية في تلك الكتابات والمواقف، فأصحابها كانوا دوماً يطرحون أسئلة تحتمل كل الإجابات عما يرون أنها الأسباب التي أدت إلى تلك الممارسات. وكانوا دوماً أيضاً يميلون إلى الإجابات التي تختلط فيها الأوراق ولا يبين منها أي موقف واضح من هذا الإرهاب.
ومن بين تلك الإجابات الشائعة الغائمة لتفسير الممارسات الإرهابية ببلادنا، وجود أزمات سياسية و"تجاوزات" أمنية، بحيث يبدوان وكأنهما المفسران الوحيدان لها. وتكون النتيجة المنطقية لهذه الإجابة، حتى لو لم يعلنها أصحابها صراحة، هي أن الإرهاب هو رد فعل "الضحايا" و"المظلومين" تجاه من قمعهم أو ظلمهم، فلا يبقى لدى القارئ أو المشاهد أو المستمع غير أن يبدي تعاطفه مع القائمين به.
في هذه الإجابة المتعمدة لا يوجد أثر للأفكار أو الرؤى أو التعليمات التي تدفع إلى الإرهاب، فهو مجرد رد فعل "طبيعي" تجاه الظلم والقمع. في هذه الإجابة تختفي آلاف الصفحات وساعات التجنيد والحديث والخطابة التي تتضمن المسوغات التي يقدمها شيوخ الإرهاب وقادته الفكريون للشباب باعتبارها التبرير الشرعي للإرهاب، والتي تفسر قيامهم وحدهم، وهم أعضاء جماعات الإرهاب، من بين ملايين الشباب المظلومين أو المستبعدين بالإرهاب والعنف. وفي هذه الإجابة لا يبدو الإرهاب فقط مبررا ومعذور أصحابه، بل يبدو السبيل الوحيد لاستعادة الحق بيد الضحايا ورفع الظلم بيد المظلومين، فهكذا تنطق السطور حتى لو لم يصدر عن أصحابها هذا صراحة.
وكان البعض من هؤلاء يذهب لأبعد من السياسة والأمن في التفسير، أو في الحقيقة التبرير، إلى حيث الاقتصاد والاجتماع، فيستعين بأرقام وإحصائيات حول معدلات ونسب الفقر والحرمان في المجتمع، ليسقط عليها النظرية التي باتت من فرط ترديدها كالأسطوانة المشروخة: أنهما الجذر الحقيقي للإرهاب والدافع ربما الوحيد لسلوك طريقه. وبالطبع لم يكن هناك من براهين علمية أو واقعية على صحة هذا الادعاء، وبالرغم من وجود أدلة عكسه تماماً سواء في واقع مجتمعاتنا أو في شخوص الإرهابيين أو تكوين جماعاتهم، فقد ظل هذا الادعاء قائما حتى وقتنا هذا في كثير من الكتابات والتحليلات.
أما الملمح الثاني، وهو التهرب الدائم من وصف من يقومون بتلك العمليات الإجرامية بالإرهاب واستخدام مصطلحات أخرى بالرغم من استخدام بعض عبارات الإدانة لها أحيانا، فهو امتداد طبيعي للملمح الأول، فالاثنان يصبان في هدف واحد وهو تبرير ما يحدث من أعمال إرهابية إجرامية، مرة بتغطيتها بتفسيرات تمنحها المشروعية ومرة بإطلاق مسميات عليها تؤكد هذه المشروعية وتزيح عنها اسمها الحقيقي المقيت: الإرهاب.
وهنا تظهر ترسانة طويلة من المسميات التي أطلقتها تلك الطائفة من الكتاب والإعلاميين على عمليات الإرهاب والقائمين بها، مثل "المسلحون" أو "المحتجون" أو "المقاتلون" وغيرها، وأما العمليات نفسها فهي أيضا تتخذ مسميات أخرى محايدة لدى تلك الطائفة، فتكون أحيانا "عمليات عنف" أو "هجمات" أو "اشتباكات" وغيرها مما لا يظهر فيه أثر واحد لحقيقة "الإرهاب" المقيتة.
لقد كانت أغلبية تلك النوعية من الكتابات – ولا تزال – لا تعبر عن محض أخطاء في الرصد والتحليل، بل إن كثيراً منها يعبر عن هوى أصحابها وانحيازاتهم الفكرية والسياسية التي تتجه جميعهاً إلى "تبييض" وجه الإرهاب، وغسيل سمعته القبيحة الدامية، بتقديمه بالصورة التي لم يكن عليها أبداً في أي مكان بالعالم وفي أي مرحلة من تاريخه.
diaarashwan@gmail.com
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة