بوادر خلافات تضرب الجيش وحلفاءه في السودان.. فهل ينهار التحالف؟

جدل كثيف وخلافات كانت مكتومة بين الحلفاء في معسكر الجيش السوداني، بدأت تتفجر الآن، وتأخذ طريقها إلى العلن.
جاء ذلك في أعقاب سيطرة قوات الدعم السريع على مخيم "زمزم" للنازحين، وإحكام الحصار على مدينة "الفاشر" حاضرة شمال دارفور، غربي السودان.
وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مخيم "زمزم" للنازحين، الذي يبعد 12 كيلومتراً جنوب الفاشر، بعد معارك عسكرية أدت إلى مصرع العشرات من المواطنين، وفاقمت من سوء الأوضاع الإنسانية في المخيم المكتظ بآلاف النازحين.
الأمر الذي قوبل باستنكار وإدانة شديدة من جميع الفاعلين في المجتمعين الدولي والإقليمي، محمّلين طرفي الصراع في السودان كامل مسؤوليتهما عن استمرار الحرب وتمددها، دون مراعاة للنداءات الدولية والإقليمية المتكررة بضرورة حماية المدنيين.
إدانة دولية
وأدانت دولة الإمارات العربية المتحدة بشدة استهداف النازحين والعاملين في الإغاثة، داعية إلى احترام القانون الدولي، وعدم عرقلة وصول المساعدات.
ودعت وزارة الخارجية الإماراتية جميع الأطراف التي لا تضع أدنى اعتبار لحجم المعاناة التي يكابدها الشعب السوداني، إلى احترام التزاماتها وفق القانون الدولي وإعلان جدة، ووفق آليات منصة "متحالفون لتعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان (ALPS)"، وضرورة اتخاذ خطوات فورية لحماية المدنيين، وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، وبكافة الوسائل المتاحة، ودون أية عوائق.
كما أعربت وزارة الخارجية السعودية، الأحد، عن إدانة المملكة واستنكارها للهجمات التي تعرضت لها مخيمات النازحين في مدينة الفاشر (زمزم وأبو شوك)، واعتبرتها "انتهاكاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".
بدوره، أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، سقوط عشرات المدنيين جراء الهجمات، مشدداً على ضرورة السماح للمدنيين بمغادرة الفاشر بأمان.
فيما نددت الولايات المتحدة بالهجمات، مطالبة بفتح ممرات إنسانية فورية، ومحاسبة منتهكي القانون الدولي الإنساني.
حملة دعائية
من جانبها، نفت قوات الدعم السريع، السبت الماضي، مسؤوليتها عن أي هجمات تستهدف المدنيين، وقالت إنها تلتزم بالقانون الإنساني الدولي، ووجهت انتقادات شديدة لما وصفته بحملة دعائية "تستهدف تشويه سمعتها، وصرف الانتباه عن الجرائم الحقيقية المرتكبة ضد الشعب السوداني".
وتمسكت قوات الدعم السريع بنفيها وقوع مجازر في مخيم "زمزم"، ووصفت الاتهامات الموجهة إليها بأنها "ملفقة"، وتفتقر إلى الدقة، متهمة الجيش السوداني بتنظيم حملة إعلامية ضدها.
كما أكدت قوات الدعم السريع أنها تستهدف أهدافاً ومنصات عسكرية للجيش السوداني وحلفائه، تتخذ من مخيمات النازحين مواقع لها.
مناوي في الواجهة
وأمس، أثار حوار بثته قناة "العربية الحدث" مع حاكم إقليم دارفور، المشرف العام على القوات المشتركة التي تحارب إلى جانب الجيش السوداني، مني أركو مناوي، جدلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي.
إذ اعتبر كثيرون أن حديث مناوي يحمل إشارات إلى عدم رضا "القوات المشتركة" عن استعدادات الجيش السوداني لإسنادهم في فك الحصار عن الفاشر.
