أزمة السودان.. كيف أشعلت السياسات الأمريكية فتيل الحرب؟
بعد أن كان السودان قاب قوسين أو أدنى من وضع لبنات اتفاق إطاري ينهي الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ 25 أكتوبر/تشرين الثاني 2021، انقلبت البلاد إلى حرب داخلية وفوضى قد تمتد طويلا.
اشتباكات ورصاص لا ينقطع منذ السبت الماضي أودى بحياة المئات، أرجعته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إلى سياسات واشنطن في السودان على مدار السنوات الماضية.
وبالعودة إلى الوراء وتحديدا في 2019 عندما أدت شهور من الاحتجاجات إلى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، بدا أن ثلاثة عقود من السياسة الأمريكية لدعم الديمقراطية قد تؤتى ثمارها أخيرا.
لكن ضغطت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى على المحتجين المدنيين والجيش لتشكيل حكومة انتقالية، ونص الدستور الانتقالي النهائي أنه من المقرر إجراء الانتخابات في 2022.
ووفق المجلة فإن اللحظة التي تم الاتفاق فيها على هذا الدستور الانتقالي كانت اللحظة التي ضاع فيها أمل الديمقراطية في السودانية، لافتة إلى عملية السماح للجيش بإدارة البلاد بالجزء الأول من المرحلة الانتقالية.
ونقلت عن سارة عبدالجليل المتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين، التي ساعدت في تنظيم الاحتجاجات قولها: "ما زلنا لم نحقق ما نناضل من أجله. عمر البشير ليس موجودا، لكن النظام نفسه لايزال موجودا. لم يتحقق الهدف الأول. ولم يتحقق الهدف الثاني، المتمثل في حكومة مدنية. وكأن هناك انحرافا في منتصف رحلتك".
وكان "قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان مؤتمنا من قبل واشنطن على الوفاء بوعده بالديمقراطية"، بحسب المجلة، "لكن عندما بدأت المرحلة الانتقالية، كان واضحا أن الآمال الغربية في الديمقراطية بعيدة المنال".
وفقد العنصر الأساسي للحركة الاحتجاجية في السودان عام 2019، النقابات العمالية، قوته بسبب الاقتتال الداخلي. وتنازعت الأحزاب السياسية المدنية على السلطة، ومنع البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي الإصلاحات التي أراد تحقيقها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وفق فورين بوليسي.
وأضافت: "انتهى وهم أي سلطة مدنية عام 2021، بحسب التحليل، عندما تمت الإطاحة بحمدوك وتأكد خواء الوعد العسكري بتسليم السلطة إلى المدنيين، وانكشفت العيوب الجوهرية بالعملية الانتقالية التي دعمتها الولايات المتحدة".
وأشارت إلى أنه "ربما كان أهم مثال على أوهام الولايات المتحدة هو إصرار واشنطن على توصيف المرحلة الانتقالية في السودان بأنها "بقيادة مدنية"، حيث لم يكن هناك شيء متعلق بانتقال السودان يقوده المدنيون".
وأوضح الدستور الانتقالي لعام 2019 أن الجيش سيقود البلاد على مدار أول 21 شهرا من الانتقال، يتبعه المدنيون على مدار الـ18 شهرا التالية.
واعتبرت أنه "رغم أن حمدوك كان رئيس وزراء مدنيا، إلا أنه في الغالب أكثر وظيفة عاجزة. ومع ذلك، أصرت الحكومة الأمريكية على هذه العبارة، حتى عندما تكرر تأجيل ميعاد التسليم العسكري إلى المدنيين".
وأكد أن "الدستور الانتقالي الذي دعمته الولايات المتحدة صفقة سيئة، ثم ساهمت السياسات الأمريكية والغربية اللاحقة في السودان مباشرة في العنف الذي نراه اليوم".
وحول سبب الأزمة الحالية، أوضحت أنه "على مدار شهور، عقدت مفاوضات مكثفة لمحاولة دفع البرهان وحميدتي للاتفاق على مسار للمضي قدما، لكن كانت المشكلة أنه لم يرد الجانبان التخلي عن السلطة التي حصل عليها".ووفق المجلة الأمريكية فإن القوى الوحيدة التي ربما لديها قدرة محدودة على تشكيل الأحداث في السودان هي الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. ولمحاولة منع التوقعات القاتمة بتفكك الدولة في السودان، تعمل الحكومة الأمريكية مع الدول العربية لحلحلة الأزمة.
ومع ذلك، نقلت عن دبلوماسيين غربيون أن "العودة إلى الوضع الذي سبق 15 أبريل/نيسان أصبح غير مرجح على نحو متزايد مع استمرار القتال".