قبل عدة سنوات وقبل وقت قصير من بداية رفع العقوبات الأمريكية عن السودان كنت في زيارة للخرطوم هي الأولى لي مع مجموعة من الأصدقاء.
ما إن وصلنا أرض السودان حتى قوبلنا برحابة وحفاوة كبيرين، وكأنه لقاء جمع الأحبة من رحلة عودة سفر طويلة، والكل يتقدم ويدعو لتكون ضيفه، شعور جميل انتابنا في تلك اللحظات من صفات أهل الأرض البعيد وشعبها القريب من قلوبنا.
جاءتنا دعوة لزيارة الولاية الشمالية التي تقع شمال السودان وتبعد عن العاصمة الخرطوم ما يقارب 350 كيلومترا، ما إن وصلنا لها بعد رحلة امتدت لساعات حتى كانت المفاجأة.
أرض خصبة على امتداد البصر تستطيع الحفر بيدك ليخرج الماء المتوفر في كل مكان، ليقول لنا صديقنا السوداني بنبرة حزينة: ترون هذه الأرض هي سلة غذاء الوطن العربي الفارغة!!
كثير من المشاريع لا تكمل مشوارها بسبب التحديات مع الحكومة وجذورها المتهالكة، الكل يأتي يريد فتح المشاريع الاستثمارية، لكن بشرط وهو الابتعاد عن الحكومة، إن الممارسات غير الوطنية دمرت البلد على حدِ قوله.
إن السودان شمله لعنة الشؤم التي سقطت فيها كثير من الدول العربية وللأسف، الشعوب هم ضحية هذه الترهات والصراعات التي سببت دمار البلدان التي كانت تتصدر مشهد التنمية والتطور والثقافة قبل مئة عام.
يعيش هذا البلد الكريم بشعبه عدة أزمات متعاقبة، يخرج من واحدة ليغرق في الأخرى، فمنذ 1958 ويعيش في حروب أهلية وانقلابات عسكرية، مرورًا بـ«ثورة أكتوبر» وحرب دارفور إلى العقوبات الأمريكية، والصراع الداخلي، في صراعات جيوسياسية، سببها السلطة وتصدر المشهد السياسي على أكتاف الأبرياء ونهب خيرات الوطن.
إن الدمار الإنساني الذي لحق بالشعب السوداني وعمليات النزوح الكبير هروباً من مناطق الصراع، جاء بسبب التناحر بين قوتين عسكريتين، ورفضهما كافة أشكال المعالجة السياسة للأزمة، والدخول في عملية العدالة المتساوية والحكم الديمقراطي ووحدة التنوع الشعبوية والعرقية.
إن استقرار السودان لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى صوت الحكمة والذهاب لطريق يوحد الوطن وتشكيل قوات مسلحة واحدة تحفظ مصالح السودان وديمقراطيته، والتنازل عن التعنت الذي دمر البلد، والابتعاد عن الشعارات الرنانة والادعاءات التي تلقي باللوم على دول أخرى افتراء وكذبا، هناك مثل يقول: «المعدة بين الداء والدواء».
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة