دقات ساعة منتصف الليل ليلة ميلاد العام الجديد لا تحمل في طياتها دوما ميلادا جديدا لما لم يولد من قبل.
الزمن دائما يحمل في طياته الكثير مما سبق بما فيها من جينات وخلايا تعيد قسمة نفسها بينما تتغير في الوقت نفسه.
البحث في شروق عام جديد، 2022 هذه المرة، هو معاناة مع ما هو مستمر وما هو متغير، ومن رحم الأول يولد الثاني.
ولا يوجد بداية لتجسيد ذلك قدر النظر في قضية العام الذي في طريقه إلى زوال، وما سوف يحدث لها مع شروق عام جديد.
قضية "كوفيد-19" بدأت معنا والدنيا كلها مع مطلع عام 2020 مترددة حتى جاء شهر مارس حينما جرى الاعتراف العالمي بوجود "الجائحة" أو الهلاك الذي استمر معنا حتى العام الجاري وفي طريقه إلى العام القادم.
ومع ذلك فإن الأحوال لم تكن متماثلة أو متشابهة فيما سبق وما لحق، والمؤكد فيما سوف يأتي.
في البداية كان العالم حائرا، ورغم التأكد من حدوث الوباء فإن النظرة الأولى لها كانت من البساطة بحيث ذاع عنها سيناريو ما حدث من أوبئة سابقة من تحليل الفيروس التاجي، ثم توفير اللقاحات والعلاجات اللازمة له.
كان طبيعيا النظر في الكتب السابقة عن كيفية الوقاية في بلاءات مضت ذاع منها الحديث عن الإنفلونزا الإسبانية في أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى.
ولكن سرعان ما جرى اكتشاف أن العالم لم يعد بهذه البساطة، ورغم التقدم التكنولوجي والعلمي فإن "العولمة" أعطت قوة جبارة لانتشار المرض، والتنافس بين الدول بات من الحدة والحماس إلى تبادل الاتهامات بالمسؤولية، وظهر أن الفيروس كان من الذكاء والتعقيد والمراوغة والتحور بحيث احتاج الأمر إلى عام كامل حتى يظهر اللقاح، ولكن التصنيع والتوزيع أخذ العام الثاني كله.
وفي السنة الثانية أيضا ظهر قرب نهايتها أن النتائج الاقتصادية تحتم بداية فتح الأبواب والأسواق، وهو ما يجعل بداية العام الجديد، ولو أنه يحمل في طياته أكثر من 270 مليون مصاب، وأكثر من 5 ملايين ضحية، فإنه سوف يكون فيه عودة الأسواق ليس إلى سابق عهدها، وإنما عودة مع الاحتراز، واتخاذ الإجراءات الواقية.
لا تزال الجائحة قائمة، ولكن العالم دخل مرحلة أخرى من "المعتاد الجديد" مع وجود اللقاح والعلاج، وجمع كامل من الإجراءات الضرورية داخل الدول وفيما بينها في المطارات والمواني وحدود الاتصال.
ولكن هناك أمورا أخرى لا تعرف هذا الانتقال من معتاد إلى آخر، وقبل أن ينتهي عام 2021 فإن شروق عام 2022 سوف يحمل في طياته أزمتين دوليتين:
الأولى أزمة الولايات المتحدة مع إيران حول امتلاك الأخيرة للسلاح النووي، والثانية مع روسيا حول أوكرانيا.
لم تولد الأزمة الأولى فجأة ولكنها استغرقت سنوات عدة، منذ بدأت إيران في تطوير السلاح رغم عضويتها في اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وفي عام 2015 جرى الاتفاق في مفاوضات "5+1" على وقف هذا التطوير مع رفع العقوبات الواقعة على إيران.
في 2018 قام الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من الاتفاق، وأعاد فرض العقوبات، وفي العام الذي تغرب شمسه عادت أمريكا، بايدن هذه المرة، بالعودة إلى ذات المعادلة: وقف التطوير مقابل رفع العقوبات.
عام 2022 سوف يشرق بحل لما جرى على هذه معادلة من تغيرات، فلا كانت إيران ساكنة نوويا واستراتيجيا خلال سنوات الانقطاع، ولا كان العالم -وأمريكا خاصة- بات قادرا على تحول قوة نووية جديدة علنا أو سرا.
العام 2022 سوف يجد حلا يكرس لمعظم القديم ولكنه يعطي مساحة للتعامل مع ما هو جديد، ولكن نهاية الأزمة النووية الإيرانية لن تعني نهاية الأزمة الإيرانية في عمومها عالميا وإقليميا.
الأزمة الحاكمة الثانية لها أصول تاريخية سابقة على ما تولد في عام 2021 وقبل أكثر من ثلاثة عقود كان وجود الحرب الباردة الأولى التي جعلت أوكرانيا في مدار الاتحاد السوفييتي، وبعد انتهاء الحرب وانهيار الاتحاد السوفييتي وبزوغ روسيا الاتحادية مرة أخرى، إذا بحلف الأطلنطي يتمدد في الفراغ الاستراتيجي الذي نجم عن انهيار حلف وارسو.
روسيا الضعيفة لم يكن لديها ما تفعله سوى محاولة بائسة لكي تكون في معسكر الغرب عندما دخلت إلى مجموعة الدول الثمانية، ولكن وصول بوتين إلى السلطة جعل من وصول حلف الأطلنطي إلى جورجيا وأوكرانيا خطا أحمر.
بدأ التاريخ يأخذ مسارا آخر عندما تولى فلاديمير بوتين السلطة الروسية في عام 2000، وعاما بعد عام بزغت روسيا مرة أخرى، تدخلت عسكريا في جورجيا وفي سوريا وضمت إقليم القرم من أوكرانيا.
وفي مشهد من مشاهد ما قبل الحرب العالمية الثانية وجدت الأقلية الروسية في شرق أوكرانيا المناسبة مواتية للانشقاق على الحكومة المركزية.
المعادلة المعقدة أصبحت تحتوي على ما تبقى من تراث ما بعد نهاية الحرب الباردة في نشر الديمقراطية والأمن الغربي حتى الحدود مع روسيا، وما بات ظاهرا من واقع روسي حازم على الجبهة الشرقية، والحالة الأوكرانية المعقدة ما بين الاستقلال والوحدة وحق تقرير المصير لأقلية.
العام 2022 سوف يحاول حل هذا التعقيد في صفقة تلمع كالنور أحيانا، وتذهب إلى غياهب الظلمات أحيانا أخرى.
الصفقة هي:
تبقى أوكرانيا على حالها ولا تدخل حلف الأطلنطي، ولكنها من الممكن أن يكون لها علاقات خاصة مع الاتحاد الأوروبي، أما روسيا فإن القرم باتت من نصيبها، وبينما توجد مساعدات عسكرية غربية إلى أوكرانيا فإن الصواريخ الغربية لن يتم نشرها في أوكرانيا.
في الأزمتين، الإيرانية والأوكرانية، لم تعد الحال كما كانت عليه في نقطة البداية، لأن التغيير بدأ قبلها، وكان ذلك ما حدث خلال الأعوام التالية، وفي عامنا 2021 استحكم الخطر، ولكن عام 2022 لا يوجد أمامه إلا حل معادلة تضمن تغيير كل شيء مع بقاء الأمر على حاله من عداء!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة