المصارعة بجنوب السودان.. لعبة تقليدية تعزز ثقافة التعايش
تعد المصارعة التقليدية من المظاهر الاحتفالية المحببة في جنوب السودان، برغم انحصارها في مجتمعات محددة.
وتعتبر المصارعة لعبة وثقافة قديمة ظلت مجموعات "الدينكا والمنداري واللاتوكا"، تمارسها في بيئاتها المختلفة، لكنها انتقلت بسبب الحرب وظروف النزوح والتشرد إلى بقية المدن والمناطق، لتصبح واحدة من الوسائل التي تستخدم لبث ثقافة السلام والتعايش بين مختلف مجتمعات دولة جنوب السودان.
وفي السنوات الأخيرة تحولت المصارعة التقليدية من مجرد لعبة محدودة الأثر إلى بطولات يتم تنظيمها بشكل دوري في العاصمة جوبا وبعض المدن الرئيسية بالولايات، وخضعت لتنظيم كبير، حيث أصبح لها مدربون واتحادات وأندية وفرق محلية، وصار استاد مدينة جوبا قبلة هذه البطولات.
كشف ومدينق أجاك منيانق، أحد منظمي بطولات المصارعة في العاصمة جوبا ومدينة بور بجونقلي، أن المصارعة ممارسة ثقافية رياضية موجودة لدى قبيلة الدينكا، وتحفز روح المنافسة وتساهم في تخفيف الهموم، والمشاكل.
وقال "منيانق" لـ"العين الإخبارية": المصارعة من أكثر الألعاب الشعبية المحببة لدى مجتمع قبيلة الدينكا، حيث يظهر فيها الشباب قدراتهم القتالية، وقمنا بتطويرها مؤخرا لتأخذ شكل بطولات ومنافسات منظمة، من أجل تشجيع السلام والاستقرار في بلادنا.
ولدى المجموعات الرعوية وخاصة "الدينكا، المدناري، واللاتوكا"، فإن المصارعة تعتبر واحدة من الممارسات المتبعة في التربية وذلك بغرض تعزيز ثقافة الاعتماد على الذات لدى الذكور الذين ينبغي أن يتلقوا كافة التدريبات اللازمة لمواجهة صعوبات الحياة، ويتم تدريبهم في مراحات الأبقار خلال موسم الصيف.
أما لاقوك دوت، من ولاية البحيرات، يرى أن المصارعة تعد واحدة من الممارسات التي تتفرد بها منطقته، وقال: في منطقة البحيرات تحاول كل عشيرة سنويا تجهيز مصارعيها من الشباب في معسكرات مغلقة حتى يمثلوها بشكل جيد في مواجهة بقية العشائر الأخرى والانتصار عليها.
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "المصارعة هي واحدة من أشكال المنافسة السلمية عندنا، وتحظى بتشجيع واهتمام منقطع النظير، إذ تحاول كل مجموعة إثبات جدارتها في مواجهة مصارعي المجموعة الأخرى".
ولا تكتمل حلقة المصارعة بحضور المصارعين والجمهور فقط، فهناك مجموعة تقوم بالطقوس الاحتفالية.. والأزياء عبارة عن سترات من جلد النمر يضعها المصارعون، كما تقوم النسوة والفتيات الشابات بتأليف مجموعة من الأغاني التي تمجد قوة المصارعين وقدراتهم التي ورثوها من عشائرهم وأجدادهم.
فيما يرى لبول جوك، وهو أحد المصارعين المنحدرين من مدينة وبر بولاية جونقلي، أن المصارعة التقليدية واحدة من الممارسات التي تساهم في تعزيز السلام لأنها تقوم بتجميع مختلف المجتمعات والمجموعات في مكان واحد.
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "المصارعة تحقق السلام لأنها تجمع عددا من المجتمعات في مكان واحد وتخلق بينهم صداقات جديدة، كما أنها تحقق البهجة.. والخسارة شيء عادي لأنها ليست معركة أو مواجهة حقيقية".
وأصبح للمصارعة التقليدية جمهور كبير، حيث يكتظ استاد مدينة جوبا بالمشاهدين من مختلف المجموعات، كما يشارك الأجانب الذين يعملون في سفارات بلادهم ومجموعات أخرى تنشط بالتجارة، واستطاعت المصارعة أن تجذب اهتمامات جماعات أخرى لا تمارس اللعبة في مناطقها الأصلية.
وقال سبت رمضان لادو، وهو أحد مواطني مدينة جوبا، إنه ظل يداوم على حضور مباريات المصارعة التي تقام سنويا خاصة تلك التي يتنافس فيها "دينكا بور مع المنداري"، والتي تسبقها كرنفالات من العروض الثقافية في الرقص، والغناء، والأزياء.
وفي تصريحات لـ"العين الإخبارية" أضاف "لادو": أنا حريص على حضور مباريات المصارعة السنوية، فهي تسودها روح من التنافس الثقافي الحر، وأكثر ما يجذبني هو الجمهور، والمشجعين الذين يحضرون بأزيائهم التقليدية في تناغم كبير من الرقص، والتشجيع، فأنا أستمتع بأجواء المباراة أكثر من المباراة نفسها.
وتسهم المصارعة التقليدية كواحدة من أشكال التنافس بين المجتمعات المحلية في معالجة القضايا المرتبطة بالعنف والنزاع المجتمعي الذي يتسبب فيه نهب الأبقار وسرقتها في ظل انتشار السلاح في أيدي المواطنين بصورة كبيرة في مناطق جونقلي والبحيرات، حيث تساهم في خلق التقارب، وفتح فرص الحوارات السلمية.
ومؤخرا ازداد الاهتمام بالمصارعة التقليدية لكونها واحدة من الممارسات الشعبية التي يجب أن يتم تطويرها بتنظيم القوانين وتوفير الرعاية الكاملة لها، حتى يتم اعتمادها بشكل رسمي كرياضة تنظم لها البطولات على مستوى البلاد ككل حتى تساهم في التعريف بجنوب السودان كثقافة ومجتمع مسالم ومتسامح.
aXA6IDE4LjIyNy40OC4xMzEg جزيرة ام اند امز