أنا مريض وسواس قهري.. وما عرف الأطباء بمرضي (تحقيق)
مؤلم أن تعيش مع مرض لا تعرف ما هو، ولا ينجدك الأطباء أيضًا؛ لأنهم لا يعلمون؛ هذا ما يتعرض له عدد كبير من المصابين بالوسواس القهري.
خرج أحمد من عيادة طبيب القلب بخيبة أمل جديدة، لم تكن هذه زيارته الأولى لطبيب بحثًا عن علاج لحالته غير المفهومة، بداخله صوت يخبره دائمًا "انت هتموت"، أخبر الأطباء الذين زارهم، من تخصصات القلب والصدر والباطنية، على مدار عامين بهذا الصوت الخبيث الذي يشتت انتباهه ويؤرق حياته، لكن لم يخبره أحد أنّ هذا الصوت دلالة على مرض نفسي، ويكتفي الطبيب بإعطائه بعض الأدوية لتثبيط الأعراض التي يعاني منها، كخفقان القلب وتنميل في الجسم والرجفة الشديدة.
يتذكر أحمد، الشاب المصري صاحب الـ 29 عامًا، عندما أتته النوبة في أول مرة، ودخل على إثرها المشفى، ويقول أحمد لـ"العين الإخبارية": "كنت نائمًا على السرير في المشفى، عيناي مستيقظتان، لكن جسمي يموت، جسمي يُقتل أعراضًا، لكن تحاليل الدم كانت ممتازة، وقالوا لي، لا يوجد تشخيص، أنت بخير". لكن من داخله صوت يقول: "لا، أنا لست بخير". ربما لم يُدرك أحمد وقتها أنه مُصاب بوسواس قهري.
بحسب «مؤسسة اضطراب الوسواس القهري الدولية» (International OCD Foundation)؛ فالوسواس القهري عبارة عن اضطراب في الصحة العقلية، يصيب البشر من جميع الأعمار، ويقع المصاب في دائرة مغلقة من الوساوس والسلوكيات القهرية، التي يُضطر المصاب لفعلها في محاولة للتخلص من الوسواس.
من جانبه، يقول الدكتور "جمال فرويز"، أستاذ الأمراض النفسية والعصبية في الأكاديمية الطبية العسكرية لـ"العين الإخبارية": "عادةً ما نُصنف الوسواس القهري على أنه مرض بين الأمراض العصبية والعقلية، أما الأمراض العصبية؛ ففيها يكون لدى المريض استفسار بوجود المرض، أما الأمراض العقلية؛ فالمريض يفتقد القدرة على الاستفسار بوجود مرض. وفي حالة الوسواس القهري، فهو مرض عُصابي، يعني المسؤولية تقع على عاتق المريض في حالة صدور أي تصرف منه، دائمًا ما يُدرك المريض ما يمر به، لكن من شدة المرض، نعتبره مثل الأمراض العقلية. من شدة المعاناة التي يعانيها المريض".
ويتلقى المصاب بالوسواس أوامر متكررة لفعل سلوكيات معينة، ويُضطر لتنفيذها، وإذا لم يفعل، تظل هذه الأفكار الوسواسية في ملاحقته؛ حتى ينفذ الأوامر. وتُشير التقديرات إلى أنّ الوسواس القهري يُصيب ما بين 1 إلى 2% من البشر.
شيوعه
يمكن أن يبدأ الوسواس القهري في أي وقت، في مرحلة ما قبل المدرسة، إلى مرحلة البلوغ، وعادة ما يظهر:
- بين سن 8 إلى 12.
- في مرحلة المراهقة المتأخرة إلى أوائل البلوغ.
من جانب آخر، حللت مجموعة بحثية من جامعتي ميمورايل وريجينا في كندا ما يزيد عن 4 آلاف دراسة علمية، ووجدوا أنّ النساء أكثر عرضة للإصابة بالوسواس القهري بمقدار 1.6 مرة مقارنة بالرجل. ونُشرت المراجعة في دورية «ذا جورنال أوف كلينيكال سيكراتري» (The Journal of Clinical Psychiatry) في يونيو / حزيران 2020.
