تعلمنا منذ نعومة أظفارنا أن "المنتصرين يكتبون التاريخ ويصبحون جزءا من توثيقه".
وهي عبارة إذا نظرنا إليها بتمعن نرى أنها لم تكن في المنتصرين بالحروب العسكرية فقط، فقد شهد التاريخ الإنساني المعاصر أن المنتصرين يكتبون التاريخ أيضاً بفرض السلام بمكوناته كافة، من الحوار والتسامح وقبول الآخر، ومد يد العون للغير، وجعل العالم ينظر إليهم باعتبارهم ليسوا مشاركين في رؤية المشهد العالمي كمؤيدين للسلام ومباركين إياه أو كمهللين لجهوده، بل بأنهم صناع للسلام ونزع فتيل الأزمات العالمية، التي لا يتورط فيها أطرافها فقط، بل يتأثر بها إقليم، وربما العالم أجمع.
فإذا كان الماضي يذكرنا بالعديد من الرموز، التي فرضت السلام وأصبحت نموذجا له، مثل السياسي الهندي المهاتما غاندي، والرئيس المصري الأسبق أنور السادات، فإن الحاضر والمستقبل يتحدث بقوة عن الحضور الاستثنائي في المشهد لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي حقق تفوقا نوعيا على المستوى الدبلوماسي، وتأثيره على العلاقات الخارجية يمثل الأكثر أهمية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجميع أنحاء العالم، وفرض بجهوده إحلال السلام، الذي جعل العالم أحوج ما يكون اليوم إلى حكمة سموه ونظرته الثاقبة في قراءة المشهد واستشراف المستقبل للمشهد الدولي، الذي يكفل للإنسانية مستقبلا يسوده السلام والاستقرار والتنمية، وخاليا من الإرهاب والتطرف والعنف.
ولعل منح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان جائزة "رجل الدولة-الباحث" العالمية المرموقة من معهد واشنطن العريق لسياسات الشرق الأدنى، والتي جاءت مع الذكرى السنوية الأولى للاتفاق الإبراهيمي التاريخي بين الإمارات وإسرائيل، والذي جاء جزء كبير منه لمصلحة الشعب الفلسطيني، تأتي معه دلالات هامة، ظهرت بشكل متباين في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، من خلال تفرد صاحب السمو بعدد من السمات الشخصية، التي تظهر فيها بوضوح الشخصية الاستثنائية للقائد السياسي.
الدلالة الأولى تتمثل في القدرة على إنهاء حالات التوتر بين الدول، حيث تمكن من إنهاء الصراع الأزلي بين إثيوبيا وإريتريا، وتدخل لرعاية اتفاق للسلام بين الحكومة الانتقالية في السودان وبين الجبهة الثورية في جنوب السودان، حيث ظل الصراع المسلح مستمرا بينهما لأكثر من خمسة عشر سنة، وعقد معاهدة سلام مع إسرائيل، تتضمن منع بناء مستوطنات جديدة على الأراضي الفلسطينية، بما يعيد ترتيب الأوراق للشعب الفلسطيني وفتح قنوات حوار بين الجانبين.
أما الدلالة الثانية فتتمثل في السياسي والعسكري، الذي استطاع أن يجعل الإمارات تظهر كقوة إقليمية، من خلال المشاركة العسكرية مع قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، من منطلق الأهمية الخليجية المشتركة في احتواء التهديدات الإيرانية، لضمان التوازن السياسي والعسكري الذي يفرض السلم.
الدلالة الثالثة ظهرت من خلال دور القائد المنفتح على العالم من أجل تعزيز أطر السلام وتحقيق التنمية والانتشار الدولي في سياق الأدوار الاستراتيجية لدولة الإمارات، فقد تمكن ذلك القائد الاستثنائي من زيادة الروابط الخارجية مع الدول خارج حدود منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد سبق أن دعاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى باريس في عام 2018، بهدف التنسيق ومناقشة خطط واستراتيجيات مكافحة الإرهاب، وصياغة خارطة طريق لشراكة مستقبلية في مجال السلم والأمن الدوليين ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى مجالات أخرى كالاستثمار والفضاء وغيرهما، كما جعل الإمارات شريكا قويا لسنغافورة في عام 2019 عبر توقيع مذكرة شراكة متكاملة في العديد من المجالات التنموية، وعقد اتفاقاً مع أفغانستان لتعزيز آليات التعاون في مجالات التعليم والثقافة والتعدين والطاقة والزراعة.
أما الدلالة الرابعة ففي إسهامه المباشر في تحول الإمارات من دولة شريكة في جهود إحلال السلام، إلى دولة صانعة للسلام تشارك في نسج وصياغة الأحداث، وتقدم نموذجاً متكاملاً لدولة التسامح، التي تحافظ على المصالح العالمية المشتركة بجانب مصلحتها الوطنية، وقد ظهر ذلك الدور بوضوح منذ زيارة سموه للبابا فرنسيس في عام 2016، ثم دعوته البابا في فبراير من عام 2019 إلى أرض الإمارات العربية المتحدة، والتي تعد أول زيارة بابوية لشبه الجزيرة العربية.
وتزامن وصول البابا فرنسيس مع الحدث العالمي، "المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية"، والذي عُقد تحت رعاية سموه وبمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعدد من قادة العالم، وتضمن مناقشات وورش عمل حول دور تعزيز التسامح والتفاهم المتبادل في منع الصراع والتطرف، وفي العام نفسه، الذي أسست دولة الإمارات فيه المعهد العالمي للتسامح، وعقد الدورة الأولى من القمة العالمية للتسامح برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وأخيرا وليس آخراً، فإن للجهود العالمية التي يبادر بها سموه من خلال قيام دولة الإمارات بمد يد العون لدول العالم في الأزمات والكوارث العالمية وفي الأوقات العصيبة في جميع أنحاء العالم، لها دلالة هامة تمثلت في رؤيته الثاقبة في كون المساعدات التي تقدمها دولة الإمارات في جميع أنحاء العالم، سواء على مستوى أوروبا، أو آسيا أو الأمريكتين، أو أفريقيا شمالا وجنوباً، لها دور محوري في حماية شعوب العالم من صناعة أجيال قد تقع فريسة للإرهاب الناتج عن الجوع والفقر، والذي تستغله المنظمات الإرهابية، وأن الإسهام المباشر في تلبية الغذاء والدواء والتنمية للجميع هو التزام إنساني، وهو نهج أساسي لأبناء الإمارات لا يحيدون عنه لتحقيق السلم الدولي، ولتشجيع القوى والتكتلات العالمية على تعزيز تلك الجهود والتكامل معها والسير على خطاها، ليكون السلام سبيلا وحيدا للعيش المشترك وللمصير الواحد.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هو صانع حقيقي للسلام العالمي، وهو نموذج لرجل الدولة الباحث عن السلام في إطار حماية المصالح الوطنية لدولة الإمارات، وإذا كنا اليوم نهنئ سموه بحصوله على الجائزة العالمية، فنحن أيضاً نهنئ الإنسانية بهذا النموذج العالمي في صناعة السلام والسعي إليه في كل بقاع الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة