أزمة السودان.. جدة تنتظر النداء والخرطوم خارج الخدمة
نزوح وتشريد وباب مسدود أمام هدنة تفاوض يرغب السودانيون في أن تقود إلى وقف إطلاق نار دائم، ليزيح كابوس القتال الداخلي.
يوميات السودانيين العصيبة زاد من حدتها غياب بروق السلام من سماء السعودية، بعد أن تم تعليق مفاوضات جدة بين "الدعم السريع" والجيش السوداني إلى أجل غير مسمى.
وهو تعليق قد يطيل من أمد الحرب التي قضت على الأخضر واليابس، وأحالت العاصمة الخرطوم إلى رماد، وأنهكت البنية التحتية، وتركت آلاف الفقراء والمرضى في وضع لا يحسدون عليه إطلاقا.
ضغط على الطرفين
وبينما يضغط الفريقان على الزناد لاستئناف الاقتتال يقول الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر إن تعليق التفاوض يمثل كروت ضغط على الطرفين للالتزام ببنود وقف إطلاق النار قصير المدى.
واعتبر المحلل السياسي السوداني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الانتهاكات والخروقات من الطرفين تمثل إعاقة لأي عمل إنساني خاصة إيصال الأغذية والأدوية، متوقعا أن تشكل العقوبات الأمريكية التي صدرت مؤخرا عامل ضغط على الأطراف حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق نار دائم.
معاناة المرضى
ومع استمرار الوضع الصحي الكارثي ما زال المرضى يسافرون إلى عواصم الولايات الأخرى في أنحاء السودان طلبا للعلاج.
ويقول المواطن فاروق موسى، الذي تحدث عن معاناته لـ"العين الإخبارية": "سافرت إلى مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض (جنوب) طلبا للعلاج بعد خروج معظم مستشفيات العاصمة الخرطوم عن الخدمة".
وفي حديثه عبر الهاتف، يضيف موسى أن "البقاء في الخرطوم مخاطرة كبيرة في ظل استمرار المعارك اليومية، ونقص الخدمات الضرورية مثل الكهرباء والمياه والدواء".
وطبقا لنقابة أطباء السودان فإن 67% من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة، فمن أصل 89 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات هناك 60 متوقفة عن الخدمة، و29 تعمل بشكل كامل أو جزئي (بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط) وهي مهددة بالإغلاق أيضا نتيجة نقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية والتيار الكهربائي وشبكة المياه.
وذكرت النقابة غير الحكومية في بيان أن جميع المرافق الصحية ما تزال خارج الخدمة في مدينة الجنينة، بعد أن تم الاعتداء عليها ونهبها، والعبث بمحتويات المخزن المركزي للدواء وسكن الأطباء ومكاتب الهلال الأحمر.
البيان لفت أيضا إلى أن 17 مستشفى تم قصفها، و21 أخرى تعرضت للإخلاء القسري منذ بداية الحرب، فيما تعرضت 11 عربة إسعاف للاعتداء من قبل القوات العسكرية، وغيرها لم يسمح لها بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعينات".
نقص الخدمات
وما زالت الخدمات الضرورية كالكهرباء والمياه والإنترنت في حالة انعدام شبه كامل، إذ ينقطع التيار الكهربائي لمدة 24 ساعة وكذلك المياه والإنترنت.
ورصدت "العين الإخبارية" طوابير طويلة أمام المخابز، ومحلات بيع الفحم الطبيعي، جراء انعدام غاز الطبخ.
وتقول المواطنة ليلى إبراهيم، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن غاز الطبخ معدوم منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/شباط الماضي، ولا يتوفر حتى في السوق السوداء، "لذلك لجأنا إلى الفحم لتجهيز الوجبات اليومية".
وأشارت المواطنة السودانية إلى أن "الوضع سيئ للغاية، وكل مدخراتنا المالية أنفقناها، ونسأل الله أن يلطف بعباده".
نزوح يتصاعد
وما زالت عملية نزوح المواطنين من منازلهم إلى الولايات الأخرى مستمرة، إذ رصدت "العين الإخبارية" خروج مجموعات كبيرة من الأسر في طريقها إلى ولايات الجزيرة (وسط) ونهر النيل والشمالية (شمال) والبحر الأحمر وكسلا والقضارف (شرق) هربا من الرصاص ودوي المدافع.
ويقول المواطن عبدالباسط يوسف "حاولت قدر المستطاع البقاء في الخرطوم أملا في هدوء الأوضاع، لكن يبدو أن المسألة ستطول مع تعليق المفاوضات في جدة".
وأشار يوسف في حديثه لـ"العين الإخبارية" عبر الهاتف "قررت أخيرا السفر إلى ولاية كسلا هربا من الحرب، ونأمل في أن نعود قريبا".
وتقول الأمم المتحدة إن الصراع أسفر عن مقتل المئات ونزوح أكثر من 1.2 مليون شخص داخل السودان، ودفع 400 ألف آخرين إلى عبور الحدود إلى بلدان مجاورة.
أمل السلام يتلاشى
ومساء أمس الخميس، أعلنت السعودية والولايات المتحدة تعليق محادثات جدة بين أطراف الصراع في السودان، نتيجة "الانتهاكات الجسيمة والمتكررة" لوقف إطلاق النار.
وقالت الدولتان الراعيتان لمباحثات جدة، في بيان باسمهما نشرته السفارة الأمريكية لدى السودان عبر تويتر: "تعلن السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تعليق محادثات جدة بصفتهما المسهّلين (الرعاة)".
وبحسب البيان "يأتي هذا القرار نتيجة الانتهاكات الجسيمة المتكررة لوقف إطلاق النار قصير الأمد، وتمديد وقف إطلاق النار المؤخر من قبل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".
وتابع: "أعاقت تلك الانتهاكات إيصال المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية التي هي هدف وقف إطلاق النار قصير الأمد".
وأضاف بيان السفارة الأمريكية "المسهّلون يذكّرون الطرفين بأنهما لا يزالان ملتزمين بالتزاماتهما بموجب إعلان جدة في 11 مايو/أيار، للالتزام بحماية المدنيين في السودان وتمديد وقف إطلاق النار لمدة 5 أيام في 29 مايو/أيار".
وأردف أن "الرعاة أبلغوا الطرفين بالخطوات التي سيتعين عليهما اتخاذها لإثبات التزامهما الجاد بمحادثات جدة، واتخاذ إجراءات بناء الثقة التي يريدان تنفيذها من قبل الطرف الآخر قبل استئناف محادثات جدة".
لكن البيان المشترك حرص على تأكيد استعداد الرياض وواشنطن لإعادة عقد محادثات جدة بمجرد أن يتخذ الطرفان "الخطوات اللازمة".
وقال إنهما "على أهبة الاستعداد للعمل بجدية مع الطرفين لاستئناف محادثات جدة بمجرد اتخاذ خطوات يمكن إثباتها لتنفيذ الالتزامات لتمكين المساعدة الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية".
وبيّن أنه "على الرغم من عدم تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل كامل، إلا أن وقف إطلاق النار الأول لـ7 أيام أدى إلى بعض الانخفاض في القتال ومكّن من وصول المساعدات الإنسانية إلى حوالي مليوني سوداني".
ومنذ 15 أبريل/نيسان الماضي، اندلعت في عدد من مدن السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، معظمهم من المدنيين.