جنوب السودان.. عقد من الألم لم يقتل الأمل
ككل التحولات الكبرى، علق مواطنو جنوب السودان آمالا وتطلعات ضخمة، على استقلال بلادهم بعد استفتاء شعبي عام 2011.
وحين نالت جنوب السودان استقلالها عن جمهورية السودان بموجب استفتاء لتحديد المصير في عام 2011، حدت مواطنيها آمال كبيرة في الرفاهية والعيش الكريم، دعمها ما يتمتع به البلد الجديد من موارد نفطية وثروات طبيعية ضخمة.
إلا أن حصيلة السنوات العشر كدولة مستقلة كانت إعادة لإنتاج مشاكل جنوب السودان إبان فترة خضوعها لسيطرة الخرطوم، وخليط من الحرب والمعاناة والإحباط، وسط بصيص من الأمل.
وبعد أقل من عامين على إعلان الاستقلال، وبالتحديد في ديسمبر/كانون الأول 2013، دخلت جنوب السودان في حرب أهلية بين الحكومة بقيادة الرئيس سلفاكير ميارديت والمعارضة بقيادة ريك مشار.
وقضت الحرب على الأخضر واليابس وشردت أكثر من مليون مواطن في معسكرات اللجوء بدول الجوار، في وقت نزحت فيه أعداد كبيرة من المواطنين بمعسكرات الأمم المتحدة في مناطق مختلفة من البلاد، بغرض الحماية.
حتى من بقى في مناطقها، عانى من ويلات المجاعة والصراعات العشائرية الدائمة بسبب الفقر المدقع.
في خطابه بمناسبة إعلان استقلال دولة جنوب السودان بساحة الحرية في 9 يوليو تموز 2011، وعد سلفاكير، شعب الدولة الوليدة بالسلام والرفاهية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وقال: "من الآن فصاعدا، سنصبح أحرارا في بلادنا، وسنساهم في السلام والاستقرار الإقليمي، وسنصبح دولة منتجة يعيش شعبها في استقرار تام، حيث سنقوم بتوظيف البترول والزراعة لصالح التنمية والخدمات".
لكن جميع هذه الوعود وما تعلق بها من آمال تبددت تدريجيا بسبب صراعات السلطة التي نشبت داخل الحزب الحاكم، لتطيح بجميع التطلعات الكبيرة في البلاد، وبدلا من الرفاهية المنشودة عاش مواطنو جنوب السودان في أوضاع إنسانية صعبة وارتفعت معدلات الفقر بدرجة كبيرة.
الذكرى العاشرة
وبعيدا عن الآمال التي تبددت، طالب سلفاكير مواطني دولة جنوب السودان بالاحتفال بعيد الاستقلال العاشر في المنازل، دون أي احتفالات جماهيرية بسبب المخاوف المتعلقة بتفشي جائحة كورونا.
وقال بابا ميدان، نائب وزير الإعلام في تصريحات للصحفيين بجوبا: "في هذا العام، لن تكون هناك احتفالات رسمية بالذكرى العاشرة للاستقلال، فقد وجه الرئيس سلفاكير جميع المواطنين بالاحتفال من منازلهم".
وتابع أن الذكرى العاشرة للاستقلال تمر على جنوب السودان، وهي تشهد تحسنا في الوضع الأمني بسبب تنفيذ اتفاق السلام المنشط، مبينا أن هناك جملة من التحديات التي تعمل الأطراف في الحكومة والمعارضة على معالجتها، خاصة القضايا المرتبطة بالوضع المعيشي والأزمات الإنسانية.
ويقول إبراهام أووليج، أستاذ الاقتصاد بجامعة جوبا، في تصريح لـ"العين الاخبارية": "خلال سنوات الاستقلال العشر، زاد معدل الفقر في جنوب السودان بنسبة 31 في المائة، ويرجع ذلك لعدة عوامل منها الحرب والاقتتال بجانب الكوارث الطبيعية التي أثرت على الإنتاج".
وأشار أووليج إلى أن غياب التخطيط السليم عند الحكومة وتراجع الاستقرار السياسي إلى جانب استشراء الفساد بين النخب الحاكمة، هي الأسباب التي قادت إلى تردي الأوضاع وتراجع سقف الطموحات لدى المواطنين الذين باتوا ينظرون لسنوات الحرية والاستقلال كأعوام من المعاناة المستمرة، على حد قوله.
من جهته، قال مجلس كنائس جنوب السودان إن الحروب التي شهدتها البلاد أفضت إلى تراجع الروح القومية والشعور بقيمة الحرية والاستقلال بين مواطني البلاد، مشيرا إلى أن الصعوبات التي شهدتها البلاد خلال السنوات العشر الماضية أخمدت الشعور بالفرح في الشارع الجنوبي.
وتابع المجلس في رسالة بمناسبة مرور 10 سنوات على استقلال جنوب السودان، وصلت "العين الإخبارية" نسخة منها الخميس: "لقد توقعنا قبل عشرة أعوام أن تشهد بلادنا عهدا من الاستقرار والسلام وشعر الجميع بالتفاؤل بعد إعلان الدولة الجديدة، وقوبل ميلاد بلادنا بالفرح والتهليل والدموع، لكن كل هذا تسرب بفضل صراعات القادة السياسيين".
وأضاف "انحدرنا إلى مستوى أصبحنا نعتمد فيه على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية.. لقد تحول الفرح إلى صدمة كبيرة وإحباط عميق".
أمل جديد
من جهته، قال بيتر جيمس مارتن، وهو موظف حكومي بوزارة التربية يبلغ من العمر 44 عاما إن حلول الذكرى العاشرة لاستقلال جنوب السودان يعيد روح الأمل في المواطنين الذين باتوا ينظرون إلى إمكانية حدوث انفراج في البلاد بعد شروع الأطراف المتحاربة في تنفيذ بنود اتفاق السلام المنشط الموقع في العام 2018.
وتمنى مارتن، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن يلتفت القادة إلى مشاكل المواطنين خاصة تردي الأوضاع المعيشية.
وأضاف: "نعم كنا نعيش في حالة إحباط كبيرة بسبب الحرب وما أحدثته من دمار، لكننا الآن نعيش فترة تنفيذ اتفاق السلام، ونتمنى أن يلتفت القادة إلى المعاناة التي نعيشها، فنحن في حاجة لتحسين أوضاعنا المعيشية، وفي حاجة لسلام اجتماعي يعالج الشروخ التي أحدثتها الحرب".
ويمثل اتفاق السلام وتقاسم السلطة الموقع بين فرقاء جنوب السودان في 2018، بصيص الأمل في البلد حديث العهد، ويعلق عليه المواطنون كثيرا من الأمل في مستقبل أفضل.