لحظة فارقة!
يقول أحمد لـ"العين الإخبارية": "نصحتني أختي التي تعمل في العلاج السلوكي والتخاطب بالذهاب إلى طبيب نفسي، وأخذت بنصيحتها، وذهبت إلى طبيب نفسي، سمعني وطلب رسم دماغ، قصصت عليه كل ما يدور بداخلي، تحدثت معه ما يقرب من الساعة بكل ما مررت به، أخبرته أنني إنسان بلا روح، مستني الموت في أي وقت. طمأنني أنني سأكون بخير، وشخصني بالهلع والوسواس القهري".
كان أحمد ضحية التشخيص الخاطئ، واستمرت معاناته لعامين مع الوسواس القهري والهلع، لكنه على أي حال، كان يتساءل ويبحث عن حل لعلاجه من تلك الحالة غير المفهومة.
لماذا ينتشر التشخيص الخاطئ؟
ليس أحمد فقط، هناك العديد من حالات الوسواس القهري التي تتعرض للتشخيص الخاطئ في بادئ الأمر؛ ويعود ذلك لعدة عوامل، من ضمنها:
لا يصدقون
تمامًا مثل أحمد، شعر منير بنوبة هلع، ونهض يركض في المنزل ويبكي أنه سيموت، كان يشعر أنّ قلبه على وشك الوقوف، وأخذه أهله إلى المشفى، هناك قال له الطبيب: "واضح أنك موسوس، بطل خرابيط وعيش حياتك". يُكمل منير الشاب الجزائري صاحب الـ 27 عامًا لـ"العين الإخبارية": "عندما أخبرني الطبيب أنني موسوس، ليس على أساس أنني مريض وأحتاج العلاج، بل يقصد أنني إنسان يستهبل!". من بعد هذه الليلة، دخل منير في دوامة لا تنتهي، وصار يذهب كل يوم للمشفى من مرة إلى مرتين، إلى أن رأته طبيبة عملت من قبل في المجال النفسي، وأخبرته أنّ مشكلته نفسية، ووّجهته للذهاب إلى طبيب نفسي، هناك شخصه الطبيب بالوسواس القهري وبدأ العلاج.
ثقافة مجتمع
زار أحمد أطباء من تخصصات متعددة، طبيب القلب والباطنية والصدر، لكن لم يوجهه أحد منهم إلى طبيب نفسي، وفي هذا الصدد، يوضح الدكتور أحمد الحديدي، أستاذ الطب النفسي في طب المنصورة لـ"العين الإخبارية"، أنّ نظرة الناس تجاه الطب النفسي سلبية جدًا، حتى بعض الأطباء غير المتخصصين في الطب النفسي والصيادلة، ينحازون إلى ثقافة المجتمع، وفي بعض الأحيان، يحذرون المريض من الذهاب لطبيب نفسي.
من جانب آخر، تواصلنا مع أطباء متخصصين في القلب والصدر والباطنية، وأجمعوا على أنهم يحيلون المريض إلى طبيب نفسي عندما يشتكي من الأعراض، لكن الفحوصات تؤكد أنه ليس هناك أي مرض عضوي. ويشرح الدكتور "أيمن عادل صادق"، استشاري أمراض الصدر، لـ"العين الإخبارية"، أنه في بعض الأحيان، يأتي المريض وتُظهر الفحوصات أنه سليم عضويًا، وقتها يوّجهه لطبيب نفسي، لكن في أحيان أخرى، يكون المريض مصابًا بمرض عضوي مصحوبًا بحالة نفسية، في هذه الحالة، يجب أن يتعاون طبيب الصدر مع الطبيب النفسي.
