عام على رحيل المهدي.. "الأمة السوداني" يفقد البوصلة
يعيش حزب الأمة القومي بالسودان أوقاتا عصيبة إثر تباين غير مسبوق في أروقته تجاه التطورات السياسية الأخيرة بالبلاد.
وأظهرت قرارات قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وما تبعها من اتفاق سياسي مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، عدة تيارات داخل حزب الأمة القومي كل ينادي ويدعم موقفا مختلفا تجاه ما يجري.
واقع "حزب الأنصار" المعقد، أرجعه مراقبون إلى الفراغ العريض الذي خلفه غياب زعيمه التاريخي الصادق المهدي الذي توفي متأثرا بإصابته بفيروس كورونا العام الماضي.
ومنذ ذلك الحين يتولى رئاسة حزب الأمة القومي بالتكليف اللواء المتقاعد فضل الله برمة ناصر، كونه كان يشغل منصب النائب الأول للإمام الصادق، وهو يواجه سهام النقد إثر اتهامات لم ينفيها، بمحاباة العسكريين وهندسة اتفاقهم مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
ويشير محللون إلى أنه من الصعب حدوث توافق في حزب الأمة القومي ما لم تقوده شخصية حكيمة، وأن ما يدور به حاليا يهدد مستقبله السياسي وربما يقود إلى انشقاقات جديدة.
لكن نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق معاش صديق إسماعيل، أكد أن الحزب قادر على تجاوز المرحلة العصيبة التي يمر بها حالياً والخروج إلى بر الأمان.
وقال صديق في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن "كثيرين كانوا يتوقعون انهيار حزب الأمة القومي عقب وفاة الأمام الصادق المهدي لكنه استطاع الصمود وترتيب أوراقه والبقاء في المشهد أكثر قوة ووحدة".
وأضاف: "رحيل الإمام الصادق لم يتأثر به حزب الأمة فحسب وإنما السودان بأثره، حيث فقد الجميع حكمته ووعيه السياسي المتقدم، فكانت كلمته مسموعة لدينا وعند الجميع وعندما يتبنى قرارا يقبله الكل دون معارضة احتراماً له".
وحول الخلافات وتباين وجهات النظر في حزب الأمة، أكد الفريق صديق أنها "موجودة ولكنها ستحل في إطار مؤسسي فلن تكون هناك كلمة لفرد وإنما الذي تقرره مؤسسات الحزب هو الذي يمضي".
انقسامات تهدد الحزب
ومع ضبابية الرؤية في حزب الأمة القومي، فإن ثمة مشاهد تشير إلى انقسام حتى وسط أبناء الراحل الصادق المهدي، بعضهم يؤيد خطوات رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر المساندة للاتفاق السياسي المبرم بين البرهان وحمدوك، وآخرين يقفون ضدها ويدعمون التصعيد الثوري الذي تتبناه قوى الحرية والتغيير.
ويقول الصحفي والمحلل السياسي المقرب من دوائر حزب الأمة، محمد الماحي الأنصاري لـ"العين الإخبارية" إن "حزب الأمة يعيش صراعا مركبا حول السلطة بعد رحيل الإمام".
وأضاف: "انقسم أبناء المهدي، بين اللواء عبدالرحمن المحسوب على العسكريين، وصديق الداعم للحرية والتغيير، وكل منهما يعمل مع مجموعة داخل الحزب ضد الثانية، فضلاً عن وجود تيارات أخرى كالإصلاح بزعامة إبراهيم الأمين وغيرها".
وتابع: "لكن للأسف الشديد، نجلا الإمام لا يملكان الشخصية القيادية لقيادة حزب كبير كحزب الأمة".
واستطرد: "لقد دخل صديق في تحالف مع ياسر عرمان وبعض مجموعات الحرية والتغيير وقام بتسكين بعض العناصر في مؤسسات الدولة لإسكات صوتهم وهو يحاول حسم الصراع الحزبي مع شقيقه عبدالرحمن باستخدام السلطة".
وتابع "عقب سقوط حكومة الحرية والتغيير ارتفعت أسهم عبدالرحمن الصادق وهو المساعد السابق للرئيس المعزول عمر البشير، حيث فتح خطوطا مع المكون العسكري محاولاً أيضاً حسم الصراع الحزبي مع شقيقه بالسلطة".
وشدد الأنصاري على أنه "رغم وجود رئيس مكلف لحزب الأمة القومي حالياً إلا أن طبيعة الصراع تظهر أن عائلة المهدي هي رأس الرمح في هذا الحزب، الأمر الذي يحتم ضرورة إجراء حوار عميق بين أفراد هذه الأسرة لاختيار شخصية توافقية تقود الحزب في المرحلة المقبلة".
وقال: "من الصعب حدوث توافق بحزب الأمة القومي ما لم تقوده شخصية من داخل عائلة المهدي وهي بمثابة قبيلة كبيرة وبها أشخاص كثر لكن من يمارسون السياسة هم قليلون، وفي تقديري أن الأنسب لقيادة هذا التنظيم هو مبارك الفاضل المهدي ويجب إدارة حوار بهذا الخصوص".
وبرزت خلافات حزب الأمة القومي عقب إعلان رئيسه المكلف فضل الله برمة ناصر، المشاركة في وساطة قادت إلى اتفاق سياسي بين البرهان وحمدوك وهو ما رفضته قواعد الحزب خاصة شريحة الشباب التي سارعت إلى خطوات لعزله عن القيادة لكن اجتماعا للمكتب السياسي للحزب قطع الطريق أمام هذه التحركات.
وقرر المكتب السياسي ساعتها رفض قرارات قائد الجيش الصادرة في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ووصفها بالانقلاب، لكنه في ذات الوقت شكل مجموعة من المجلس القيادي تضم مريم الصادق المهدي و7 آخرين لدراسة اتفاق البرهان وحمدوك، الشيء الذي خفف الضغط على اللواء المتقاعد ومجموعته.
وفي تطور لافت وصل إلى الخرطوم، الأحد، 13 من رؤساء حزب الأمة القومي بالولايات والتقوا رئيس الوزراء عبدالله حمدوك مؤكدين دعمهم له، كما اجتمعوا بقادة عسكريين وهو ما أثار حفيظة التيار المناوئ بالحزب والذي يقوده صديق الصادق المهدي.
وفي خضم ذلك ثمة ما يثير التساؤل بشأن صمت القيادية البارزة في حزب الأمة القومي ووزيرة الخارجية المعزولة مريم الصادق المهدي وتوقفها تماما عن التصريحات حول ما يدور في الحزب الذي تتقلد فيه منصب نائب الرئيس والمشهد العام ككل.
ويشير قيادي في حزب الأمة القومي لـ"العين الإخبارية" مفضلاً عدم ذكر اسمه إلى أن "مريم الصادق هي ضمن اللجنة الثمانية التي شكلها الحزب لدراسة الاتفاق بين حمدوك والبرهان، وكذلك عضو لجنة صياغة الميثاق المرتقب بين رئيسي مجلس السيادة والوزراء لإدارة المرحلة الانتقالية".
ورجح أن تكون عودة حمدوك إلى منصبه رئيسا للوزراء توافقت مع صوت مريم ورغبتها فبالتالي آثرت الصمت حتى لا تشوش على موقفها.
عائلة المهدي في حزب الأمة
وكان لعائلة المهدي النصيب الأكبر من قيادة حزب الأمة على مر تاريخه حيث تأسس على يد عبدالرحمن المهدي في عام 1945م كتنظيم ينادي بالاستقلال.
وانحصرت رئاسة حزب الأمة بين الصادق المهدي ووالده الصديق عبدالرحمن المهدي الذي انتخب كأول رئيس لحزب الأمة في العام نفسه، ثم آلت إلى نجله في العام 1964م.
فيما تولى القيادي التاريخي عبدالله خليل منصب أول سكرتير لحزب الأمة ومحمد أحمد المحجوب ثاني رئيس وزراء للسودان من هذا الحزب وهما من خارج عائلة المهدي.
وبعد وفاة الإمام الصادق العام الماضي ومع تنامي الانتقادات لعائلة المهدي بتوارث حزب الأمة، جرى نقل رئاسة الحزب إلى اللواء برمة ناصر استنادا إلى دستور الحزب وقرار المؤسسات، بوصفه النائب الأول للراحل.
aXA6IDMuMTM2LjI2LjE1NiA=
جزيرة ام اند امز