انقسام أوروبي حاد.. «يوروفايتر» تعيد رسم تحالفات القارة العسكرية والاقتصادية

تعيد الخيارات الاستراتيجية حول المقاتلة الأوروبية "يوروفايتر" رسم موازين القوة الصناعية والعسكرية في القارة العجوز.
وقالت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية إن هزة جديدة طالت قطاع الدفاع الأوروبي، بعدما قررت إسبانيا وإيطاليا المضي قدماً في دعم مشروع المقاتلة "يوروفايتر"، مؤكدتين التزامهما ببرنامج أصبح رمزاً لمعادلة دقيقة بين القوة العسكرية والمصالح الاقتصادية.
ورأت الصحيفة الفرنسية أن هذا القرار يكشف عن انقسام عميق داخل أوروبا: دول تؤمن بمستقبل المشروع وتدعمه، وأخرى تنسحب تدريجياً من التعاون المشترك.
لماذا تعيد "يوروفايتر" تنشيط الصناعة؟
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ووفقاً لموقع techguru.fr، أقرّت إسبانيا شراء 25 طائرة ضمن برنامج Halcon II، فيما أكدت إيطاليا طلبية بارزة لتحديث أسطولها وتعزيز قدراتها الجوية.
وهذه الخطوات ضمنت تدفقاً صناعياً ملموساً وأعادت الثقة إلى خطوط الإنتاج التي استعادت وتيرتها، مع رؤية واضحة لسنوات مقبلة.
ومنحت الطلبية متنفساً للأعضاء الأربعة في البرنامج: ألمانيا، إسبانيا، المملكة المتحدة، وإيطاليا. مكاتب التصميم حافظت على خبراتها، والموردون استقرّت دفاتر طلبياتهم، فيما اطمأنت المناطق الصناعية إلى استمرار نشاط منظومة إنتاجية باهظة التكاليف ومرتبطة بمهارات عالية.
لكن مع هذا الزخم، لا تزال الأسئلة حول الجدوى الطويلة الأمد قائمة. فالكونسورتيوم مطالب بمواءمة الجداول الزمنية مع المعايير التقنية وأهداف التصدير. العملاء ينتظرون تحديثات متواصلة، في حين تضغط الموازنات الدفاعية وتفرض قرارات حاسمة. من دون رؤية موحدة، سرعان ما تضيق هوامش المناورة.
سلاسل الإنتاج والتنافسية الأوروبية
ووفقاً للصحيفة الفرنسية فإن الأثر الاقتصادي لا يقل أهمية عن البعد العسكري، موضحة إن آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة تعتمد على هذا البرنامج، كما أن استقرار الفرق الفنية يقلل مخاطر الجودة ويخفض التكاليف الخفية.
وبحسب الصحيفة الفرنسية فإن الأقاليم المستفيدة تحمي نسيجها الصناعي وتعزز مدارسها التقنية، فيما يمتد تأثير سلسلة التوريد ليحفز الابتكار.
والمصانع تستعيد طاقتها الإنتاجية، وتؤمّن وظائف، وتطلق برامج تدريب جديدة، لكن زيادة وتيرة الإنتاج مكلفة بسبب التطور المستمر للتقنيات.
وأوضحت "ليزيكو" أن المطلوب تحسين سلاسل التصنيع عبر إدارة دقيقة للمخزون ولوجستيات أكثر سلاسة. التتبع الرقمي لكل قطعة بات شرطاً لضمان السلامة وشهادات الاعتماد.
على الحكومات أن تتبنى استراتيجية موحدة بدعم مالي ثابت، خاصة في ظل المنافسة الشرسة مع الولايات المتحدة وروسيا، حيث التدقيق لا يقتصر على الأسعار بل يمتد إلى المدى العملياتي والتجهيزات الإلكترونية. المقاتلة الأوروبية مطالبة بإثبات كفاءتها في الميدان إلى جانب ضمان دورة حياة اقتصادية معقولة.
أسواق جديدة لـ"يوروفايتر"
ووفقاً للصحيفة فإن أي المستقبل مرهون بقدرة المقاتلة على التحديث المستمر في أنظمة الاستشعار، التسليح، والحرب الإلكترونية.
وشددت الصحيفة الفرنسية علي أن التحديثات ينبغي أن تكون مرنة وقابلة للتكامل السريع، بما يقلل من تعطيل الأساطيل، موضحة أن الاعتماد على معايير مفتوحة يسهل الدمج ويختصر زمن الاختبارات، ما يمنح القوات مرونة أكبر في التكيّف مع التحديات.
كذلك، يشكل الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذاتية محوراً أساسياً لمستقبل البرنامج. فالتكامل بين الإنسان والآلة، ودمج البيانات في القتال الشبكي، يعزز الكفاءة. الخوارزميات تدعم الصيانة التنبؤية وتقلل التوقفات غير المخطط لها، مما يخفض كلفة التشغيل ويرفع الجاهزية حتى في بيئات نزاع عالية التعقيد، بحسب موقع "بيوتي كيس" الفرنسي.
وقالت صحيفة "ليزيكو" إن التنافسية تفرض أيضاً نجاحات في أسواق التصدير، موضحة أن العملاء الدوليون لا يشترون طائرة فحسب، بل يبحثون عن حزم متكاملة تشمل التدريب، نقل التكنولوجيا، وخدمات ما بعد البيع. هنا يبرز دور الالتزام السياسي للدول المشاركة في منح الثقة للشركاء المحتملين.
لحظة حاسمة تتطلب التزاما جماعيا
البرنامج يقف عند مفترق طرق: فالطلبات الأخيرة توفر متنفساً مؤقتاً لكنها لا تضمن المستقبل. المطلوب هو توحيد الخطط، الاستثمار في الابتكار، وتعزيز فرص التصدير. وضوح التمويل يحمي الخبرات ويصون الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية.
وإذا تحقق هذا التناغم، ستبقى "يوروفايتر" مرجعاً أوروبياً في عالم الطيران العسكري وتنافس بجدارة القوى الكبرى.