ومن جانبه، يوضح الدكتور "حسام الخبيري"، استشاري الأمراض الباطنية والقلب، في حديثه مع العين الإخبارية، أنّ كثير من المصابين بالوسواس القهري يذهبون إليه، ويجرون الفحوصات اللازمة، وبعد التأكد من سلامتهم العضوية، وأنهم في حاجة إلى علاج نفسي، يوّجههم إلى أطباء نفسيين، لكن المشكلة التي تواجه الخبيري، هي أنّ الكثير من المرضى المصابين بالوسواس، تحديدًا حالة توّهم المرض، يعودون إليه مرة أخرى؛ لأنهم مقتنعين بأنّ قلبهم ليس سليمًا، ويُصرون على إجراء فحوصات من جديد. ويتفق الخبيري مع الحديدي في أنّ ثقافة مجتمعنا تجاه الطب النفسي سلبية، ما يضع المرضى في معاناة.
قلة خبرة!
ولا تختلف حالة سارة عن حالة أحمد ومنير كثيرًا، إلا أنّ سارة كانت تعاني من وسواس قهري فكري واكتئاب، وبالفعل، ذهبت لطبيب نفسي، لكن الطبيب لم يُدرك سوى أنها مريضة بالاكتئاب، وتركها في معاناة مع الوسواس الفكري. وهناك جانب خطير من الوسواس الفكري، ويوضحه الدكتور «جمال فرويز»، قائلًا لـ"العين الإخبارية": "إذا لم يأخذ المريض الدواء، قد تسيطر الأفكار عليه بصورة قوية، وقد يرتكب جرم، وهو واعٍ، لكنه يشعر أنه إذا لم يرتكبه، سيموت".
تقول سارة ذات الـ 23 عامًا لـ"العين الإخبارية": "مع الأسف، شخصني الطبيب فقط بالاكتئاب، وأعطاني أدوية لتعالج الاكتئاب". وفي هذا الصدد، يوضح الدكتور الحديدي، بأنّه في بعض الأحيان، قد يكون الطبيب النفسي في بداية مشواره المهني أو قدراته ليست كافية؛ فلا يُدرك أنّ مرض مثل الاكتئاب أو القلق قد يكون مصحوبًا بوسواس قهري.
تستكمل سارة: "بعد فترة، ومن خلال قرائتي عبر الإنترنت، فهمت أنني مصابة بوسواس فكري، وذهبت لطبيب وأخبرته بذلك، وأعطاني علاج سلوكي مع دوائي". ويعلق الحديدي أنّ هناك العديد من حالات الوسواس القهري، تأتيه بعد بحث طويل عن أسباب حالتهم عند أطباء آخرين لم يفهموا حالتهم أو بحثوا عبر الإنترنت؛ ففهموا أنّ ما يراودهم ما هي إلا أعراض مرضية، ولا علاقة لها بقلة الإيمان أو الأفكار الأخرى المتعلقة بوصمة العار.
ضحية الشراكات
يقول سامح، شاب مصري ثلاثيني لـ"العين الإخبارية": "مع أول حالة هلع أُصبت بها، ذهبت إلى مشفى عام، وهناك أخبرني الطبيب أن لدي شريانًا في القلب، ولا بد من إجراء عملية، وهذا أحبطني كثيرًا، وانتكست حالتي النفسية". يستطرد سامح: "للأسف، عرفت أنّ الطبيب الذي طلب مني إجراء عملية، كان طبيب قلب". بعد وقت قصير، ومع ظهور بعض الأعراض الأخرى، ذهب سامح إلى أطباء آخرين، إلى أن أخبره طبيب أمراض باطنية بأنه يعاني من حالة نفسية، وعليه الذهاب إلى طبيب نفسي، وهنا بدأت رحلة سامح مع الأطباء النفسيين، والذين -حسب قوله- لا يعرفون شيئًا عن المرض، وكانوا يعطونه مهدءات كثيرة.
يُضيف سامح: "حاجة من ألف حاجة، كتب لي طبيب في إحدى المرات أدوية خاطئة، بسببها كنت أنام 48 ساعة متواصلة، وعندما أستيقظ لا أستطيع المشي". كانت هذه الأدوية التي تناولها سامح عبارة عن مهدئات، والتي تُعطى لمريض بجرعات محددة لفترة معينة، بحسب الدكتور أحمد الحديدي. لكن يبدو أنّ سامح كان يأخذ كميات كبيرة من الأدوية؛ إذ يقول لـ"العين الإخبارية": "أنا رامي شيكارة أدوية، بآلاف الجنيهات، منذ عام ونصف تقريبًا". ولم يستفد شيئًا.
