محمد عبدالباري الفائز بجائزة عبدالله الفيصل: هناك غموض زائف في الشعر
محمد عبدالباري يرتبط بأواصر قوية مع الوسط الشعري السوداني بكل حساسياته واختياراته الفنية وطبقاته وتتابع أجياله رغم عدم إقامته بها
أكد الشاعر السوداني محمد عبدالباري الحاصل على جائزة الأمير عبدالله الفيصل، أنه لم يكتب بعد عن السودان بالمعنى المباشر، معتبرا أن "بلده لم يجد طريقه إلى شعره بعد".
وعبدالباري، من مواليد عام 1985 بمدينة المناقل وسط السودان، انتقل مع أسرته طفلا إلى السعودية، واستقر في مدينة الرياض، ونشأ وترعرع في حي الجرادية العريق بالرياض وأكمل مراحله التعليمية به.
بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في آداب اللغة العربية، انتقل للدراسة في الأردن وحصل على الماجستير في الجامعة الأردنية من أطروحته التي تناولت الشعر في تراث فلاسفة الإسلام وعلماء الكلام والأصول.
صدرت له عدة دواوين شعرية، أبرزها "مرثية النار الأولى"، و"كأنك لم"، وديوان "الأهلة"، وحصل العام الماضي على جائزة الشعر العربي الفصيح، التي تحمل اسم الأمير عبدالله الفيصل.
يرى عبدالباري في حواره مع "العين الإخبارية" أن المطلوب من الشعر فقط أن يكون شعرا، لا أقل ولا أكثر من ذلك، لأن الشعر له مهمة واحدة فقط هي "أن يكون"، ومعنى أن يكون أن يحقق وجوده طبقا لتصوره هو عن نفسه.
كيف وجدت قصيدتك الأولى؟
لا أتذكر بالضبط متى، لكنني متأكد أنّها تأسست على تنكّرها لذاتها، لأنني لم أتعامل مع ما أكتبه بمحمل الجد إلا حين بدأت مسوّداتي تجد طريقها إلى سلة المهملات.
قبل هذه المرحلة كنت متورطا في سذاجة أن كل ما أكتبُه مستحق للبقاء، وهذا التزامن ليس مستغربا، وأظنه ينسحب أيضا على تاريخ الشعر نفسه، فربما كان ميلاد الشعر العربي في صورته الناضجة مدينا لظهور المسودة.
فالمسودة – وإن كانت ذهنيّةً آنذاك - هي من أتاحت للشعر أن ينتقل من غناء الارتجال والتدفّق إلى غناء الروية والتثبّت، ولهذا السبب منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا لا تطور في الكتابة الشعريّة إلا وهو قائم على شجاعة الحذف والتنصل.
أين السودان في شعرك؟ وما مدى تواصلك مع الوسط الشعري هناك وأنت بعيد؟
السودان بالمعنى المباشر من حيث هو موضوع للقصيدة لم يجد طريقه إلى شعري بعد، وهذا مفهوم في سياق أنني قضيت حياتي كلها خارجه، ولكن السودان بالمعنى غير المباشر (وهو المعنى الأهم) حاضر فيما أكتب.
أشار النقاد مرارا إلى جوانب من هذا الحضور في شعري، ومع هذا فأنا منذ زيارتي الأولى للسودان عام 2016 أعمل على تهيئة حواسي الباطنة والظاهرة لامتصاصه وإعادة إنتاجه حتى بالمعنى المباشر، وفي هذا المسعى إنما أضع نصب عينيّ ما أكتب للسودان – وليس العكس – نظرا لمناخات المغايرة والاختلاف والثراء التي ينطوي عليها.
بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، تربطني أواصر قوية مع الوسط الشعري في السودان بكل حساسياته واختياراته الفنيّة من جهة وبكل طبقاته وتتابع أجياله العمريّة من جهة أخرى.
ما المطلوب من الشعر الآن في ظل ما تمر به الأمة العربية؟
المطلوب فقط أن يكون شعرا، لا أقل ولا أكثر من ذلك، الشعر له مهمة واحدة فقط هي أن يكون شعرا، ومعنى أن يكون أن يحقق وجوده طبقا لتصوره هو عن نفسه.
هذا هو النص وكل ما عداه مجرد هوامش واستدراكات، قد يرى البعض في هذا تقليلا من شأن الأزمات العربيّة أو اغترابا عنها، بينما هو - على العكس تماما - في معناه البعيد استجابة لمنطق الأزمات، لأنه عمل شاق، على ألا تضاف إلى هذه الأزمات العربيّة المتراكمة أزمة جديدة هي: أزمة فن.
وما رأيك في الغموض الذي يجعل بعض النصوص الشعرية تستغلق على القارئ؟
هناك غموض زائف في الشعر اليوم، غموض لا يحيل إلا إلى نفسه، غموض لا هدف له إلا مواراة محدودية الموهبة، هذا لا مثنويّة فيه.
لكن الوجه الآخر من العملة يحتّم علينا أن نشير إلى أنّ درجة من الغموض الطبيعيّ تشكل جزءاً أساسيّاً من بنية الشعر ذاته، بالنسبة لما يخص تجربتي الشخصيّة، يتناهى إليّ من بعض القراء أنهم يجدون صعوبة أحيانا في فهم بعض نصوصي، وفي الحقيقة لا يزال هذا مثار غرابة لديّ لأنني دائما ما أشعر أنني مكشوف وعارٍ تماما في كتابتي، ولأنّ الأشياء كما تكون في ذهني ابتداءً أكثر غموضا والتباسا مما تكون عليه حين تجد شكلها النهائي في القصيدة. لكنني في الجملة راض إلى حد كبير عن تلقي القراء لما أكتب، وأقدّر لهم كرم استقبالهم المشحون بالمحبة والصبر وجميل الظن.
رغم إنتاجك المنتشر بين جمهورك الكبير لكنك مقل إعلامياً..
أعاني من شح دائم في الوقت، ربما يكون هذا السبب العمليّ كافيا لتعليل هذا الإقلال، لكنني أعتقد أن السبب الحقيقي مبدأيّ أكثر من كونه عمليّا، من حيث الأصل، أعتقد أن عمل الشاعر كله إنما يقف في حدود العناية بـ"الصوت"، ولا يمكن أن يمتد ليشمل مطاردة "الصدى"، والإعلام – مع كامل الاحترام لدوره - إنما يقع في دائرة رجع الصدى هذه. من ناحية أخرى، الإعلام إنما يُحتاج إليه طلباً للانتشار بين جمهور القراء، وإذا كان ما أكتب قد وجد طريقه إلى القراء الكرام – كما تفضلت في مطلع سؤالك – فما الحاجة للطلب وقد حصل المطلوب.
كثير من الشعراء تحولوا إلى كتابة الرواية لما لها من حضور على الساحة الأدبية، فكيف ترى هذه الهجرة؟
لا أستطيع أن أبدي رأيا في هذه الهجرة لأنني في الحقيقة ليست لدي فكرة عنها ولست متابعا لمجرياتها وتفاصيلها. وبالنسبة لي، خصوصا أنني لم أفكر في كتابة الرواية ولا أظنني سأفعل.
aXA6IDE4LjIyMS4yNS4yMTcg
جزيرة ام اند امز