التمدد التركي يبدأ من المدارس وتدريس الأطفال القطريين اللغة التركية، لضمان استمرار هذه العلاقة التي وجد فيها أردوغان فرصة عمره.
"صدقني تشارلي نريد لهذا الأمر أن ينتهي.. نريده أن ينتهي، لكن لا شيء على حساب كرامتنا وسيادتنا"، هكذا قال أمير قطر تميم في حواره مع قناة سي بي اس الأمريكية منذ فترة.
وقد بدى تميم حريصاً متحمساً مؤمناً بفكرة السيادة، وهذا الخطاب جاء مناقضاً تماماً مع ما نراه اليوم من تمدد تركي في قطر وتحالف إيراني.
التمدد التركي يبدأ من المدارس وتدريس الأطفال القطريين اللغة التركية، لضمان استمرار هذه العلاقة التي وجد فيها أردوغان فرصة عمره وطريق تحقيق حلمه بإعادة أمجاد أجداده وتمديد نفوذه لاستعادة الإمبراطورية العثمانية.
ما نراه الآن هو دولة تضيع إذا لم يتم تدارك الأمر وبشكل سريع، قطر تتحول إلى أرض جديدة لحرب محتملة يريدها أردوغان ضد دول المنطقة التي تقف في وجه أيديولوجياته وفكره الإخونجي، لكن لا يريدها على أرضه.
ومن المدارس إلى الشوارع حيث يرى القطريون قوات الجيش التركي تجوب شوارع البلاد بحرية، لقد ضاق الخناق حول أردوغان وضاقت سبله وجاءته فرصة احتلال قطر على طبق من ذهب، بل أكثر من ذلك جاءت بطلب قطري مدفوع وفي غاية السخاء.
ويعيدنا مثال الوجود التركي في قطر، خاصة توسيع النفوذ العسكري فيها إلى تاريخ غير بعيد، عندما احتل المستعمر الفرنسي وقتها تونس تحت مسمى "الحماية".
واحتلت فرنسا تونس بموجب اتفاقية حماية بدأت سنة ١٨٨١ وغيرت الهيكلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد. ولم تعلن تونس استقلالها من هذه الحماية التي تحولت إلى استعمار بأتم معنى الكلمة إلا بعد نضال ومواجهات وأرواح سنة ١٩٥٦.
ولا يزال التأثير الفرنسي سائداً إلى اليوم وبعد أكثر من قرن على المؤسسات الرسمية والخاصة، وتربت أجيال في تونس وتعلمت اللغة الفرنسية، وحتى الثقافة الاجتماعية والمؤسسات التعليمية ما زالت إلى يومنا هذا تحت تأثير "الحماية" الفرنسية.
هل هذا ما يريده تميم فعلاً؟ هل بات مضطراً أن يستجدي أردوغان ويستجلب قواته ويدفع ثمناً غالياً لحماية نفسه ونفوذه في البلاد، متجاهلاً خطر ضياع الهوية العربية، وأصالة الشعب القطري وانتماءه الخليجي العربي المسلم.
وقد كان من المفترض أن يستثمر ضعف النظام التركي ويكون عزيزاً في طلب الحماية إن احتاجها، وليس بالشكل المهين الذي رأيناه، هو ينفق أموال الشعب القطري على أردوغان ويسعى لإرضائه علناً، رغم أن الأخير مهدد بانهيار حكومته ونظامه في ظل التراجع الاقتصادي والتضخم المالي في بلاده، بعد انهيار الليرة التركية، والمآزق السياسية الداخلية خاصة الخارجية، والمواقف التي أدخل فيها الرئيس التركي دولته، وتورط تركيا في دعم الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، إضافة إلى المواقف الدبلوماسية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وتركيا وأوروبا من ناحية أخرى، وهذا له تأثير عميق سياسي واقتصادي خاصة في ظل مخاوف المستثمرين.
بالأمس نشرت صحيفة "فايننشل تايمز "البريطانية تقريراً يعكس فشل أردوغان، ووصفت الكاتبة لورا باتيل حالة أردوغان بأنه "يتألم" بسبب تراجع الاقتصاد، وإعلان حكومة أردوغان الذي كان يتباهى بإنجازاته عن وقف كل المشاريع الجديدة، وأن الحكومة لن تعلن عن أي مشاريع في وقت قريب.
وحذر المحللون حسب الصحيفة البريطانية من أن السياسة النقدية للبلاد يجب أن تتوازى مع حد كبير في الإنفاق من طرف الحكومة.
ونعود لفكرة السيادة ولكلام الأمير القطري عنها، هل هو يبحث عن الحفاظ على سيادته الشخصية؟ أو سيادة شعبه؟ وفي كلتا الحالتين، هل أن الاحتماء خلف الجيش التركي، والسماح للفكر الأردوغاني المسموم يضمن سيادة قطر؟
ما نراه الآن هو دولة تضيع إذا لم يتم تدارك الأمر وبشكل سريع، قطر تتحول إلى أرض جديدة لحرب محتملة يريدها أردوغان ضد دول المنطقة التي تقف في وجه أيديولوجياته وفكره الإخونجي، لكن لا يريدها على أرضه.
"الزعيم" التركي يحقق أحلام التوسع فعلياً وميدانياً، بدأ الأمر في سوريا التي ينقل خيراتها ومنتجاتها يومياً بلا رقيب ولا حساب، وفي العراق حيث جعل منه أيضاً لنهب الخيرات ومحاربة معارضيه.
أما في الدوحة فلم يأخذ الأمير القطري لا رأي شعبه ولا سياسيي بلاده عندما فتح بلاده على مصراعيها ليستبيحها الأتراك اليوم وغداً الفرس، ومتى تضاربت المصالح ستتحول الجزيرة إلى كرة من نار ولن يدافع وقتها أحد عن الشعب القطري التائه بين الهوية والبقاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة