السيناريو الأسوأ في أزمة قناة السويس.. حرب عالمية باردة
"إنه مشهد تمثيلي هزلي" بهذه العبارة وصف كاتبان لدى بلومبرج حادث السفينة الجانحة "إيفر جيفن" في قناة السويس.
واعتبر الكاتبان ديفيد فيكيلنج وأنجاني تريفيدي في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن حادث جنوح السفينة "إيفر جيفن" في قناة السويس وانسداد أحد شرايين التجارة العالمية، قد يكون "بروفة" لحدث أكثر مأساوية (في إشارة لحرب باردة).
وجنحت السفينة "إيفر جيفن"، يوم 23 مارس/آذار الجاري، وتسببت في إغلاق قناة السويس، التي تعد أحد أكثر الممرات التجارية ازدحاما في العالم، بحسب موقع "مارين فيسيل ترافيك" الألماني.
إيفر جيفن هي سفينة يابانية عملاقة ترفع علم بنما ويتم تشغيلها بواسطة شركة النقل البحرية التايوانية "إيفر جرين"، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وعقب جائحة كورونا التي أرهقت العالم أجمع وكبدته خسائر بمليارات الدولارات، يرى الكاتبان أنه من الطبيعي أن تظهر أزمة عالمية حديثة، ولكن في حالة أزمة قناة السويس فإن التجارة العالمية ستتأثر بقوة، خصوصا أن الولايات المتحدة دولة مصدرة للنفط، فيما تعتمد آسيا وتحديدا الصين على استيراد نحو ثلاثة أرباع ما تستهلكه من النفط، وكذلك نحو أربعة أخماس خام الحديد.
ويقول الكاتبان ديفيد فيكيلنج وأنجاني تريفيدي في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن جنوح إحدى أكبر سفن الحاويات في العالم في قناة السويس، وغلقها لممر مائي عالمي بالغ الأهمية، أصبح مادة حديث على الإنترنت بصورة أسرع من عرقلته لتدفقات البضائع الدولية.
ورغم ذلك فإنه من الخطأ التهوين من خطورة الحدث؛ فإغلاق الممرات المهمة للملاحة العالمية يمثل خطرا اقتصاديا كان وراء التنافس بين الدول الكبرى طوال قرون. فهو الآن أحد العوامل الرئيسية للتوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين.
ويقول الكاتبان إن تدفق البضائع عبر البحر يمثل 70% من إجمالي حجم التجارة الدولية، وتعتبر الممرات الملاحية التي تضمها هذه الشبكة وراء الصراعات والتجارة الدولية منذ آلاف السنين. ورغم كل ما أسفر عنه استخدام الطائرات والاتصالات اللاسلكية من تحول بالنسبة للتجارة العالمية طوال العقد الماضي، ربما يعتبر التحكم في الممرات التي تمر عبرها الملاحة العالمية أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ إذ يتم عبر البحر نقل نحو ثلثي تجارة النفط الخام الدولية و80% من إجمالي منتجات البترول .
أهمية قناة السويس
ووفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ومؤسسة "إس أند بور جلوبال إنتليجانس" يمر نحو 10% من إجمالي النفط الذي ينقل بحرا، و8% من الغاز الطبيعي العالمي المسال و20% من حجم الحاويات عبر قناة السويس وحدها.
وأدت الجائحة إلى أن تكون الممرات البحرية أكثر أهمية. وزادت الرسوم الملاحية إلى جانب الأحجام. ومع الاضطرابات في سلاسل الإمداد- بسبب الأحوال الجوية والطلب المفاجئ والزائد عن الحد، مما يسفر عن حالات نقص في مختلف القطاعات- تزداد أهمية العقبات مثل حادث قناة السويس.
وحسب الأرقام، تظل قناة السويس أحد أهم الممرات التجارية في العالم، خاصة بالنسبة لآسيا وأوروبا. ففي عام 2019، مرت نحو 19 ألف سفينة عبر الممر- أو 1.25 مليار طن حمولة. وتعبر القناة كل أسبوع من آسيا إلى أوروبا والعكس مئات الآلاف من الحاويات على متن السفن تحمل آلات، وإلكترونيات، وسلع وسيطة أخرى ومواد خام.
