"نقطة العريس".. تكافل اجتماعي يعين على الزواج في السودان
لم يكن بمقدور الضائقة الاقتصادية في السودان وقف طقوس الزواج، خاصة التي تتطلب مبالغ نقدية، فما زال العديد منها مستمراً في أبهى صوره.
"نقطة العريس" واحدة من بين هذه العادات التي هزمت الضائقة المعيشية وصمدت في مواجهتها، لتحافظ على تفاصيلها وتجلياتها المبهرة.
تجسد النقطة التي اصطلح على تسميتها محلياً بـ"الختة" أيضاً أجمل مظاهر التكافل بين السودانيين، لإكمال مراسم الزواج وعمل "تحويشة" للعريس تساعده على مقابلة احتياجاته المنزلية لأشهر قادمة.
ويدور هذا التقليد في افتراش سباتة على الأرض ويقف العريس في أوسطها ويقوم أقاربه وأصدقاؤه ومعارفه بصب الأوراق النقدية على رأسه وتحت قدميه، ويتخلل هذا المشهد التنافس المحموم بين المعازيم لإلقاء أكبر قدر من المبالغ خلال مراسم "نقطة العريس".
وتلهب زغاريد النساء وغنائهن الشعبي التراثي في الغالب، حماس المعازيم وتدفعهم إلى إخراج كل ما في جيوبهم من مبالغ مالية ورميها على رأس العريس أو قدميه، لتكون المحصلة أموالا خرافية.
ورغم أن الطابع التكافلي طغى على هذا التقليد السوداني لكن الأمر لا يخلو من بزخ، ففي واحدة من المرات أحصت مراسم نقطة العريس في العاصمة الخرطوم نحو 4 مليارات جنيه سوداني وهو ما أثار جدلاً واسعاً يومها، لأن ذلك يحدث في ظل أوضاع اقتصادية متردية.
لكن كثيرا من الشباب السوداني المقبل على الزواج أصبح يعتمد بشكل أساسي على دعوات "الحناء" والتي تجري خلالها النقطة فهي غير مكلفة وتعود بمبالغ مالية مقدرة تعينهم تكملة مراسم عرسهم وادخار جزء منها.
ويقول أحمد علي وهو شاب سوداني في العقد الثاني وقد أكمل زواجه قبل 3 أشهر، إنه كان ينوي إقامة دعوة تقليدية إفطار أو غداء ليأتي أقاربه للمساهمة معه بالمال كما جرت العادة في معظم الأعراس التي تشهدها بلاده، لكن أصدقائه نصحوه بضرورة عمل دعوة "حناء" والاعتماد على "النقطة".
وحصل أحمد على نتائج مبهرة وفق ما رواه لـ"العين الإخبارية"، إذ تمكن من جني مبلغ يزيد عن 600 ألف جنيه سوداني خلال مراسم النقطة التي استمرت لساعات معدودة، ما مكنه من إكمال زواجه وقضاء احتياجاته المنزلية لـ4 أشهر بعد الزواج.
وتابع: "لم أعد بحاجة إلى مباشرة أعمالي الحرة طوال 4 أشهر، لقد عشت أياما سعيدة دون قلق على معاشي وتوفير الاحتياجات المنزلية، شكراً لأصدقائي وأهلي وأحبابي الذين صنعوا في نفسي كل هذه البهجة".
ولم تكن "نقطة العريس" عادة حصرية في المدن الكبرى، لكنها تمددت في الريف السوداني الذي نشط أهله في هذا التقليد وألبسوه ثوب التكافل البهي بعد أن جرفته أمواج الحداثة قليلاً وأصبح محطة للبزخ والتباهي.
ويشير عبدالله موسى 34 عاماً إلى أن دعوة الحناء تناسب الواقع الاقتصادي الذي تعيشه بلاده بسبب موجة الغلاء الطاحن لأنها غير مكلفة، وتُسقط عناء إعداد الطعام للمعازيم عن العريس ويقتصر الأمر على تقديم بعض المشروبات الشعبية والشاي والقهوة ذات التكلفة القليلة، في حين تدر مبالغا مقدرة على الزوجين.
وقال موسى لـ"العين الإخبارية" "نحن نفضل هذا التقليد، فالنقطة تمثل أقصر الطرق لمساعدة الشباب الذين يرغبون في الزواج الذي أصبح مكلفا للغاية".
وتحمل النقطة كثيراً من المحفزات للمعازيم لدفع أكبر قدر من النقود للعريس بعد أن تلهب الزغاريد والأغنيات الشعبية التراثية التي تحثهم على ذلك، حيث يعتبر البعض أن إعطاء العريس المزيد من النقود يعتبر أحد ضروب الرجولة والشهامة والكرم، وفق عبدالله موسى.