"الديم السوداني".. إثيوبيا مصغرة في قلب الخرطوم
الشخص الذي يدخل سوق "الديم" جنوبي الخرطوم لأول مرة، يشعر بأنه في أديس أبابا أو أسمرا، فكل شيء هناك أصبح على النمط الإثيوبي والإريتري.
يمثل حي "الديم" وسط العاصمة السودانية الخرطوم، وجهة محببة لرعايا دولتي إثيوبيا وإريتريا وملاذاً آمناً للمهاجرين من البلدين لما يتجاوز ثلاثة عقود ماضية، لدرجة تغيرت معها هوية الحي الخرطومي العريق.
الشخص الذي يدخل سوق ضاحية "الديم" جنوبي الخرطوم، لأول مرة يراوده إحساساً أنه في أديس أبابا أو أسمرا، فكل شيء هناك أصبح على النمط الإثيوبي والإريتري، فالمكان يصدع بأغنيات عمالقة الفن الإثيوبي "تيدي أفرو" و"شرورو" و"تقسيس"، بجانب فنان الشباب الإريتري سعيد برهانو وآخرين.
تلك الإيقاعات تخرج إلى مسامع الزوار من داخل مقاهٍ وكافيتريات تغطي جنبات سوق "الديم" وهي تمتلئ بالمأكولات والمشروبات الإثيوبية والإريترية، بجانب محال تجارية غنية بالملابس والمنتجات الشعبية الخاصة بالبلدين الشقيقين.
ولم يشكل الديم مجرد مكان لجني الرزق بالنسبة لرعايا إثيوبيا وإريتريا في السودان، وإنما ارتبطوا به وجدانياً ولا يستطيعون فراقه، كما تقول "سمرة"، وهي سيدة إريترية في العقد الخامس من العمر.
وأضافت "سمرة" التي تحدثت لـ"العين الإخبارية" بلغة عربية رفيعة: "ظللت في الديم لأكثر من 35 عاماً أعمل في بيع الشاي، وأنجبت معظم أبنائي هنا، فهذا الحي بالنسبة لنا كل شيء، لا أرغب في مغادرته لأي وجهة أخرى".
وأكثر ما شد السيدة الإريترية خلال وجودها في الخرطوم، هو حسن تعامل سكان حي الديم من السودانيين معهم، لدرجة جعلتهم لا يشعرون بالغربة وويلاتها، ويتمسكون بالبقاء لأطول فترة، قائلة "كأنني أعيش وسط أسمرا الآن".
ويغطي الإثيوبيون والإريتريون معظم مجالات العمل التجاري والحرفي في منطقة الديم، فتجدهم سائقين "ركشات" ومركبات نقل داخلي، وفي محال الملابس والكافيتريات والمقاهي وصالونات الحلاقة وغيرها، بعد أن أطلقوا عليها مسميات مرتبطة ببلادهم.
ويقول سيوم تيكي، وهو شاب إثيوبي في العقد الثالث، إنه كان يعمل في شركة سودانية بالعاصمة الخرطوم عن طريق الراتب الشهري، وانتقل إلى "الديم" قبل عامين رغبة في العمل المستقل، فأسس محلاً تجارياً لبيع المنتجات الشعبية الإثيوبية.
ويشعر سيوم تيكي بمتعة متناهية ليست لكونه استطاع افتتاح محل خاص به في الديم فحسب، بل تمكنه من جذب الجمهور السوداني لمنتجات بلاده التقليدية، قائلاً :"معظم زبائني سودانيون، فهم يحبون عسل النحل والسمن والبن ومعدات القوة والملبوسات الشعبية القادمة من إثيوبيا".
وأضاف خلال حديثه لـ"العين الإخبارية": "نعيش في راحة تامة ولا نتعرض لأي مضايقات، ونمارس عملنا بكل حرية، فالسودانيون يحبوننا كثيراً ويحبون كذلك المنتجات الإثيوبية، فنحن إخوة بشدة".
ويشكل حي الديم محطة التقاء لكل الإثيوبيين والإريتريين الموجودين بالعاصمة السودانية الخرطوم أيام العطلات والمناسبات العامة.
ويقول ولسن قيتاتشو، وهو شاب إثيوبي يعمل بمؤسسة خاصة بالخرطوم، إنه يذهب إلى الديم يوم الجمعة من كل أسبوع، للقاء أصدقائه وأبناء بلاده، ويأكل معهم الزقني (وجبة إثيوبية)، ويحتسي معهم القهوة، فضلاً عن التعرف على أحوال البلد.
وأضاف قيتاتشو الذي تحدث لـ"العين الإخبارية": "الديم بالنسبة لي كأنه أديس أبابا، وعندما أذهب إليه يختفي إحساسي بالغربة تماماً، رغم أن السودان كله يمثل بلدنا الثاني لما نجده من تعامل جيد".
لهفة ارتياد حي الديم لم تقتصر على رعايا إثيوبيا وإريتريا فحسب، وإنما ظل كثير من السودانيين خاصة الشباب المهتمين بالثقاقة الإثيوبية الإريترية يذهبون إلى هناك باستمرار، وهذه كحالة فتحي عبدالرحمن (25 عاماً)، الذي يجد في "الديم" متنفساً عقب الانتهاء من دوام عمله في مكان آخر بالعاصمة.
وقال عبدالرحمن لـ"العين الإخبارية" إنه يحب سوق الديم كثيراً، ويحضر إليه في الأمسيات بشكل يومي، لأنه يحب المأكولات والقهوة الإثيوبية كثيراً، مضيفاً "لدي أصحاب كثر هنا، وأرغب في تعلم اللغات الإثيوبية والإريترية حتى يتعمق تواصلي معهم، إنهم طيبون ويحترمون الآخر".
وعن سر تفضيل الإثيوبيين والإريتريين لحي الديم على غيره من المناطق الأخرى، يقول أزهري عبدالله، مواطن سوداني (55 عاماً)، إن ذلك يرجع إلى أن هذه المنطقة بسيطة في تركيبتها، وتشبه إلى حد بعيد البيئة التي جاءوا منها.
وأفاد عبدالله، وهو من قدامى سكان حي الديم، في حديثه لـ"العين الإخبارية" بأن توافد المواطنين الإثيوبيين والإريتريين إلى "الديم" بدأ منذ حوالي 35 عاماً، لكنه ازداد في الـ15 سنة الماضية، مشيراً إلى أن سكان الديم لم يبدوا أي انزعاج من أخوتهم الإثيوبيين والإريتريين، فاستقبلوهم بحفاوة واختلطوا معهم في تعايش سلمي منقطع النظير.
aXA6IDMuMTQ0Ljg5LjQyIA==
جزيرة ام اند امز