ليس هذا أول تغيير لأسماء الشوارع والميادين والمباني بمصر، خصوصاً بعد أن ظفر الضباط الأحرار بحكم مصر منذ 1952 وإنهاء العهد الملكي.
لست من محبذي تغيير أسماء الشوارع الكبرى والميادين الجامعة، خصوصاً تلك الأسماء التي مرّت بها الدهور وكرّت عليها القرون.
يستثنى من ذلك حين يراد تكريم شخصية قدمت للبلاد أو للإنسانية خدمة جلّى، ليس في الحروب فقط، بل بكل مجال، أو تخليد حدث ما يهمّ البلاد، حدث ضخم كبير نادر، هنا، يصبح وسم الشوارع والميادين بميسم جديد مسوّغاً.
غير ذلك، أظن أن أسماء الشوارع والميادين والمباني جزء من الذاكرة التاريخية، حتى لو حلّ زمن وعهد ونظام سياسي محلّ آخر.
قد يكون هذا الكلام به شيء من المثالية، ولا يتسق مع حرارة المشاعر الآنية، وبصراحة، قليل هم من يقاومون استفزاز الاسم لهم، إذا ذهب صاحب الاسم وذهبت معها قوته وسحره.
لا يخفى أن هناك ما يشبه الحرب الباردة بين مصر وتركيا؛ مصر الرافضة لحكم الإخوان ومن يلوذ بكنف الإخوان، الثورجية، وتركيا التي يقودها صاحب المزاج «العصمنلي» الحارّ، الرئيس رجب طيب إردوغان.
ليست مصر فقط التي تأنف من هذا المزاج الهجومي التركي الجديد على قضايا العرب، تحت رايات الباب العالي الجديدة، بل عدة دول عربية وغير عربية
ليست مصر فقط التي تأنف من هذا المزاج الهجومي التركي الجديد على قضايا العرب، تحت رايات الباب العالي الجديدة، بل عدة دول عربية وغير عربية.
أخيراً، وفي ظل هذه الحالة، أصدرت السلطات المصرية المحلية قراراً بتغيير اسم السلطان العثماني الموجود بأحد شوارع حي الزيتون بالعاصمة المصرية القاهرة، نعلم بأن سليم الأول، «سليم ياووز» بالتركية يعني القاطع، استولى على حكم مصر 1517، بعدما هزم المماليك وقتل آخر ملوكهم طومان باي.
ليس هذا أول تغيير لأسماء الشوارع والميادين والمباني بمصر، خصوصاً بعد أن ظفر الضباط الأحرار بحكم مصر منذ 1952 وإنهاء العهد الملكي؛ مثلاً استبدل بشارع الملك فؤاد، 26 يوليو، وقبل ذلك ميدان الإسماعيلية، نسبة للخديوي إسماعيل، صار ميدان التحرير، وهكذا.
بالمقابل، ثار غضب الرئيس التركي، حميّة «عصمنلية»، على من نقد الحاكم العسكري للمدينة المنورة أثناء الحرب العالمية الأولى، الذي نكّل بالأهالي شر تنكيل، ورأى رجب طيب أردوغان أن ذلك القائد، فخر الدين باشا أو فخري باشا، شخصية معظمة، وأنه من أجداده الذين يفخر بهم، فوجه رئيس بلدية أنقرة بتغيير اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة دولة الإمارات، ليصبح «فخر الدين باشا»!
أما أشهر تغيير اسم شارع من باب «الكيد السياسي»، فكان تسمية الشارع الذي تقع فيه السفارة المصرية بطهران إلى اسم «خالد الإسلامبولي»، الإرهابي قاتل الرئيس أنور السادات.
حاصل القول: إذا كان الاسم محفوراً بالذاكرة، حلوة أو مرّة كانت الذاكرة، سيظل معلماً على الأماكن، رغم قرارات البلديات والمحافظات، والله أعلم.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة