إنه الخطاب، الذي ينتظره الشعب الأمريكي أول كل عام، كي يطّلع على رؤية الرئيس في السياستين الداخلية والخارجية.
فعلى إيقاع التصفيق أحيانا، وإطلاق صرخات الاستهجان المتكررة على مدار 73 دقيقة، هي مدة الخطاب، ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن خطاب حالة الاتحاد السنوي مُركّزا فيه على القضايا الداخلية، في رسالة وحدة للشعب الأمريكي، في وقت يشهد الواقع الداخلي انقساما سياسيا وحزبيا بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذين دعاهم بايدن للعمل معا، لإعادة بناء الاقتصاد، حيث بادر في مستهل خطابه إلى استدارة نحو رئيس مجلس النواب الجمهوري، كيفن مكارثي، وقال له ممازحا: "لا أريد أن أفسد سُمعتك، لكنني أتطلع إلى العمل معك".
أتى خطاب حالة الاتحاد في وقت يتصاعد الحديث فيه عن نية الرئيس بايدن إعلان ترشحه لفترة رئاسية ثانية، وفي ظل فترة يرى مراقبون أنها ستكون قاسية عليه، حيث سيُضطر للعمل مع الجمهوريين، الذين يسيطرون على مجلس النواب، حيث ستتم مناقشة المسائل المتعلّقة بتمويل مكافحة "كورونا" وتكاليف الرعاية الصحية وبعض الرسوم وإصلاح الشرطة.
وبحسب متابعين، فرغم "الجمود الاقتصادي"، الذي من المتوقع أن تعانيه الولايات المتحدة، تحدّث بايدن بنبرة متفائلة، معتبرًا أن الاقتصاد الأمريكي سيستفيد من 12 مليون وظيفة جديدة، وأشاد بمرونة الاقتصاد الأمريكي وقوته، إذ انخفضت معدلات البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ 54 عاما في يناير/كانون الثاني الماضي.
وهنا يمكننا أن نقف أمام خمس نقاط مركزية في خطاب حالة الاتحاد، الذي ألقاه بايدن:
الأولى: في السياسة الخارجية، ففيما حظي المنطاد الصيني باهتمام بالغ من قبل الدوائر الأمريكية، فإن بايدن مرّ على المسألة مرور الكرام واكتفى بالقول: "إذا هددت الصين سيادتنا، فسوف نتخذ إجراءاتٍ لحماية بلادنا.. وقد فعلنا".
ولم تحظ الحرب الروسية الأوكرانية بتركيز كبير من بايدن في خطاب حالة الاتحاد، واكتفى بالإشادة بدعم الحلفاء لكييف، ولم يُشر قط إلى الزلزال، الذي ضرب مناطق بسوريا وتركيا، والأزمة الإنسانية الناجمة عنه، والتي بدأت معالمها تتضح وتتعاظم.
الثانية: إنجاز المهمة الاقتصادية، فوفقا لاستطلاعات الرأي، فإن الاقتصاد هو محط اهتمام الأمريكيين، الذين يرون أن الولايات المتحدة لا تزال تعاني صعوبات اقتصادية، وإن كانت هناك ملامح تدل على التعافي بدأت تظهر، وفي هذا السياق، تحدث بايدن عن نسبة البطالة القياسية، وتناول معدل التضخم وأسعار الطاقة المرتفعة، وهي أمور أثَّرت بشكل سلبي على شعبيته، وقال إن البطالة والتضخم بدآ في الانخفاض، كمحاولة منه لتوجيه الأنظار صوب المستقبل.
الثالثة: تفادي الاصطدام بالجمهوريين، إذ نرى أن بايدن إذا أراد أن ينجز مهمة تحسين الأوضاع الاقتصادية، فإنه سيحتاج إلى مساعدة الجمهوريين، وعدم الاصطدام بهم في مجلس النواب.
ومن المفارقات أن ملامح وجه رئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، كانت مقياسا دقيقا لمدى نجاح بايدن في إقناع الجمهوريين بأنهم من الممكن أن يكونوا شركاءه في إنجاز المهمة، فعندما تباهى بالإنجازات، التي تمت عبر التعاون بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كان "مكارثي" يصفق بشكل مهذب، بل ويبتسم بين الحين والآخر.
وأشار الرئيس بايدن إلى التعاون في مجالات الإنفاق على البنى التحتية، والاستثمارات في تصنيع الشرائح الإلكترونية عالية التقنية، والمساعدات العسكرية لأوكرانيا، والحماية الفيدرالية لـ"زواج المثليين"، والإصلاحات الانتخابية، وغيرها.
الرابعة: آثار استهجان الجمهوريين، فالانقسام الحزبي بدا واضحا في الكونغرس، عندما تحدث بايدن عن رفع سقف الديون الحكومية، حيث ينخرط الرئيس بايدن وأعضاء مجلس النواب من الجمهوريين في معركة يتمسك فيها كلاهما بموقفه، في حين الاقتصاد على المحك، ولم يُبدِ بايدن في خطابه أنه على استعداد للتزحزح عن موقفه، ما استدعى ردات فعل من بعض النواب الجمهوريين كإطلاق صيحات استهجان وسخرية، وتجهَّم وجه "مكارثي" في هذه اللحظة، ووقفت عضوة الكونغرس، مارجوري تايلور غرين، التي كانت قد تجوّلت في وقت سابق في قاعات الكونغرس وبيدها بالون أبيض، وصاحت بأن الرئيس "كاذب".
الخامسة: مقترحات لن تُقر، فخطاب حالة الاتحاد لهذا العام لم يخرج عن سياق الخطابات السابقة، حيث تضمن قائمة طويلة من المقترحات والمشاريع، التي ليس أمامها فرصة كبيرة لتتحول إلى قوانين في الكونغرس، منها اثنان "إصلاح الشرطة" و"الرقابة على الأسلحة"، وقال بايدن في خطابه: "كلنا في هذه الغرفة بحاجة إلى أن نرتقي إلى مستوى المسؤولية.. لا يمكننا أن ندير ظهورنا".. لكن مَن يتابع آلية سنّ القوانين في الكونغرس يصل إلى نتيجة أن الرئيس بايدن سيواجه مشرّعين جمهوريين متحمسين لوضع بصمتهم "المحافظة" على السياسة الأمريكية بعد 4 سنوات من سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة