سلاسل الإمدادات.. هل يكون الركود علاجا لأزمة التوريد العالمية؟
يعتبر تراجع الطلب أحد أبرز ملامح الركود، إلى جانب تسريح العمالة من الوظائف، ما يعني تراجع وفرة السيولة في الأسواق.
وبشكل جزئي، تحسنت وتيرة سلاسل الإمدادات العالمية في قطاع الحبوب، مع استمرار المخاطر من تذبذب التوريد قطاعات كالغاز الطبيعي والأسمدة وبعض السلع الأولية من المعادن وأشباه الموصلات.
وتراجعت أسعار الحبوب عالميا مع عودة تدفق الإمدادات من الموانئ الأوكرانية، تنفيذا لاتفاق إسطنبول القاضي بعودة تصديرها مجددا بعد 5 شهور على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/شباط الماضي.
ومع طرق الركود الاقتصادي أبواب الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي تأثيرات على الاقتصاد العالمي، فقد تكون هذه الأزمة نقطة تحول لصالح تخفيف الضغط على سلاسل الإمدادات العالمية.
يعتبر تراجع الطلب إحدى أبرز ملامح الركود، إلى جانب تسريح العمالة من الوظائف، ما يعني تراجع وفرة السيولة في الأسواق، ينتج عنه تراجع الطلب على الاستهلاك.
وهذا ما يطمح له الفيدرالي الأمريكي، عبر خفض وتيرة السيولة داخل الأسواق، وهو ما لاحظته الأسواق من إعلان نمو كبير في الوظائف الأمريكية خلال يوليو/تموز الماضي بـ528 ألف وظيفة جديدة، ما يعني أن الفيدرالي أمام تشديد نقدي عبر الاستمرار بزيادة أسعار الفائدة.
وكل زيادة كبيرة على أسعار الفائدة، يكون الفيدرالي قد سرّع حدوث الركود في الاقتصاد الأمريكي، إذ يعي الأخير أنه أمام خيارين أحلاهما مر، لكنه يجد في محاربة التضخم أولوية على مواجهة الركود.
ولحين حدوث الركود والذي يقول مسؤولو الفيدرالي إنه سيكون ركودا ناعما، فإن الضغط على سلاسل الإمدادات سيبقى حاضرا داخل السوق الأمريكية والعالمية على حد سواء.
لكن في حالة الركود، فإن الطلب على السلع سيشهد تراجعا بصدارة السلع الثانوية، وهنا قد تهدأ أزمة سلاسل التوريد في بعض القطاعات، مثل الرقائق والمواد الأولية كالمعادن، ولكن بشكل متباين.
وسيعيد الاقتصاد العالمي بشكل تلقائي، توزيع إمدادات السلع على الأسواق الأقل تضررا من الركود الاقتصادي، وبالتالي تخفيف الضغوط والطلب الكبير على صناعة التوريد والنقل والإنتاج.
فخلال فترات الازدهار الاقتصادي والركود والانتعاش، يتغير السلوك الشرائي للمستهلكين؛ على سبيل المثال، قد يكون المستهلكون أكثر عرضة لشراء سيارة خلال فترة التوسع، وليس خلال فترة الركود لن يكون الأمر كذلك.
وتستند الواردات النسبية للعناصر في مؤشر أسعار المستهلك بمختلف التقارير الصادرة عن أجهزة الإحصاء المركزية، إلى استطلاعات للسلوك الشرائي للمستهلكين وتخبرنا كيف تغيرت مشتريات المستهلكين بمرور الوقت.
لذلك، تعتبر قرارات الاستهلاك من المحددات الحاسمة لدورات الأعمال والنمو، وفي حالة خصوصية فترات الانكماش الحاد هي أن الإنفاق الاستهلاكي من المرجح ألا ينخفض فحسب، بل سيقوض أيضا احتمالات الانتعاش.
لكن في حالة الركود الاقتصاد الأمريكي، فإن أعضاء الفيدرالي ما زالوا يذكرون شكل الركود قبيل الأزمة المالية العالمية 2008، إذ كانت هناك ثلاث سمات للركود.
أولاً أنه كان ركودا عميقا، حيث انخفض نصيب الفرد من الاستهلاك، إذ كان الانخفاض أقوى بالنسبة للسلع المعمرة (ومن بينها المركبات)، والإنفاق على السلع غير المعمرة (وخاصة) الخدمات انخفض أيضا بشكل كبير.
ومن المثير للاهتمام أن الاستهلاك انخفض (واستغرق الأمر وقتًا أطول للتعافي) أكثر من الدخل المتاح، ويرجع ذلك جزئيًا إلى زيادة التحويلات الحكومية إلى الأسر (لا سيما مطالبات التأمين ضد البطالة).
ثانياً، كان الركود طويلاً؛ ففي الواقع، كان أطول ركود حتى الآن منذ الكساد الكبير في عام 2007 حتى عام 2009، والذي شهد انخفاض الاستهلاك بنسبة 2% عن مستويات ما قبل الركود.
ثالثًا، قد يكون للتغيرات في الأسعار النسبية، وخاصة البنزين، صدى على كل من استهلاك البنزين والسلع التكميلية له مثل السيارات وخدمات النقل، إذ قد يرافق الركود استمرار في ارتفاع أسعار الوقود على سبيل المثال، وهو ما سيعمق ضعف الطلب على المركبات.