وكان مناوي قد أجاب عن سؤال "العربية الحدث" بخصوص الجلوس والتفاوض مع الفريق عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، قائلاً إنه "يفصل بين القانون والسياسة"، وإن الفريق عبد الرحيم دقلو "سوداني مثله، ولن يمانع من الجلوس معه".
وفي وقت سابق، قال المستشار القانوني لقائد قوات الدعم السريع، محمد المختار، إن حاكم إقليم دارفور تواصل مع محمد حمدان دقلو، وطلب مبالغ مالية كبيرة مقابل القتال إلى جانب الدعم السريع.
تهرب الجيش السوداني
ويرى مراقبون أن تحالفات الجيش السوداني تعج بالمتناقضات، وتتصارع مكوناتها حول مصالحها السياسية الضيقة، ولا يجمع بينها قواسم مشتركة، مما ينبئ بصراعات جديدة داخل هذا الحلف في المستقبل القريب.
وترى الكاتبة الصحفية والإعلامية الناشطة في قضايا المجتمع المدني، سلافة أبو ضفيرة، أن قوات مناوي عبارة عن "بندقية" مستأجرة من قبل الجيش لأغراض محددة، ولهذا لن يدوم هذا الحلف طويلاً.
وقالت لـ"العين الإخبارية" إنه "يبدو واضحاً أن الجيش السوداني يتهرب من مساندة القوات المشتركة في فك الحصار عن الفاشر، منذ أن تلاعب تنظيم الإخوان (الداعم للجيش) فيما يتعلق بتطوير الصراع الإثني-القبلي داخل الحرب، عبر العمل الدعائي الممنهج".
وأضافت: "تتراجع التقديرات الميدانية للجيش السوداني أيضاً، جراء الوضع العسكري الذي يعاني منه الجيش، وتدهور عمل سلاح الطيران"، مشيرة إلى أن "أي تحرك لما تبقى من الجيش وكتائب التنظيم الإخواني خارج مدينة الخرطوم، سيدفع قوات الدعم السريع المتمركزة في مدينة أم درمان إلى استعادة كل المواقع التي انسحبت منها، بما فيها القصر الجمهوري".
وأوضحت أبو ضفيرة أن تصريحات "مناوي" في الفترة الأخيرة "تدلل على الوضع السيئ الذي وصلت إليه العلاقة بين الجيش السوداني والقوات المشتركة".
ولم تستبعد أبو ضفيرة أن يتطور الأمر إلى "مواجهات عسكرية بين الجيش والقوات المشتركة"، كما لم تستبعد توصل أركو مناوي إلى تفاهمات مع قوات الدعم السريع، مقابل خروج آمن لقواته من الفاشر، في حال سيطر الدعم السريع على شمال دارفور.
تصدع حلف الجيش
وبحسب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، شوقي عبدالعظيم، فإن ترتيبات الدفاع عن الفاشر لم تحظَ بإمداد عسكري من قبل الجيش السوداني، وهو ما أغضب مناوي.
وقال عبدالعظيم لـ"العين الإخبارية" إن "التطور في المنظومة الدفاعية الجوية لقوات الدعم السريع أربك حسابات الجيش السوداني، وجعل قادته لا يتحمسون لأي مغامرة عبر الطيران الحربي في معركة الفاشر، خوفاً من خسائر لأهم مراكز القوى داخل مؤسسة الجيش السوداني؛ سلاح الجو".
وأشار عبدالعظيم إلى أن تنظيم الإخوان، الذي يسيطر على مراكز القرار داخل الجيش، "لديه حسابات قديمة مع قادة الحركات المسلحة، ولا يثق في تحالفات معهم طويلة الأمد".
قبل أن يضيف: "الحلف العسكري للجيش السوداني يحمل بذور تصدعه وانهياره، لأنه حلف يقوم على التنافس بين مكوناته على اقتسام السلطة والثروة".
aXA6IDE4LjIxNi4yMjkuMTA2IA== جزيرة ام اند امز