ويبدو أنّ صرف الأدوية الكثيرة ليس خطئًا بريئًا في كل الأحوال؛ إذ تقول أسماء، مندوبة مبيعات طبية مصرية لـ"العين الإخبارية": "معظم الأدوية التي يكتبها الأطباء لا يحتاجها المريض، وإنما هي اتفاقات بين الأطباء وشركات الأدوية؛ من أجل تحقيق مبيعات أعلى". من واقع عملها كمندوبة مبيعات لشركات أدوية، تستكمل أسماء: "يستغل الأطباء هذا الأمر، ويطلبون في المقابل منا أموالًا أو أي مقابل مادي، مثل توفير تذاكر طيران وإقامة؛ لحضور لمؤتمرات خارج البلاد". وتُضيف مازحة: "في إحدى المرات، طلب طبيب من شركتي غسالة، يبدو أنه كان يُحضر لعرس ابنته".
نصف ساعة وسواس قهري
تقول سارة، طبيبة امتياز، أنها لا تعرف شيئًا عن مرض الوسواس القهري، ليست سارة وحدها، هناك العديد من طلاب الطب الذين لا يعرفون مرض الوسواس القهري، ويُعلق الدكتور أحمد الحديدي قائلًا لـ"العين الإخبارية": "في بلادنا، لا تُعطي المراحل الأولى من تعليم الطب قدرٍ كبير من التعليم الطبي النفسي، والأولوية للأمراض العضوية، على عكس دول العالم الأخرى، التي يمثل فيها ما بين 30 إلى 40% من المنهج العام؛ لأن الاضطرابات النفسية، تدخل كل الأمراض العضوية والنفسية".
ويوضح الحديدي أنّ تحجيم تعليم الطب النفسي، يجعل طلاب الطب ليسوا على دراية كافية بالأمراض النفسية؛ حتى درجات المواد المتعلقة بالطب النفسي أقل من درجات مواد الأمراض العضوية؛ فيتجه الطالب لاستذكار الأمراض العضوية، ربما يدرس الطالب مرض الوسواس القهري لمدة نصف ساعة من بين آلاف الساعات التي يقضيها في دراسة الطب. وهذا ليس كافيًا.
أفكارك الحرام لك!
يشرح الدكتور أحمد الحديدي أنّ المريض في أغلب الأحيان، يذهب للطبيب لعلاج الأعراض الجسدية التي تظهر عليه، سواء في البطن أو الصدر أو القلب، وهناك مرضى لا يحكون للطبيب حقيقة ما يدور داخل رؤوسهم مثل الأفكار التي تطرق باب التابوهات، الخاصة بالذات الإلهية والأفكار الجنسية أو العدوانية؛ إذ يُحرج المريض من حكي هذه الأفكار المحرمة للطبيب؛ لأنه يعتقد أنّ تلك أفكار نابعة من بنات أفكاره هو؛ فيشعر بالوصم، ويستبعد أنه مصاب بمرض. وامتناعه عن حكي هذه الأفكار للطبيب النفسي أو أي طبيب آخر عمومًا، تجعله عرضة للتشخيص الخاطئ.
