«فشل جديد للجيش».. قرار «العدل الدولية» بعيون قانونيين وسياسيين سودانيين

قرار محكمة العدل الدولية بشأن الدعوى المرفوعة ضد الإمارات، قوبل بتفاعل كبير في أوساط القانونيين والسياسيين في السودان.
فالقرار يعني هزيمة ساحقة لمنهج التضليل وتزييف الحقائق؛ الذي انتهجته حكومة الجيش السوداني في تصميم الدعوى "المشطوبة" بأمر المحكمة.
وقضت محكمة العدل الدولية في جلستها أمس الإثنين برفض الدعوى التي تقدم بها السودان ضد الإمارات. وجاء الرفض بأغلبية ساحقة (14 قاضيًا مقابل 2) بعدم اختصاص المحكمة، بينما صوّت 9 قضاة مقابل 7 لشطب القضية نهائيًا من سجلاتها.
ويعود قرار المحكمة إلى تحفظ قانوني قدمته الإمارات عند انضمامها إلى اتفاقية منع الإبادة الجماعية عام 2005، حيث استثنت نفسها صراحة من البند التاسع الذي يسمح بإحالة النزاعات حول تفسير الاتفاقية أو تطبيقها إلى محكمة العدل الدولية.
سؤال مشروع
بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها في القضية التي رفعتها حكومة الجيش السوداني في "بورتسودان" ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، وقضت بعدم الاختصاص وشطب القضية من السجل العام لقضايا المحكمة، اشتعلت على الفور منصات التواصل الاجتماعي في السودان، تنديدًا بالدعوى ونقدًا صريحًا لما انطوت عليه من محتوى قانوني ضعيف. ولم تخلُ تفاعلات السودانيين من السخرية والاستهجان لطبيعة الدعوى نفسها.
نصر الدين عبدالباري وزير العدل في حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، كتب متسائلًا في منصة (X): إن القوات المسلحة السودانية، التي يمكن تسميتها بمؤسسة "الإبادة" الجماعية السودانية، بسبب مسؤوليتها عن مقتل حوالي ثلاثة ملايين إنسان في جنوب السودان فقط، وتدّعي حرصها على تحقيق العدالة لأهلنا "المساليت"، هل ستقوم بتسليم قائدها العام السابق، عمر البشير، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية منذ 12 يوليو 2010 بتهم الإبادة الجماعية ضد المساليت و"الفور" و"الزغاوة"؟ وهل ستسلم كذلك وزير الدفاع الأسبق، الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد محمد هارون، المطلوبين للمحكمة بسبب الجرائم التي ارتكبتها هذه المؤسسة أو تسببت في أو أشرفت على ارتكابها ضد المساليت ومجموعات أخرى في دارفور؟ مشيرًا إلى أن هؤلاء الأشخاص يقيمون في مناطق تخضع لسيطرة هذه المؤسسة، التي توفر لهم الحماية الكاملة.
وتأتي إشارة عبدالباري إلى قبيلة "المساليت" تحديدًا، بسبب أنها الموضوع الذي تدور حوله فحوى الدعوى التي تم تقديمها ضد الإمارات، وفي وقت ارتكب فيه الجيش السوداني جرائم إبادة وتطهير ضد هذه المجموعات السكانية في إقليم دارفور غربي السودان في عهد الرئيس السابق عمر البشير، مما جعله مطلوبًا للعدالة الدولية بتهمة جرائم ضد الإنسانية، بينما نفس القيادة الحالية للجيش السوداني هي التي تقوم بتوفير الحماية في مناطق سيطرتها للمطلوبين للعدالة الدولية بالجرائم ذاتها.
سخرية لاذعة
الخبير القانوني السوداني، سيف الدولة حمدنا الله، سخر من الخطأ الإجرائي الذي قامت عليه الدعوى ضد الإمارات، معتبرًا أنها دعوى أُهدرت فيها أموال طائلة بسبب التضليل الذي مارسته وزارة العدل وطاقمها على أساس أنها قضية "مضمونة".
وقال سيف الدولة على صفحته الخاصة في "فيسبوك" ساخرًا: "لا توجد خيبة لمحامٍ مثل أن تُرفض دعوى موكله بسبب عدم الاختصاص النوعي للمحكمة التي أقام أمامها الدعوى".
وأضاف أن "العتب في رفض الدعوى التي رفعها السودان أمام محكمة العدل الدولية لا يرجع إلى المحامين الأجانب الذين ترافعوا عن الحكومة أمام المحكمة الخطأ".
وتابع قائلًا: "لقد قبض أولئك المحامون الأتعاب كاملة، ومضوا إلى منازلهم يتابعون مباريات كرة القدم، لكن العتب على وزير العدل وطاقم وزارته الذين ضللوا كثيرين من الذين فهموا من فعلهم بأنها قضية مكسب مضمون، ثم كانت هذه النتيجة بعد أن أُهدر بسببها عشرات الملايين من الدولارات، وفي وقت الوطن في حاجة إلى أي "فلس" منها".
هشاشة قانونية
ولم يتوقف التفاعل مع قرار الدعوى ضد الإمارات عند أهل القانون فقط في السودان، لكن سرعان ما تحول قرار المحكمة إلى موضوع نقاش ساخن في أوساط السياسيين أيضًا.
رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، مصباح أحمد محمد، علّق على قرار رفض الدعوى وانعكاساته السياسية على الأوضاع في السودان، قائلًا لـ"العين الإخبارية" إن "القرار لم يكن مفاجئًا، نظرًا لهشاشة الملف القانوني المقدم وضعف حيثياته".
وأضاف أنه "مع ذلك، فقد أثارت القضية جدلًا واسعًا وزخمًا إعلاميًا كبيرًا حول طبيعة الاتهامات المطروحة".
وتابع مصباح قائلًا: "من الناحيتين السياسية والقانونية، فإن الحكومة السودانية خسرت الدعوى، وأضاعت فرصة ثمينة لفتح حوار بنّاء مع الدول المختلف معها، يمهد لبناء علاقات دبلوماسية متوازنة".
وأعرب عن أسفه لأن الحكومة السودانية ووزارة "خارجيتها" دمّرت خلال الحرب علاقات السودان مع معظم دول الجوار، وهو ما عده إخفاقًا دبلوماسيًا بالغ الخطورة في هذا "التوقيت" الحرج.
وأوضح أن السودان في أمس الحاجة إلى جواره الإقليمي، وعلاقات دولية جيدة للخروج من العزلة الدولية التي فُرضت عليه منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وأشار إلى أن ذلك لن يتحقق إلا بالعودة إلى الحكم المدني، وإنهاء الوضع غير الشرعي الذي فرضته السلطة الانقلابية الحالية، عبر عملية سياسية شاملة تعالج جذور الأزمات وتعيد البلاد إلى مسار الاستقرار والديمقراطية المدنية.