سوريا والقمة العربية.. "توافق عربي" يملأ المقعد الفارغ
"أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي".. كلمات لخص بها خبراء سوريون رؤيتهم لعودة بلادهم للمشاركة في القمة العربية، بعد انقطاع دام ١٠ سنوات.
واعتبر ثلاثة خبراء سوريين، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، مشاركة بلادهم في قمة الجزائر المقبلة أنها "ستكون بمثابة إعلان لعودة سوريا للجامعة العربية".
وأعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، مساء الجمعة، مشاركة سوريا في القمة العربية المقرر عقدها في مارس/آذار المقبل.
وقال تبون، خلال مقابلة مع وسائل إعلام محلية، إن "سوريا من المفروض أن تكون حاضرة في القمة العربية"، متعهدا بأن تكون القمة التي تحتضنها بلاده "جامعة وشاملة وبحضور جميع أعضائها".
وجاءت تصريحات الرئيس الجزائري، عقب اتصالات ولقاءات عربية مكثفة عكست جهودا حثيثة باتجاه عودة سوريا للبيت العربي.
ولعل من أهم هذه اللقاءات، الزيارة الأخيرة للشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي إلى سوريا في ٩ من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وجاءت الزيارة الأولى لمسؤول إماراتي بهذا المستوى منذ أكثر من ١٠ عوام، بعد أقل من شهر على اتصال هاتفي جرى بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية والرئيس السوري بشار الأسد.
ولم يكن الاتصال الأول بينهما، إذ أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصالا سابقا بـ"الأسد" في مارس/آذار 2020، في بادرة إماراتية لافتة لمساعدة دمشق في دعم جهود مكافحة جائحة كورونا.
توافق عربي
غسان يوسف، الكاتب والمحلل السياسي السوري قال لـ"العين الإخبارية" إن "حديث الرئيس الجزائري بشأن ضرورة عودة سوريا للجامعة العربية ليس الأول من نوعه، لكن التوقيت يحمل دلالة التوافق العربي حول مشاركة دمشق بالقمة المقبلة".
وأضاف يوسف: "أعتقد أن الرئيس الجزائري تشاور مع كثير من الدول العربية وفي مقدمتها الإمارات والسعودية ومصر ولذلك أعلن هذه الخطوة".
وأشاد بثمار هذه الخطوة، قائلا: "سوريا دائما كانت قلب العروبة النابض، ونحن نعتبر العمق السوري هو العمق العربي، وبالتالي ضروري انخراطها في القرارات التي تخص المنطقة بشكل عام".
وتابع: "سوريا كانت ضحية الإرهاب، واليوم انكشف زيف ما يسمى الربيع العربي والمؤامرات التي كانت تستهدف زعزعة الوضع العربي".
وتابع: "لذا أغلب الدول العربية حاليا موافقة على مشاركة سوريا وعليه لن تلقى عودتها للجامعة العربية أي عراقيل".
ثمار لا تحصى
شريف شحادة، عضو في البرلمان السوري السابق، رأى بدوره أن "إعلان مشاركة سوريا في القمة العربية يعكس حتمية عودة بلاده في هذا التوقيت في ظل التحديات الجسام التي تواجه المنطقة".
وقال: "عودة سوريا ضرورة لحماية الأمن القومي العربي ولتفعيل العمل العربي، بل إن وجودها بات ضروريا في ظل التحديات المختلفة، كما تستفيد بلادنا اقتصاديا واجتماعيا".
ويرى المحلل السياسي المقرب من دوائر صنع القرار في دمشق، أن الانفتاح العربي الأخير على سوريا مهد الطريق لهذه الخطوة.
وأضاف: "جهد إماراتي أردني مصري كان واضحا بالإضافة إلى سلطنة عمان ولبنان.. كل المواقف العربية أصبحت واضحة تجاه هذه العودة".
ويتبنى كل من "شحادة" و"يوسف" الرأي القائل بأن "سوريا لم تنسحب من الجامعة العربية، وبالتالي يجب أن تقدم التسهيلات لاستئناف نشاطها ووقف قرار التجميد".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011، جمدت الجامعة العربية مقعد سوريا، لحين الالتزام الكامل من قبل دمشق بتعهداتها ضمن "المبادرة العربية" التي طُرحت آنذاك لحل الأزمة والاضطرابات الداخلية.
إلا أن المرحلة الحالية في سوريا على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية تجاوزت الظروف السائدة في العام المذكور، ما دفع العديد من الدول إلى تبني عودة دمشق إلى الجامعة العربية.
تطورات دولية وإقليمية
هذه العودة المنتظرة لسوريا للجامعة العربية، يعلق عليها خالد شنيكات المحلل السياسي السوري بقوله: "جميع المؤشرات كانت تذهب لهذا الاتجاه وهي أن سوريا عائدة للجامعة العربية، عائدة لمؤسستها في القمة العربية".
ويمضي قائلا: "مشاركة سوريا في القمة المقبلة تعني فعليا عودتها للجامعة العربية وللحضن العربي، خاصة في ظل جملة من التطورات التي تشهدها بلاده على المستوى الدولي والإقليمي".
وعدد المحلل السياسي السوري هذه التغييرات بقوله: "الولايات المتحدة أجرت بعض الاستثناءات على قانون قيصر الذي يقرض عقوبات على سوريا، حيث لم تعد واشنطن ملتزمة بتطبيقه حرفيا، نتيجة للتغيرات في الإقليم تتعلق بالوضع في لبنان وحتى على مستوى التعامل مع الوضع في إيران".
تطور ثان، لفت إليه شنيكات، وهو تعزيز سيطرة دمشق على معظم الأراضي السورية، بينما أصبحت المعارضة في مناطق هامشية وغير ذات أهمية لم تعد مؤثرة على مجريات الأحداث في الداخل.
وأشار إلى أن هناك تفاهم تركي روسي لهذا التطور والقبول بالأمر الواقع، مرجعا الأمر لتغييرات في الأجندة التركية التي تضع أولوية لعودة اللاجئين السوريين لبلادهم واستئناف التعاون الأمني والاستخباراتي.
على المستوى العربي، يستطرد: "عودة سوريا للجامعة العربية ستكون ضمن تغييرات تعصف بالإقليم، والأولوية الآن لضبط وجود المليشيات العسكرية الموجودة على الأراضي السورية، وما تسببه من خطر لدول الجوار".
ويختتم: "كل الاتجاهات العربية من زيارات ولقاءات واتصالات تدل على التعاون والتعامل والعودة السورية للمنطقة والانخراط بقضاياها".
وتشارك مصر الانفتاح الإماراتي بشأن سوريا. ففي ٢٥ سبتمبر/أيلول ٢٠٢١، اجتمع وزير الخارجية المصري سامح شكري، مع نظيره السوري فيصل المقداد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو الاجتماع من نوعه بين مسؤولي البلدين منذ بدء الأزمة السورية.
في غضون ذلك، تلقى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري للمرة الأولى منذ عشر سنوات. وأعيد فتح الحدود بين البلدين بهدف تنشيط حركة التجارة.
ودعمت الجزائر على لسان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، طرح عودة سورية للجامعة العربية، وهو ما دعمته التصريحات الأخيرة للرئيس تبون أمس حول ضرورة مشاركة سوريا في القمة العربية المرتقبة.
aXA6IDE4LjE5MS4xNjUuMTkyIA== جزيرة ام اند امز