لقد قفزت صادرات كوريا الجنوبية إلى أوروبا بنسبة أكثر من 48% في فبراير/شباط الماضي، تصدرتها البضائع المتعلقة بالرعاية الصحية والسيارات على سبيل المثال. وواجه الطلب على مثل هذه السلع بالفعل مشكلات تتعلق بنقص الحاويات.
وزادت الحمولة التي تمر عبر قناة السويس أساسا بسبب زيادة حجم السفن. فالسفينة إيفر جيفن، وهي إحدى أكبر فئات سفن الحاويات وقادرة على حمل 200 ألف طن، كبيرة للغاية وليس من السهل أن تمر عبر أي ممر غير مناسب لها.
يذكر أن متوسط المرور اليومي عبر القناة في ازدياد منذ النصف الثاني من العام الماضي، مع زيادة أسعار الشحن وأحجام الحاويات بدرجة كبيرة.
طرق بديلة
وتسعى الشركات الملاحية للبحث عن طرق بديلة بين آسيا وأوروبا مثل طريق رأس الرجاء الصالخ الأطول أو طريق البحر القطبي الشمالي الأسرع. وأتاح الاحتباس الحراري وذوبان الجليد المرور بسهولة أكبر عبر البحار شمال صربيا لكن هناك عقبات تنظيمية وجغرافية سياسية.
ولكن يمكن القول إن البحار ضحلة للغاية ولا يمكن أن تتيح لسفن حاويات بحجم السفينة إيفر جيفن المرور عبرها.
وبالنسبة للصين، يعد هذا الأمر نقطة ضعف فريدة. فعلى خلاف الولايات المتحدة التي تعتبر دولة مصدرة للنفط هذه الأيام، تستورد الصين نحو ثلاثة أرباع ما تستهلكه من النفط، وكذلك نحو أربعة أخماس خام الحديد الذي تستخدمه لتنفيذ وتيرتها المحمومة لبناء المرافق الأساسية- ناهيك عن معظم صادرات السلع للحصول على العملة الصعبة لتسديد ثمن هذه السلع.
وهذا يجعلها أكثر عرضة للخطر فيما يتعلق بأي إغلاق للممرات البحرية، فجغرافية شرق آسيا تعني أن مضيقي ملقا وسنغافورة، بالإضافة إلى اشباه المضائق التي تمر عبر امتدادات بحر الصين الجنوبي التي يمكن الملاحة فيها وتلك التي تفصل تايوان عن الفلبين، كلها عرضة للعرقلة في حالة اندلاع صراع.
استعداد صيني
ويرى فيكيلنج وتريفيدي أن جانبا كبيرا من السياسة الخارجية للصين طوال العقد الماضي كان وسيلة للتغلب على نقاط الضعف تلك. فالشركات الصينية تمتلك حصة تبلغ 65% في موانئ العالم الأكثر نشاطا وفقا لما ذكرته شركة جافيكال دراجونوميكس للأبحاث.
ويهدف ممر عبر باكستان، وخط أنابيب نفط عبر ميانمار وطريق سكك حديدية متعدد الوسائط عبر شبه جزيرة الملايو- وكلها عناصر أساسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية- للحد من اعتماد الصين على مضيقي ملقا وسنغافورة.
وحتى الضغط القومي على تايوان ذو عنصر اقتصادي، إذ إن نحو نصف ملاحة الصين عبارة عن نقل بين الموانئ المحلية على طول الساحل، وجانب كبير منها يتم في المياه التي تفصل تايوان عن جزيرة كينمين التايوانية ، التي تبعد حوالي ستة كيلومترات عن مدينة كيامين التي تقع في البر الرئيسي.
ويختتم الكاتبان تقريرهما بأن كل ذلك يعد سببا مهما للنظر لحادث قناة السويس بجدية، حتى لو تم في غضون أيام قليلة عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية. وإذا ما أعاد التاريخ نفسه، فإنه من المأمول ألا تكون الأحداث الهزلية الحالية "بروفة" لحدث أكثر مأساوية.
aXA6IDE4LjExNy4xMDMuMTg1IA== جزيرة ام اند امز