من جانب آخر، تخلص دراسة أجراها عدد من الباحثين في قسم الطب النفسي في كلية بايلور للطب، بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أنّ نسب كبيرة من المرضى المصابين بالوساوس العقائدية والجنسية والعدوانية، معرضين للتشخيص الخاطئ، ويصعب على مقدمي الرعاية الصحية التعرف عليهم، وكانت النسب في الأفكار المعرضة للتشخيص الخاطئ، كالتالي:
- الجنسية: 52.7%
- العدوانية: 42%
- الديني: 34.7%
ويرى مؤلفو الدراسة أنّ المصابين بالوسواس القهري، يخشون من وصمة العار المتعلقة بالأفكار المحرمة، ما يجعل من الصعب عليهم الإفصاح عما يدور بداخلهم لأي شخص. ويقل احتمال إخبار المريض بما يعاني منه لأسرته، أو البحث عن معلومات أو طلب العلاج. أحيانًا يخجل المرضى عن الافصاح عن أفكارهم المحرمة للطاقم الطبي، ما يزيد احتمالية التشخيص الخاطئ.
وتُشير نفس الدراسة أيضًا إلى أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين ظهور الأعراض وتلقي العلاج لمعظم المرضى، قد يتراوح ما بين 11 إلى 17 عامًا في الولايات المتحدة، ويُعزى جزء كبير منها إلى عدم قدرة الطاقم الطبي على التشخيص الصحيح؛ خاصة، الأعراض المتعلقة بالمحرمات؛ إذ يؤدي التشخيص الخاطئ؛ إلى العلاج الخاطئ. ونشر الباحثون ما توّصلوا إليه في دورية «جورنال أوف أوبسيسيف كوملسيق آند ريلاتد ديسأوردرز» (Journal of Obsessive-Compulsive and Related Disorders) في يناير/كانون الثاني الثاني 2022.
وما خفي كان أعظم!
يصعب تقدير أعداد الأشخاص المعرضين للتشخيص الخاطئ؛ لكن الحالات التي تحدثنا إليها تؤكد أنّ أعداد المعرضين للتشخيص الخاطئ كثيرون؛ وفي هذا الصدد، سألنا منظمة الصحة العالمية (WHO)، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في القاهرة، عن احصائيات أو بيانات للأشخاص المصابين بوسواس قهري، وتعرضوا لتشخيص خاطئ؛ لكن لم يأتِ رد، ما دفعنا لإجراء استطلاعًا إلكترونيًا موّجهًا لأشخاص أُصيبوا من قبل بالوسواس القهري، أجاب عليه 45 شخصًا من 10 دول عربية مختلفة، مثل: مصر ولبنان والجزائر وليبيا والعراق والسودان وسوريا والمغرب وتونس والأردن، أجاب 18 شخصًا؛ أي 40% منهم أنه تعرض للتشخيص الخاطئ في بداية الأمر، وعاش في معاناة، وهناك من أعطاهم الأطباء أدوية غير صحيحة؛ نتيجة التشخيص الخاطئ. هذه النسبة بخلاف أبطال القصة الذين تواصلنا معهم بصورة مباشرة، وحكوا قصتهم.
فقد وجدت دراسة ألمانية منشورة في دورية «يوروبين سيكياتري» (European Psychiatry) عام 2010، أنّ 70% من المصابين بالوسواس القهري لا يتم تشخيصهم أو علاجهم.
يشرح الدكتور أحمد الحديدي، هناك العديد من الحالات التي تتعرض للتشخيص الخاطي، لكن هناك أعداد ضخمة من المصابين لا تذهب حتى للطبيب، ويعتبرونه وسواسًا شيطانيًا. ويذهبون للشيوخ والمعالجين الروحانيين، يقول الحديدي لـ"العين الإخبارية": "يذهبون للأماكن الخطأ، والأعداد التي تم تشخيصها لا تمثل سوى 10 أو 20% من الأشخاص غير المشخصة".
خوف من الإدمان
أما فضيلة؛ فقد أيقنت أنها تعاني من وسواس قهري منذ وقت طويل، وهي حالة «توّهم المرض»، ويشرح الدكتور جمال فرويز الحالة قائلًا: "عندما يسمع مريض توّهم المرض عن مرض ما، يتعايش معه، كأنه يعاني من هذا المرض، ويبحث عنه ويجري رنين وتحاليل، وتكون كل النتائج سلبية، لكن المصاب يصر على الطبيب أنه مريض". وهذا ما أكدته الفتاة الجزائرية البالغة من العمر 33 عامًا، فضيلة.
لكن فضيلة ترفض الدواء، وتخاف من أن يسبب لها إدمانًا، من جانب آخر، ترفض والدتها فكرة ذهاب ابنتها للطبيب أصلًا، ونعرف بعد ذلك أنّ والدتها كانت تعمل في الماضي ممرضة، ومرت عليها حالة مصابة بوسواس قهري، حصلت الحالة على علاج دوائي، وصارت مدمنة. الأمر الذي جعلها رافضة تمامًا فكرة أن تذهب ابنتها للطبيب؛ خوفًا من العلاج الدوائي، على الرغم من أنّ الدكتور فرويز يؤكد أنّ العلاج الدوائي لا يسبب إدمانًا، لكنه يعمل على ضبط كيمياء الدماغ. ويتفق الحديدي مع فرويز؛ ويقول لـ"العين الإخبارية": "العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الدوائي يكملان بعضهم البعض". وعادةً ما تُستخدم مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، التي تمنع الجسم من امتصاص السيروتونين (هرمون السعادة)؛ فيبقى لفترة أطول في الدماغ.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور "إريك ستورتش"، أستاذ في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية بايلور للطب لـ"العين الإخبارية": "مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لا تسبب الإدمان". ووفقًا لموقع "مايو كلينك"، فإنّ مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لا تسبب إدمانًا، لكن إيقاف العلاج فجأة، يُظهر أعراضًا شبيهة بالانسحاب، ويُطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة الانقطاع". لكن والدة فضيلة تُصر على ألا تذهب ابنتها للطبيب. أما أحمد؛ فيقول أنه حصل على العلاج، وخفت الأعراض وصارت حالته أفضل.
تبعات..
يقول الدكتور جمال فرويز لـ"العين الإخبارية": "المسافة بين الأعراض والكشف عن المرض، تؤثر على الاستجابة للدواء، هذا المرض عبارة عن تغيرات في النواقل العصبية في الدماغ، وتظهر هذه التغيرات بالرنين المغناطيسي، وعند تشخصيها مبكرًا، يمكن ضبط النواقل العصبية؛ فتعود إلى طبيعتها، لكن كلما تأخر العلاج، تستمر هذه النواقل في مرحلة الاضطراب، وتصبح حالة المريض مزمنة، وفي هذه الحالة أكتفي بالعمل على تحسين الحالة". ويرى الدكتور إيريك أنّ التشخيص الخاطئ للوسواس القهري، قد يجعل العلاج غير كافٍ. ويتفق معهما الحديدي.
ولا يتوقف الأمر عند المشكلات العلاجية؛ فقد يتسبب التشخيص غير الدقيق في حدوث مجموعة متنوعة من المشكلات، مثل: الاكتئاب والذهان والانتحار. ووجدت مراجعة أنّ 10% ممن يعانون بالوسواس، قد حاولوا الانتحار، بينما ثُلثهم لديهم أفكار انتحارية، بينما نصفهم، لديهم أفكار انتحارية خلال رحلة مرضهم، وذلك وفقًا لدراسة نُشرت في دورية «جورنال أوف إيفكتيف ديسأوردرز ريبورتس» (Journal of Affective Disorders Reports) في 2021.
لم يتعافى أحمد بشكل كامل من الوسواس؛ فقد تأخر علاجه لفترة طويلة، لكن صارت سارة في حال أفضل، بينما صار سامح داعمًا لمرضى الوسواس القهري بعدما تعافى منه، وذلك عبر التحدث إليهم ودعمهم نفسيًا من خلال تجربته مع المرض. أما منير، صارت حالته أفضل وفي تحسن؛ إذ بدأ العلاج حديثًا.
ملاحظة: أسماء الحالات المصابة بالوسواس القهري المذكورة في القصة مستعارة، حفاظًا على الخصوصية.
(أُنتجت هذه القصة، كجزء من مشاركة الكاتبة في زمالة "نحو صحافة صحية فاعلة"، المُقدمة من مؤسسة تومسون رويترز)